martes, 29 de noviembre de 2011

ســَـبيل السَّـــلام 5


 ســَـبيل السَّـــلام  5

لا بدّ من منهج كامل يتوافق مع كمال الصنع الإلهي :

وكما أن وحدة المعتقد والشريعة هما الوسيلة الوحيدة لإزالة الاختلاف ، فإن كمالهما هي الوسيلة المفردة لدوام الوئام واستمرار الحياة  .

( ولما كان البشر لا يملكون أن يدركوا جميع السنن الكونية ولا أن يحيطوا بأطراف الناموس العام ، ولا حتى بهذا الذي يحكم فطرتهم ذاتها ويخضعهم له ، رضوا أم أبوا ، فإنهم ، من ثم ، لا يملكون أن يشترعوا لحياة البشر نظاماً يتقق به التناسق المطلق بين حياة الناس وحركة الكون ولا حتى التناسق بين فطرتهم المضمرة وحياتهم الظاهرة ، إنما يملك هذا خالق الكون وخالق البشر ومدبر أمره وأمرهم وفق الناموس الواحد الذي اختاره وارتضاه ) .

لذا فإن العمل بمنهج الإسلام أصبح واجباً لتحقيق هذا التناسق ، لفشل كل ماعداه في توفير ذلك .. وهذا ما نراه في توفير ذلك .. وهذا ما نراه بأم أعيننا حيث يجري تطبيق الشرائع الإنسانية في أوطاننا فيكون نتيجة ذلك / الفوضى والخراب والتشتت والضياع .   

لا بدّ من نموذج يحتذى :

                وكما أنه لا تقوم لحياة الإنسان قائمة إلا باتباعه لمنهج الله .. فإنه أيضاً يحتاج إلى نموذج ، هو من الكمال والتمام بحيث لا يمكن تجاهله .. ولكن ضمن النطاق الإنساني بحيث يكون بمقدور كل إنسان أن يقلد القدوة ليعلو ويتدرج في مسالك الكمال ، لذا فقد اقتضت الحكمة الربانية أن تكون القدوة من جنس البشر ، وأن تكون قد بلغت أعلى درجات الكمال الإنساني الممكن .

إن من كمال القدوة ضربها المثل الأفضل ، للحياة الإنسانية بكل تفصيلاتها .. ( لأن السيرة التي يحق لصاحبها أن يتخذ الناس من حياته ، أسوة حسنة ومثلاً أعلى ، يشترط لها قبل كل شيء :
                -  أن تكون سيرة " تاريخية " أما السِيَر القائمة على الأساطير وأحاديث خرافة لا تدعمها الروايات الموثوق بصحتها ، فإن من طبيعة الإنسان أن لا يتأثر بما يحكى له من سيرة لشخصية مفترضة لا يعرف لها التاريخ أصلاً صحيحاً .

                - أن تكون " جامعة " أي محيطة بأطوار الحياة ومناحيها وجميع شؤونها .
               - أن تكون " عملية " أي أن تكون الدعوة إلى المبادئ والفضائل والواجبات بعمل الداعي وأخلاقه ، وأن يكون كل ما دعا إليه بلسانه قد حققه بسيرته ، وعمل به في حياته الشخصية والعائلية والاجتماعية فأصحبحت أعماله مُثلاً عُليا للناس يأتون بها .
                - أن تكون " كاملة " أي أن تكون متسلسلة لا تنقص شيئاً من حلقات الحياة .
               
                وليس في الدنيا سيرة اجتمعت لها الصفات السابقة كسيرة القدوة المثلى عليه الصلاة والسلام ، وهذا من أصدق البراهين على كونه خاتم النبيين ولا نبي بعده .

 " ماكان محمدٌ أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين  " الأحزاب 40 .

رياج ططري

4 ســَـبيل السَّـــلام


4  ســَـبيل السَّـــلام



الاختلاف بين الناس ، منشؤه  اختلاف المشارب :

إن الدين عند الله الاسلام منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى آدم عليه السلام ، وتطورت البشرية ونمت ، وبقي إسلام واحد على لسان كل الرسل ، بينما كانت تختلف الشرائع بحسب كل أمة ، ومدى تطورها إلى أن ختمت بشريعة الإسلام على يد خاتم المرسلين محمد (ص), حينما نضج العقل الإنساني وبلغ شأواً بعيداً .

وما نجده من اختلاف بين الناس ، إنما مرده اختلاف المشارب التي يسقون منها ، وتباين التصورات والقدرات بين فرد وآخر ، وأمة وأخرى .. هذا الاختلاف ، وذاك التباين ، هما سبب تشتت الناس وتصارعهم ، ذلك أنه لو اتجهوا جميعاً نحو إله واحد ، ورسالة واحدة ، وشريعة فريدة ، لما حدث هذا الذي نراه في واقعنا الحاضر .  
    
وهنا نقف برهة لنتساءل .. وهل يجب أن يتم التلاؤم والوفاق في كل شيء .. الجواب على ذلك هو أن لا بدّ من اختلاف في الفرعيات نظراً لتنوع المواهب ، وبتنوع المواهب ، تتنوع الوظائف ، ولا بد من اختلاف في الاستعداد بسبب الاختلاف في الحاجات .

        " ولا يزالون مُختلفين – إلا من رَحِم ربك – ولذلك خَلَقهم "

        ( هذا الاختلاف في الاستعدادات والوظائف ، ينشئ بدوره اختلافاً في التصورات والاهتمامات والمناهج والطرق .. ولكن الله يحب أن تبقى هذه الاختلافات المطلوبة الواقعة داخل إطار واسع عريض يسعها جميعاً حين تصلح وتستقيم .. هذا الإطار هو إطار التصور الايماني الصحيح . الذي ينفسح حتى يضم جوانحه على شتى الاستعدادات وشتى المواهب وشتى الطاقات ، فلا يقتلها ولا يكبحها ، ولكن  ينظمها وينسقها ويدفعها في طريق الصلاح . ومن ثم لم يكن بيد من أن يكون هناك ميزان ثابت يفيء إليه المختلفون ، وحكم عدل يرجع إليه المختصمون ، وقول فصل ينتهي عنده الجدل ، ويثوب إليه الجميع إلى اليقين ).

        " فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، وأنزل معهم الكتاب بالحق ، ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه " .


وحدةالمعتقد والشريعة هما الوسيلة الوحيدة لإزالة الاختلاف :

إن الوسيلة الوحيدة لإزالة الاختلاف بين البشر ، هي الايمان بإله واحد أحد ، خلق هذا الوجود كله بإرادته ، وحركه بقوانينه .

" إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون " يس 82 .
        " وخلق كل شيء فقدره تقديرا " فرقان 2 .
       
وهو الذي سن للإنسان " شريعة " تنظم حياته الإرادية تنظيماً يتوافق ويتناسق مع حياته الطبيعية ، وأي خروج عن هذه الشريعة هو تخريب وإفساد للناموس الإلهي العام .

        " ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن " المؤمنون 71 .
إذاً .. لكي تزال أسباب الفرقة ، وتحل محلها أسباب الرضى والاتفاق ، لا بدّ أولاً من التلاؤم مع طبيعة الوجود ، والخضوع للفطرة الإنسانية ومواكبتها في طريقها الصحيح الذي وضعه لهما خالق الكون برمته .

 رياج ططري

lunes, 28 de noviembre de 2011

ســَـبيل السَّـــلام 3

ســَـبيل السَّـــلام 3


هـ ) – جنوح الحضارة الإنسانية لدى فقدانها للتوازن الصحيح .

-  منذ غابر الأزمان ، وركب الإنسانية يتهادى في بحر الزمن ، يسير بتؤدة وسكينة طالما أنه ينقاد للناموس الإلهي ، ويجنح ويرتطم كلما شَذ عنه وانحرف .

- واستقراء التاريخ يدلنا على الكثير من الأمثلة ومصداق ذلك ما جاء في الذكر الحكيم عن أقوام مكّن الله لها في الأرض عندما أقامت بنيانها على التقوى وقوضها جلّ وعلا اسمه عندما باءت بذنوبها وأحاطت بها خطيئتها . " ألم يروا كم أهلكنا من قرن مكناهم في الأرض ما لم تمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا ، وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم . فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين . " ( الأنعام –6 ) .

- ولم يختلف عصرنا الحاضر عن سوابقه ، فشذوذ الحضارة الغربية بشقيها الشرقي والغربي أدى إلى الصورة المفزعة التي نراها عليها الآن والمتمثلة خير تمثيل ، بصرخات علمائها الواعين المتبصرين بحقائق الآمور .
- إن الشيوعية والرأسمالية ، جعلتا من المادة أساساً للحياة الإنسانية فسلخت الجانب الروحي في الإنسان عن شطره وتركته يلهث وراء الكسب الرخيص .. حتى أفقدته معاني الحياة .. والناظر للإحصائيات التي تملأ الكتب .. يستطيع أن يدرك بوضوح وجلاء مدى التعاسة التي يعيشها الغربيون من جراء جنوحهم عن الصراط المستقيم وإخلالهم بطبيعتهم الإنسانية .

- إن الإسلام بوقفته المتزنة ، يبقى راسخاً صامداً ، وتسقط دونه كل النظم الخربة ، فليس فيه تفريط بالحرية كما يجري في الدول الرأسمالية بل هو نظام أرسى قواعد الحرية كما يجب أن تكون .. وكم حاول الآخرون اقتباس نظامه ، ولكنهم فشلوا لأنهم أخذوه جزءاً لا كُلاً ونصاً لا روحَ فيه وشكلاً لا جوْهراً .

- وقد كان الإسلام وسيبقى دوماً المشعل الذي يضيء الحق للآخرين ... فمنذ اللحظة الأولى أعلنت الثورة الفرنسية حقوق الإنسان ، تلك الحقوق التي وقف عقب إعلانها خطيب الثورة الفرنسية " لافاييت " ليتوجه في الخطاب إلى روح عمر بن الخطاب ويقول " إنكَ أنتَ أيها الرجُل العظيم الذي أوجدتَ العدالة كما هي " وذلك إقراراً منه باستمداد الحقوق الإنسانية الخالدة من سيرة رجال الإسلام ومن قولَةِ عمر بن الخطاب في حرية الإنسان التي خلّدها له الدهر حين قال لوالي مصر : " متى استعبدتم الناس وقد وَلَدتهم أمهامتهم أحرارا " .

- وفي المجال الاقتصادي ترى تخبط العالم كل يوم ، فما من شهر يمضي دون أن يحدث خلل اقتصادي يرج العالم بأسره ، ويقف علماء الاقتصاد حِيال ذلك مشلولي القدرة قاصري الفكرة يعللون ويحللون .. ثم ليعودوا ثانية لنفس العملية بعد برهة وجيزة من الزمن .

- وهذا صوت من قلب بلاد الغرب المسيحية الفرنسية ، هو " جاك اوسترى " يؤلف كتاباً بعنوان " الاسلام أمام التطور الاقتصادي " يستنجد فيه بالاسلام وهو الفرنسي المسيحي قائلاً " " ليس هناك في الحقيقة طريقة وحيدة وضرورية لا بد منها للإنماء الاقتصادي كما تريد أن تقنعنا المذاهب القصيرة النظر في النظامين الاقتصاديين السائدين " .

- ثم ألحّ المؤلف المذكور على التماس المذهب الثالث في الإسلام نفسه ، لأنه ليس فردياً ولا جماعياً ولكنه يجمع بين الحسنيين ، غير أنه شكى من صعوبة البحث على من كان غريباً عن الاسلام لاستخراج مواطن القوة والإبداع التي يمكن أن توجه هذا النظام الجديد ، وأن تعبر فيه عن مشكل التنمية الاقتصادية بلغة جديدة .
  رياج ططري

martes, 22 de noviembre de 2011

ســَـبيل السَّـــلام 2


ســَـبيل السَّـــلام  2


ب ) – الناس كانوا أمة واحدة يعبدون الله :

12- قال تعالى : " كان الناس أمة واحدة .. " هذه حقيقة حكاها سبحانه وتعالى عن قصة البشر منذ أن وطأت أقدامهم الأرض ، لقد كانت أسرة واحدة ، ومن ثم تفرعت .. تفرقت في المكان .. كانت أسرة صغيرة مؤلفة من آدم وحواء وذريتهما يعبدون الله .. فلما نمت وتعددت .. وانتشرت في الأرض .. تطورت طريقة حياتهم وبرزت فيهم الاستعدادات الكامنة المختلفة ، التي فطرهم الله عليها لحكمة يعلمها ويعلم ما وراءها من الخير والنفع في حياة البشر .

ج ) – الأنبياء ما أتوا إلا للحفاظ على سلامة الفطرة من أن تفسد :

13- " .. فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، وأنزل معهم الكتاب الحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه .. " .
عندما تباعدت الشقة بين الناس ، واختلفت طرق معايشهم ، وتقادم عليهم الزمان عندها اختلفت التصورات ، وتباينت وجهات النظر ، وتعددت المناهج وتنوعت
المعتقدات ، عندئذ بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين " وأنزل معهم الكتاب بالحق
ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه " .

14- إن الله سبحانه قد فطر الناس على الايمان به وعلى عبادته وحده ، ولكن تراكم الخرافات والأساطير ، كان يبعد الناس عن الأصل السليم عن التوحيد المطلق ، لذا فقد كانت رسالة الأنبياء عليهم السلام رسالة واحدة هدفها الحفاظ على سلامة الفطرة الإنسانية ، ألا وهي الايمان بالله وعبادته وحده ..

" لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه ياقوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره .. " ( الأنعام – 59 ) .
" وإلى عاد أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون .." ( الأنعام – 65 ) .
" وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره .. "            ( الأنعام – 173 ) .
" وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره .. " .                          " وإبراهيم  إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم  " ( الأعراف – 85 ) .
" وإبراهيم  إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم  " ( العنكبوت  – 16 ) .
" وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد  "  ( إبراهيم – 5 ) .

" وقال المسيح اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار " ( المائدة – 76 ) .

 د ) – دور الرسل ما هو إلا الإبقاء على على التوازن في طبيعة الإنسان ....
 - كانت مهمة الرسل عبر التاريخ الإنساني مهمة هدفها الإبقاء على التوازن بين جزئيه الروحي والمادي ، بين الروح والجسد ، بين إشراقات الروح ورغبات الجسد ..
- كانت مهمتهم هي تقويم وتعديل ، وإعادة لحياة الإنسان لنصابها الشرعي بعد أن أصابها الغلو والانحراف والتطرف .
- لقد أخطأ النصارى عندما أطروا نبيهم عليه السلام فكان نتيجة فعلهم هذا خروجهم عن الحق فجاء خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم ليرد هذا الوضع الشاذ إلى حالة التوازن كي لا يقع الناس في شراك الانحراف مرة أخرى ..

- وقد أكّد الرسول الحبيب ذلك عندما قال : " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ، إنما أنا عبد الله ، فقولوا عبد الله ورسوله " ( البخاري ) .
- كما أنه صلى الله عليه وسلم قد نبّه للانحراف الذي ينجم عادة عن مبالغة الناس بالتعظيم فدعا ربه على ملآ الناس قائلاً : " اللهم لا تجعل قبري وثناً يُعبد "
وحذر الناس من ذلك قائلاً : " لا تتخذوا قبري عيداً ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً وصلّوا عليّ حيثما كنت فإن صلاتكم تبلغني " ( أيو داوود وأحمد ) .
- إن في الاسلام وفي نبي الاسلام المثال الأكمل والنموذج الأفضل للتوازن الواجب ايجاده في حياة البشر .. إن الرسول صلى الله عليه وسلم يفضل الآخرين فيسمو عليهم بأخلاقه وصفاته التي فاق بها البشر .. فكان سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه .. ولكنه لم يرتفع عن حقيقة الانسانية بل كان يؤكدها ويعمق أبعادها في كل فرصة وفي كل مناسبة .. إني عبد الله .. ولست بالملاك .. إني بشر .. ولست غير ذلك .

وقد أكد القرآن الكريم هذا :

" قُل إنما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إلهٌ واحد فمن كان يرجو لقاء ربّه فلْيَعْمل عملاً صالحاً ولا يُشرِك بعبادة ربه أحداً " ( الكهف 110 ) .
إنه الإنسان الذي تهفو إليه القلوب ، تبغي اللحاق بركبه الجليل .. إذ أنه أسوتها المثلى ومثلها الأكمل .

رياج ططري

1 ســَـبيل السَّـــلام


ســَـبيل السَّـــلام
                                                                                    
أ ) – عبادة الله هي صراط الإنسان المستقيم :
1- إن الحياة الانسانية لابد وأن تستقيم وفق منهج الله الخالق البارئ المصور ، الذي خلق الانسان وفق نهج معين ووضع لحياته فرداً كان أم جماعة ، أساساً لا تستمر بدونه : فقال : " وما خَلقْتُ الإنْسَ والجِنَّ إلا لِيَعبدون " .

2- فالوظيفة إذاً : هي العبادة وهي غاية الوجود التي بدونها لا يمكن فهم الحياة ، والعيش بغيرها معناه ، الانصراف إلى سواها ، وهذا مخالف لأمر الخالق ، لأنه يتوقف عليه إبطال لغاية الوجود وتفريغ لمقصد " الحياة " .

3- إن العبادة ايست مجرد إقامة الشعائر – ولو أنها هي الأصل – إنما للعبادة مدلول واسع شامل ينضوي تحته كل أنواع النشاطات التي يقوم بها الإنس والجن .. وما أشبه الشعائر بإقامة أركان البناء ، حيث لا يتم البناء إلا بإقامة السقوف والجدران وما شابهها ، وكذا حال العبادة .

4-  إن الله سبحانه وتعالى جعل الإنسان في الأرض خليفة حيث قال : " إني جاعل في الأرض خليفة .. " وبمقتضى هذه الخلافة يجب أن تفهم العبادة على أنها كل عمل يبتغى به وجه الله ويساير به الناموس الكوني ، بغية إنفاذ المنهج الإلهي على وجه البسيطة .

5- ولا تستقر معاني العبودية في النفس حتى يصبح الشعور لدى الإنسان بأن هناك عبداً وربّاً ، عبداً يَعبُد ، وَرَبّاً يُعْبَد .

6- ومن هنا يستطيع الإنسان أن يفهم مدلول العبادة على وجهه الأكمل ، ويستطيع عندئذ أن يجعل من عمله ، شعيرة كان أم جهاداً أم عمارة أرض ، عبادة بإرفاقه بنية التعبد لله ، وعندها يشعر المرء بالطمأنينة .. يشعر بأنه يقوم بالوظيفة الملقاة على كاهله ، ويطمئن لتنفيذ أمر الله ، فيعيش هانئاً سعيداً ، ويرتاح لوجوده في الحياة ، لا يهمه نوع العمل الذي يقوم به ، إنما يهمه أن يكون العمل متوافقاً مع الناموس الإلهي ، وهو بدوره يؤديه على وجهه الأكمل ، متيقناً بأن الله سيحاسبه على عمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر .

7- والإنسان الذي تستقر في داخله هذه المعاني لا يصاب بالملل ولا باليأس ولا
بالقنوط ، ولا يعرف إضاعة للوقت ، فالوقت لديه هو الحياة وبقدر ما يقوم فيه بدور فعّال ، بقدر ما يؤدي من حق ربه عليه من العبادة .. وهو في كل أحواله متوكل على الله لا يعرف للعجز سبيلاً .
8- إن الإنسان المؤمن بالله ، الذي يعمل متعبداً الله بعمله ، لاشكّ وأنه يشعر بحلاوة الايمان وبذوق لذة الطاعة ، وذاك وعد ربّاني حيث قال سبحانه : " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا .. " هذا الإنسان تراه وقد علا نور الايمان وجهه ، وانطلق ذكراً على لسانه وحياء وإغضاء على عيونه وأجفانه حتى صار وجهه صورة عاكسة لما في قلبه .

9- نعم إن الإنسان المتعلق بالله ، يصفو قلبه ، فيصفو وجهه ويزكو ويطيب لوناً وجمالاً ، وقد قال بعض السلف : " إن للحسنة نوراً في القلب وضياء في الوجه وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الناس " .

10- وفي الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لو أن أحدكم يعمل في صخرة صمّاء ليس لها باب ولا كوة لخرج عمله للناس كائناً ما كان " .

11- إن العبادة الحقة لله ، هي نتيجة ايمان صادق ، والايمان الصادق لا يعرف حلاوته إلا من ذاقه .

                                                       رياج ططري