viernes, 15 de julio de 2011

التَرْبِيَة

التَرْبِيَة : مَفهومها وَمَكانتها

                                                                                                                             
تعود كلمة التربية إلى أصول لغوية ثلاثة هي :

- رَبَا  : بمعنى نَما ينمو .
- ورَبِيَ : بمعنى نَشَاَ وترعرع .
- ورَبَّ : بمعنى أصلح وساس وتولى ، وقام على ، ورعى .

فالتربية إذاً : إنشاء الشيء حالاً فحالاً إلى حد التمام ، كما يقول الراغب ..
وهي تعهد الشيء ورعايته بالزيادة والتنمية والتقوية ، والأخذ به في طريق النضج والكمال الذي تؤهله له طبيعته ، كما قال الدكتور دراز رحمه الله .

وإذا عرفنا معنى التربية ، وأدركنا النتائج ، فإن ذلك يؤدي بنا إلى معنى الشرع والدّين .

لأن التربية تستمد جذورها منه ، وطبيعة النفس الإنسانية طبيعة متديّنة ، والإنسان في حقيقته كائن مُتديّن ، كما بين الأستاذ الباني حفظه الله .

وعليه فإن التربية الإسلامية هي التنظيم .. " أو مجموعة النُظُم النفسية والاجتماعية التي تؤدي إلى اعتناق الإسلام وتطبيقه كلياً في حياة الفرد والمجتمع ..

وهي ضرورة حتمية لتحقيق الإسلام كما أراد الله أن يتحقق ، وبهذا المعنى : تهيئةُ النفس الإنسانية لتحمل هذه الأمانة ، وهذا يعني بالضرورة أن تكون مصادر الإسلام هي مصادر التربية الإسلامية .

فالقرآن الكريم يحاكي النفس ويربيها على القيم السامية ، ويحملها عليها حملا ، رغباً ورهبا .. ويرسّخ فيها الايمان وينمي في سلوكها العمل بمقتضى أوامر الله .

التربية في ســــيرة محمّد صلّى الله عليه وسلّم

وكان الرسول صلّى الله عليه وسلّم شخصيّةً تربيويّةً فذّة يراعي مواهب الإنسان ، ويلتمس دوافعه الغريزية ، ويوجه الطاقات ، طاقات العقل والجسم والرّوح معاً ، للتجاوب مع الهدف الأعلى ، الذي يسمو بالفرد وينهض بالمجتمع .

ولهذا فقد كانت التربية التي تعهّد بها النبيّ صلّى الله عليه وسلم أصحابه ، هي لبّ عمليّة التغيير وأساسه ، قال المودودي :

( أنظروا قليلاً فيما تحرّى النبيّ  صلّى الله عليه وسلم ، من التدرّج والترتيب للبلوغ إلى هذه الغاية – تحقيق العبودية لله – فقد قام بدعوة الناس – أولاً وقبل كل شيء –

إلى الايمان وأحكمه في قلوبهم ، وأتقنه على أوسع القواعد وأرحبها ، ثم نَشّأ في الذين آمنوا تعليمه وتربيته طبقاً لمقتضيات هذا الايمان تدرّجاً بالطّاعة  العملية ، أي الإسلام ، والطهارة الخلقية ، أي التقوى ، وحبّ الله والولاء له ، أي الإحسان .

ثم شرع بسعي هؤلاء المؤمنين المخلصين ، المنظَّم المتواصل في تحطيم النظام الفاسد ، للجاهلية القديمة واستبدال نظام صالح به ، قام على القواعد الخلقية والمدنية المقتبسة من القانون الإلهي المنزل من الربّ تعالى .

ثم لمّا أصبح هؤلاء الذين آمنوا ولبّوا دعوته في كلّ وجهةٍ بقلوبهم وأذهانهم وأخلاقهم وأفكارهم وأعمالهم – مسلمين مُتَّقين مُحسنين بالمعنى الحقيقي – أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يرشدهم إلى ما يزيّّن حياة المتقين المحسنين من الآداب والعادات المهذّبة في الهيئة والملبس والمأكل والمشرب والمعيشة والقيام والجلوس ، وما إلى ذلك من الشؤون الظاهرة ، وكأنني به فَتَنَ الذّهب ونقّاه من الأوساخ والأدران أولاً ، ثم طبع عليه بطابع الدينار .. ودرَب المقاتلين أولاً ثم كساهم زيّ القتال .. وهذا هو التدرّج الصحيح المرضي عند الله في هذا الباب ، ( كما يبدو لكل منْ تأمل القرآن والحديث وتبصّر فيهما ) .

نظرية التربية التغييريّة الإسلامية :

إن عملية التغيير الاجتماعي ، التي تجري وفق سنن التغيير لِما بالأنفس ، تقوم وفق منهج تربويّ متكامل متجدّد مواكِب لِما يحدث في النفس والمجتمع من تغييراتٍ دائمة ..
والبرنامج الطبيعي لتحقيق التغيير الشامل ، يقوم :

-  على تربية الجيل من خلال الايمان والثّقة بالله ، والجهاد المستمر ، مع الرؤية الواضحة للأهداف .. كلّ ذلك في ضوء القرآن والسنة .

- وعلى تلاحم الجيل المنظّم المتعاون الذي يكوّن التغيير وخميرته في المجتمع .

- وعلى قيام هذا الجيل المنظّم بالتطبيق العملي الطّوعي وقيامه بالمؤسسات المستقلّة التي يشرف عليها بنفسه .

- بعدها يأتي التغيير القيادي بأوسع مفهوم للكلمة ، أي القيادة الفكريّة والاقتصادية والاجتماعية وأخيراً السياسية .

الفرق بين التربية والتعليم :

كثيراً ما يُطلَق لفظ التعليم على ما يُقصَد من كلمة التربية ، ولكن تحرير المصطلح يفرض علينا بيان أن التعليم يتناول غالباً المعلومات ، أي من الناحية العقلية ، وقد يتناول إتقاناً لمهارةٍ من المهارات ، أما التربية فتتناول ما هو أهم من ذلك ، إنها تتناول السلوك والعاطفة ، والاتجاهات الأخلاقية ، وايقاظ المشاعر السامية ، والتدريب على الخلق الجميل .

فالتربية تشمل جميع جوانب الشخصية الإنسانية ، وهي تستعين بوسائل ، منها " التعليم "  ، أي التعليم بمعناه المحدود .

لذلك فقد ربّى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه جميعاً تربية ، ولم يُلقنهم فنّاً أو علماً حتى قال قائلهم : " كنّا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نجاوز السورة من القرآن حتى نحفظها ونعمل بها .. فتعلّمنا العلم والعمل جميعاً " .

فالتربية إذاً ، تقتضي خططاً متدرجة تسير فيها الأعمال التربوية والتعليمية ، وفق ترتيب منظم صاعد ينتقل بالمرء من طور إلى طور ومن مرحلة إلى مرحلة ، مُراعياً الجوانب النفسية والبيئية وعمر الإنسان وقدرته الطبيعية على التَّلّقي والنّمو .


رياج ططري    
        

No hay comentarios:

Publicar un comentario