lunes, 30 de abril de 2012

كَيْفَ نَبْدَأ

كَيْفَ نَبْدَأ

التقيت به على غير موعد .. ودار بيننا حديث شجون ..
قال : إننا في مضيعة للعمر سائرون .. نسير ونعلم أننا تائهون .. ولكننا نجدّ السير دون أن نسعى لإصلاح النهج الذي فيه ماضون .

        إننا نعمل .. ولا نجد في عملنا راحة .. ونكدّ ونتعب ، ولكن  لا نسعد برضى النفس وهناءة العيش ، فما هو الحل ؟ ؟ .

        سؤالٌ طرحه ويطرحه الكثير من الشباب المسلم ، المنتبه لأوضاع أمته ، المدرك لطبيعة منهجه ..
        وجوابه يَتَطلب المناقشة التفصيلية ، من منطلق الواقع ، بعيداً عن الأحلام والأمنيات .

أولاً : من الخطأ الجسيم أن نطالب الإسلام ، بِحلّ مشاكل مجتمع لا يحكم بالإسلام ، ولا يتخلّق بأخلاقيات الإسلام ، وليس مطلوباً – ولا مُمْكناً – أن يحل الإسلام جزئية من المشكلة العامة .
        وقد يصح أن تأخذ النظرية الرأسمالية بجانب من النظرية الاشتراكية لِحل جزئية اقتصادية لم تستقم مع التطبيق الرأسمالي ، ولكن الأمر يختلف بالنسبة للإسلام ، فهو دين متكامل ، ونظام للحياة لا يطبق إلا بأبعاده كلها . فالإسلام ليس  نظرية تقدم حلولاً لوضع معين في مشكلة محددة .

        هذا أمر هام وفي منتهى الخطورة ، ويجب أن نَتَنبه له جيداً . وعلى المسلم أن يتجنب مناقشة فرعيات المشاكل . وما عليه – عندما يُطلب منه حلّ جزئي – إلا أن يسأل :
        إذا كنتم تريدون الحل الإسلامي فلماذا لا ترضون بالإسلام كنظام شامل للحياة ، حيث لا تظهر في مجتمعه أي صورة لهذه المشاكل التي تعانون منها ؟! .

 ثانياً : عيلنا أن نحدد موقفنا من الدين منذ الآن ..
        هل نشعر بحاجتنا إليه ؟ هل نحن سعداء في حياتنا ؟ ..

        إن السعادة ليست مجرد ماديات نتلمسها ونتعامل بها .. إنها الشعور بالرضا ، والرضا لا يكون إلا إذا اقتنع الإنسان بمفهوم معين في حياته ، يعيشه في كل لحظة ولا ينفصل عن إطاره أبداً .. يعيشه غير مرتبط بنزوات أو بعلاقات يخضعه لها فإن توافق معها سار معه وإلا ..
        فالبداية إذاً تنطلق من إحساسنا بالحاجة للإسلام وإلا فسنتعامل معه كنظرية نرفضها أو نقبلها حسب الظروف والأحوال .. والنزوات والأهواء .
ثالثاً : النجاة بالدين تتطلب تعميق العلاقة بين الإنسان وصاحب هذا الدين .. الله سبحانه وتعالى ، الخالق المهمين على سائر كونه . ومن البلاهة أن نتصور إنساناً يبحث في أحكام الدين وهو لا يرتبط بالله ولا يخضع له خضوعاً كاملاً .

رابعاً : بعد ذلك تأتي الأحكام الإلهية كنتيجة لمعرفة هذه الحقيقة السابقة ، وليست الحقيقة بعينها .

 خامساً : إذا عاش الإنسان هذا المفهوم وأدرك هذه الحقائق ، عليه – كضرورة منطقية – أن يبحث في أحكام هذا الدين ، ويعمل على تطبيقها ويبرزها ويوضحها لكل مَن آمن بالله . وهذا واجب علينا جميعاً ، أطباء ومهندسين ومحامين وعُمّالا .. فهذه هي حياتنا ، فكيف نمضي دون أن نتدبر أحكامها ونحن نعيش فيها ؟ ! .    

        إن هناك هدفاً رئيسياً للحياة ، تظهر بجانبه أهداف أخرى ثانوية ، فالمهندس مثلاً لا يعيش حياته من أجل تعبيد الطرق وإقامة المباني والجسور بل يعيش أولاً لعبادة الله والعمل بأحكام دينه ، وما العمل الهندسي إلا ضرورة ثانوية تأتي كنتيجة لعبادته لله ، حيث أمرنا – سبحانه وتعالى – بتعمير هذه الأرض ، وفي هذا المجال نحتاج للعمل الهندسي والطبي .. إلى آخر مظاهر العمل الدنيوي .

        يقول تعالى " قُلْ هَلْ نُنبئكُم بالأخْسَرينَ أعْمالاً ، الذينَ ضَلَّ سَعيُهُم في الحياةِ الدُنيا وهُمْ يَحسبونَ أنَّهُم يُحسنونَ صُنعاً ، اولئِكَ الذينَ كَفروا بآياتِ رَبِّهم  وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أعمالهم فلا نُقيمُ لَهم يَوْمَ القِيامَةِ وَزْناً ، ذلكَ جزاؤهُم جَهَنّمّ بِما كَفروا واتّخذوا آياتي وَرُسُلي هُزُواً "             ( الكهف 103 – 106 ) .          
       

                                                       رياج ططري


domingo, 22 de abril de 2012

الــطِّــفْــل-2/2



الــطِّــفْــل-2



أمَرَ الأم بالتفَرّغ لِرعاية الطفل :

        وهل هناك أعظم من دور الأم في تربية أطفالها وإعدادهم إعداداً متكاملاً  لِخوض معركة الحياة ؟
        إن الطفل إذا لم يجد أُمّاً تحنو عليه ، وتسبغ عليه من عطفها وحمايتها ما هو بحاجة إليه ، فإنه يتحول إلى دمية ، وتتكون عاداته بعيداً عن القلب الذي يخفق بحبه ، ويعمل من أجل تكوينه .

        والمتناقضات التي يعيشها شباب اليوم في كل مكان ، أليس من المعتقد أن أسبابها ، أنهم عاشوا حياتهم بعيدين عن أحضان أمهاتهم وصدورهن المليئة بالحب ؟ قضوها في دور الحضانة ، أو لدى مُربيات يمارسن عملهم كما يمارس الموظف عملاً يعتبره وسيلة لِكسب عيشه دون أن يشعر بمتعة ممارسته له ، ويتساءل المرء ، هل احتياج الأطفال ينحصر في إعطائهم أقداراً من الحليب ، ووضع الملابس على أجسامهم ؟ .

        وهل يكفي ذلك ليكون الطفل سَوِيّاً مُتكامل المشاعر ؟ .

        والإجابة واضحة في السلوك الماثل في واقع الأطفال الذين يَحيَوْنَ بين أحضان أمهاتهم وآبائهم وينعمون بحنانهم وحُبهم .. وأولئك الذين حُرموا من تلك النعمة .. لا يصعب على المرء أن يلحظ ما يكتنفهم من اضطراب ، وما يشمل حياتهم من شذوذ  .
        لذا فإن من النعم العظمى التي أسداها الله تعالى للأسرة ، رسالة المرأة في تكوين الطفل ، وشغلها به ، وبصحته النفسية والجسدية والعقلية لِيَشبّ بعدها مُكتمل الشخصية ، رابط الجأش ، هانئ النفس ، مُرتاح البال .. وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( والزوجةُ راعيةٌ ومسؤولةٌ عن رَعيتها ) ، فأعظم بها مِن مسؤولية وأكبر .

الحَنان والحُب أصلٌ إسلامي :

        لقد كان العرب يأنفون أن يداعب الرجل وليدته أو يسمح لها أن تمرح بين يديه ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يداعب الولائد من بناته ، وبنات أصحابه . فقد حدّث البخاري عن أبي قتادة ، قال : ( خَرَجَ علينا النبي صلى الله عليه وسلم ، وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه ، فصلى فإذا ركع وضعها ، وإذا رفع رفعها .. ) .
        إن أهمية الحب والحنان ، والتسامح مع الأطفال ، وعلاقة ذلك بالنمو الصحي والنفسي يعتبر شيئاً صحيحاً .. عرفه المسلمون منذ زمن بعيد غير أن الغربيين يعتبرونه اكتشافاً جديداً .

        إن القرآن والأحاديث الشريفة ، وحياة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم جميعاً مليئة بالتعليمات المباشرة والضمنية التي تَحثّ الإنسان على أن يكون حانياً رقيقاَ تجاه الأطفال .. وأن يعاملهم كأطفال وليس كبالغين صغار ، وذلك هو المفهوم الصحيح للتساهل .. يُروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه سأل أحد الأطفال بقوله : ( يا عُمَيْر ما فَعَلَ النُّغّيْر ) فهو بذلك يُصغّرُ إسمه مُتَحَبّباً ، ويسأله عن عصفوره الصغير ..

        إن حُبّ النبي للأطفال واتجاهه المتساهل معهم ليس له مثيل . وهو ذات مرة أطال وقت سجود في الصلاة إلى أن شعر أصحابه بالتعب ، وعندما سألوه عن سبب ذلك بعد انتهاء الصلاة ، قال لهم : إن حفيدَه كان يَعلو ظهره المبارك عندما كان ساجداً ، وأنه لم يرغب في القيام قبل أن يُكمل الطفل لعبه .

        وكان صلى الله عليه وسلم ، يبتسم للأطفال ، ويُحَييهم مُنَمِّياً بذلك شخصيتهم لكي يُعَوِّدهم على الجُرأة والألفة .. وكان يأمر أصحابه بتكنِيَتِهم بأجمل الكنى حيث قال ( كنّوا أبناءكم قبل أن يكنوهم الكُفّار) .

        إن الإسلام يضع قاعدة عامة في التعامل مع الفرد صغيراً كان أم كبيراً ... فهو يحارب التمييز العنصري ، واللوْني ، والطبقي ، وأيضاً يُحارب التمييز في العمر والذي نراه مُستشرياً في المجتمعات الغربية ، وقد أخذ يستفحل أمره فنرى البُغض نحو الشيوخ يستشري في فكر الشباب  ، ونرى الشيوخ قد أصابهم العي من الشباب ، ونسمع الآن تسمية " العمر الثالث " لإبعاد أثر كلمة الشيوخ عن الأذهان .
        بينما الإسلام يُقرر : ( ليس مِنّا مَنْ لَمْ يَرْحَم صَغيرنا ، وَيُوَقّر كبيرنا ) .

تَحريم الزِّنا ، حمايةٌ للطِفل ، ومُنتهى العِناية به :

        ولكن الإسلام بعد أن وضع الأسس الايجابية التي تُعين الطفل على النشأة الصالحة ، فَحَثَّ والديه على تسميته بأجمل الأسماء ، وتعليمه أمر دينه ودنياه ، وكانت من فِعاله الطيّبة صلوات الله وسلامه عليه ، أنه وضع مُقابل فدية أسرى بدر ، تعليم عشرة صِبية من أبناء المسلمين لكل أسير ، ولكن الأمر الهام ، الذي جعله الإسلام أماناً للطفل ودرعاً يدفع عنه هَمّ المستقبل ،  وتَهَجّم المجتمع بسبب جريمة لم يقترفها / فَحَرَّم الزِنا ووضع العقوبات الرادعة ، ولم يتساهل في تطبيقها حال ثبوت الجريمة .. وهو بهذا الصنيع .. يقتلع جذور الرذيلة ويحفظ المجتمع من التردي والانحلال ، وَيَصون النفوس البريئة التي تحمل أوزار فِعْلٍ لم ترتكبه .
قال صلى الله عليه وسلم : ( إرحَموا مَنْ في الأرضِ يَرحَمُكَم مَنْ في السماء  ) .

                                                       رياج ططري

الــطِّــفْــل-1/2


الــطِّــفْــل

        من أهم الأسباب التي دعت المنظمة الدولية العظمى " هيئة الأمم المتحدة " ، لتخصيص عام دولي للطفل ، هو الوضع المتردي لحال الطفل في العالم بِرمّته .

        فمع تعاظم التقدم التقني ، وتَوسّع نفوذ الدوائر التعليمية ، ووفرة الخيرات .. تأتي الإحصائيات لتقول بصوت صارخ رهيب : أن الأطفال يموتون جوعاً ، ويتربون في العراء ، يَحفّ بهم المرض من كل جانب ، وتزداد نسبة الجهل بينهم ، وترتفع نسبة الجنوح في صفوفهم ، بل والأخطر من هذا وذاك ، كَوْنهم الكائنات التي أصبحت مَوْضع سهام الجريمة والتعذيب والتشريد .

الوَأدُ ما زال في زماننا الحاضر :

        لقد نعى القرآن الكريم على العرب فعلهم الشائن ، حينما كانوا يَئدون البنات خشية العار ، ولِئلا يطعموا معهم ، وذاك أمر شديد القسوة ، أن يعمد الأب إلى دفن إبنته حَيّة تقضي نَحْبَها تحت أنقاض الرمال المتداعية بفعل أقرب الناس إليها .
قال تعالى مُصَوّراً حالهم :

"  وَإذا بُشِّرَ أحَدهُم بالأنْثى ظَلَّ وجههُ مُسْوَدّاً وهُوَ كَظيم ، يتوارَى مِنَ القوْمِ مِنْ سوءِ ما بُشِّرَ بهِ  أَيُمسكهُ على هونٍ أمْ يدسهُ في التُرابِ ألا ساءَ ما يَحكمونَ "  ( 58-59 النحل ) .

وقالَ أيضاً :
"  قَد خَسِرَ الذينَ قتلوا أولادَهُم سفهاً بِغيْرِ عِلمٍ ، وحَرَّموا ما رَزَقَهم اللهُ افتراءً على اللهِ ، قَدْ ضَلّوا وما كانوا مُهْتَدين  "  ( 140 : الأنعام ) .

وكان قيس بن عاصم المنقري يتحدث بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، عن ضحاياه من المَوْؤودات  وأنه ذهب باثنتيْ عشرة منهن ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( مَن لا يَرحَم لا يُرْحَم ) وأمَرَه أن يُعتِقَ بكل واحدة جارية مؤمنة .

هذا .. وقد وقف الإسلام مَوْقفاً قَلَعَ فيه هذه الفعلة الشائنة ، وهذا العمل الفظيع من الجذور ، ولكن الغرب الذي يَدّعي المدنية والتَحضر ، والذي يُنادي بحقوق الإنسان ، والذي يرفع الشعارات ويُخصص الخطابات والمؤلفات الطوال للحديث عن حقوق الطفل ..

في الغرب وبلاده .. يقع الوَأد بأبشع صوره ، وتأتي الأرقام لتحدثنا بالغريب المهول .. ففي الولايات المتحدة الأمريكية بالذات مِن كل اثنتين وعشرين جريمة تقع ، واحدة منها ، أب أو أم يقتلون فيها طفلهم .
وفي الدانمارك نِصْف الجرائم تقع على الأطفال ، وخمس وثمانون بالمئة منها تُرتكب من قِبَل الآباء .. كما تزداد نسبة قتل الأطفال في بريطانيا وفي السويد ينتحر الأطفال دون الثامنة لِما يرونه من خصام ومشاحنات بين أبويْهم .. أو لِما يتعرضون له من تعذيب وايلام وطرد من الدار ..
وهكذا إذا ما تتبعنا قائمة الإحصائيات والبيانات لَوَقفنا على العَجب العُجاب .

الإســلام وحقوق الطفل :
       
        أصدرت هيئة الأمم المتحدة " إعلاناً بحقوق الطفل ، ودعت للالتزام به ، ولكن إسلامنا العظيم .. ما كان لِيغفل عن الطفل ، وهو شاب الغد ورجل المستقبل .. بل هيأ له فعلاً ، لا قَوْلاً وتصريحاً ، الجو الذي يعيش فيه ويترعرع بحرية ، وهذا نراه في صريح القرآن الكريم وسنة النبي العظيم محمد صلى الله عليه وسلم .

حماية اليتيم :

        وأول ما وَجّه الاهتمام إليه هو رعاية اليتيم الذي فقد الحصن الحصين ، ومنبع الحنان ، وساحة الاطمئنان ، فقال جَلّ مِن قائل :

        "  فأمّا اليتيمَ فلا تَقْهَر ، وأما السائِلَ فلا تَنْهَر  "  .
        " أرَأيْتَ الّذي يُكَذِّبُ بالدّين ، فذلِكَ الذي يَدُعُّ اليتيمَ ولا يَحُضُّ على طَعامِ  المِسْكين ".
         وقد ذكر الله مُمْتَنّاً على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم فَضْله بقوله : "  أَلَمْ يَجِدْكَ يَتيماً فَآوى " .

        وأما الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد حَثّ على كفالة اليتيم والإحسان إليه ، وعدم تركه لِغائلة الجوع والفقر والمرض فقال :
        ( أنا وَكافِل اليتيم في الجنة هكذا ) وأشار بالسَبّابة والوسطى وفرّج بينهما . " رواه البخاري .


                                                       رياج ططري



martes, 17 de abril de 2012

الجَــمــاعَــة

الجَــمــاعَــة


قال له صاحبه وهو يحاوره ، لقد مضى على أمتنا الإسلامية حينٌ من الدهر ، مُشتتة القوى ، خائرة العزيمة ، فقد تدنى مستوى الأخلاق بين أبنائها .. وترك علماؤها الجهاد .. وآثر حكامها سلامتهم الشخصية ، وسلامة مناصبهم على مصالح أمتهم ومجدها وعزّها .

لقد ترك  الناس شرع الله .. والتجؤوا لشرع البشر .. فكانت ردة عظيمة لم تسبقها ردة .. ردة ولا أبا بكر لها ..

أجاب : أي أخي .. لا يعرف مبدأ من المبادئ ، ولا تدرك حقيقة من الحقائق ، ولا يتميز أسلوب من الأساليب الحياتية .. إلا بالممارسة الفعلية . إذ أن الكتب والمجلات .. محشوة بالكثير الغزير من العقائد والمذاهب والنظريات وما إليها وما شاكلها .

ولكن الذي يتميز منها بالقدرة على الخروج إلى حيّز الواقع ، هو ذلك المبدأ أو تلك العقيدة التي تحيا في صدور رعيل من الناس يعتقدون بها جازمين ، ويلتزمون بأوامرها جادين ، وأما ما سواها فإن رحى الزمن تدور عليها وتطحنها حتى لا تبقي لها ذِكرا ، ولا تترك لها أثراً يُقتفى .

وقد أنعم الله على الإنسانية برسالات الأنبياء ... مناهج إصلاح ومنارات ضياء .. هدت البشرية على مر العصور وتقادم الأزمان .

ومَنَّ الله سبحانه وتعالى على الأمة الإسلامية بأن خصّها بالمنهج الختامي ، وبالعقيدة النقية ، والشريعة الكاملة .. التي ستبقى – بإرادته تعالى – إلى أن يرث الله الأرض وما عليها .

ومن الخصائص التي تتمتع بها العقيدة الإسلامية كَوْنها لا تقوم إلا بِحَمَلَةٍ لمبادئها .. إلا بجماعة تتبناها تَبنياً كلياً .. وتعيش وفقها فكراً وعملاً .. وهذه الجماعة التي ندعو إليها ليست تكتلاً حزبياً ، ولا فرقة إرهابية ، ولا طبقة عمالية ، ولا تجمعاً يستأثر بالخير لنفسه دون باقي الناس .

إن الجماعة الإسلامية .. هي الجماعة الإنسانية قاطبة .. لا يُستثنى منها امرؤ ، ولا يُبعد عنها إنسان طالما تمسك بمبدئها .. واعتقد بعقيدتها والتزم بمنهجها .. فهل هذا عمل مُنافٍ للحق ؟ لا بل إنه الحق بعينه .

إذ ليس من المعقول أبداً  .. أن يترك ركاب سفينة فرداً منهم يعبث بها كيف يشاء .. مما قد يؤدي لغرقهم أجمعين .. إذا أتى بفعل يُفضي لتخريبها ، وهذا طبعاً على الرغم من ادعائه بأنه لا يفعل فِعلته المنكرة إلا في حصته التي يملكها .. وفي هذا المجال يقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المُرتدّ عن الإسلام وتعليله لحكم قتلهم : " إننا لَن نَسْمح لِغيرنا أن يُقَوِّضَ بِناءً أشَدْناه " .

إننا عندما ندعو إلى الجماعة الإسلامية ، ندعو إليها ، كعمل مُنظم هادِف ، يقوم على الخير كل الخير .. والمنفعة كل المنفعة .. لكل البشر على حَدٍّ سواء .

ونحن بدعوتنا هذه لا نبتدع ، ولا نأتِ بجديد .. فصاحب الفكر الثاقب ، والعقل الحصيف ، والبصيرة النافذة .. لا يتردد مطلقاً .. إذا وعى وَعْياً تاماً مبادئَ الإسلام وتصوره الكلي للأمور.. في الانخراط في البناء الإسلامي ، بل ودعوة الآخرين إليه .

إننا نَتَبَجّح كل يوم ، بل وكل ساعة ، بأن العدو يَتَغَلبّ علينا بحسن تنظيمه ، وبكفاءته المتنوعة والمتعددة ، التي يضعها في مكانها المناسب .. ويُسلمها لأهلها دون سواهم .. بينما نحن على النقيض من ذلك .

لذا فإن مجتمع الإسلام لا يقوم إلا بالجماعة الرائدة ، الجماعة التي وصفها الله سبحانه وتعالى بقوله : " كُنتُم خَيرَ أمَّةٍ أُخْرِجَت لِلناسِ تأْمرونَ بالمعروفِ وتنهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنونَ باللهِ " .

وهذه الجماعة هي التي تتحلى بالأخلاق الفاضلة الكاملة ، التي تتعامل بها فيما بينها .. وتُعامل بها الآخرين أيضاً .. إذ أنّ هذه الأخلاق ليست للتصدير فحسب .. بل للإستهلاك أولاً .. ومتى امتزجت الروح بها.. يصبح من المحال أن يأتي المرء بالفعل وضده .. أو أن يخلط عملاً صالحاً بآخرَ سيئاً .

هذه الجماعة الإسلامية هي التي تكرم الإنسان .. لأن الله تعالى خَصّهُ بهذا الفضل ، فإذا ما خرجَ عن إنسانيته .. خلع بيده احترام المسلمين له وهذا الأمر لا يأتي عَبثاً ، فالمرء المخلص للإسلام .. لا يرجو للآخرين إلا الخير ، ولا يسعى إلا في سبيل إنفاذه .. وهو حريص أكبر الحرص على أخيه المسلم أن يقع في غائلة أو يشرد في متاهة .

ورضي الله عن سيدنا عمر بن الخطاب حين قال : " لأن أستنقذ رجلاً من المسلمين من أيدي الكفار .. أحَبُّ مِنْ جزيرةِ العَرَب " .

هذا هو الفهم  الصحيح للإسلام ، العقيدة السماوية ، التي ليس لنا أن نحيد قيد أنملة عن صراطها المستقيم ، وهذه هي مفاهيم الجماعة الإسلامية المتماسكة .. التي بتماسكها تقوم العدالة ، وتسود الرحمة ، وتسمو النفوس ، وتركن إلى بارئها بطمأنينة رائعة .. وحلاوة ليس بعدها حلاوة ..

وهذا ليس بالكلام الجميل الخلاب ، الذي يستحيل تطبيقه .. لا بل ظهر صورة حَيّة عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم ومَن معه من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعاً .. وكانت موضع الرضا الرَبّاني ، والاستحسان الإلهي حيث وصفها جَلّ شأنه في مُحكم التنزيل :
" مُحَمَّدٌ رسولُ اللهِ ، والّذينَ مَعَهُ ، أشِدّاءُ على الكُفّارِ رُحَماءُ بينَهُم " . 

لقد خَصّ الله سبحانه  وتعالى ، الأمة الإسلامية بكل هذا الفضل العظيم ، حين وهبها أفضلَ منهج وأخلده وارتضاه لها ..
" اَلْيَوْمَ أكْمَلتُ لَكُم دينكُم ، وأَتْمَمْتُ عَليْكُم نِعمتي ، وَرضيتُ لَكُم الإسلامَ ديناً "
وأنعم جلّ شأنه بالنور علينا ، حين أفاضه في الكتاب الحكيم .. مرشداً إلى ذاته السنية " اللهً  نورُ السَّمواتِ والأرض " .

هذا هو نور الله ، نور الإسلام .. وَحَرامٌ .. أن يُطْفِئَ الإنسان النور الذي أُضيءَ من أجله ، لكي يسير بعد ذلك تائهاً حائر اللبّ .. مُشتّت الفؤاد ، يعمه في ظلماتٍ ما بعدها ظلمات، ويَتيه في غياهب من الجهالة والضياع .. فيصبح ممن قال الله فيهم :
" مَثَلُهُم كَمَثَلِ الّذي استَوْقدَ ناراً ، فَلمّا أضاءَتْ ما حَوْلَهُ ، ذَهَبَ اللهُ بِنورهِم وتَرَكَهُم في ظُلُماتٍ لا يُبْصِرون ، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعونَ " .


                                                              رياج ططري

miércoles, 11 de abril de 2012

الفَرْدِّية وَالجَماعِية


الفَرْدِّية وَالجَماعِية
                                      
إن الفردية والجماعية طبيعتنان مندمجتان  في كيان الفرد .. والحاجة ملحة الآن وفي كل وقت ، لتربيتهما تربية توافق روح الإسلام ، وتُقيم توازناً رائعاً بينهما .. مما يكفل للمسلم حياة متزنة تضمن له الشعور بالفردية المتميزة وتكلف له الميل المقابل للاندماج في الحياة الاجتماعية .

والأصل أن الشريعة تدور حول حماية الكليات الخمس للفرد وهي : الدين والنفس والعقل والنسل والمال ، كما أن المسؤولية تقع على كاهله كفرد ( ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أخرى )  ، بالإضافة إلى كون تأثير الفرد في المجتمع ايجابياً ، يكون بأداء دَوْر الرِيادة والإرشاد ، وهذه سنة الأنبياء والمصلحين .

لذا فإن الميزات التي يَتَربّى عليها المسلم ، ليكون شخصية مؤثرة فاعلة هي : التقوى ، والاستقامة ، والعلم ، والمسؤولية ، والايثار ....

وأما عن خصائص الحياة الجماعية ، فهناك عناصر هامة ، تمتاز بها الحياة الجماعية في الإسلام ، تستنبط من الآيات الكريمة التي تبرزها ، وأهمها الحياة الجماعية لكائِنيْن ضَعيفيْن ، النحل والنمل .

1- التنظيم : فالتنظيم في حياة الفرد المسلم ، مرتبط بتكوينه النفسي والعملي ، إذ أن جذوره عميقة في كيانه ، وأصيلة في تفكيره ، وهذا مما يكفل :

-         الراحة العملية عند التنفيذ .
- والوحدة الرصينة بين الأفراد .
- ويسهل العمل الهَني بين الناس .

                وهو يجمع بين البساطة والحكمة ، والأحكام ، فلا هو مقيد ( بيروقراطي ) ولا مائع ( ديماغوجي ) . لذا فمن يمعن النظر في تعاليم الإسلام وتكويناته ونظمه ، يرى دون مجال للبس أو إبهام ، صورة دقيقة عملية ونموذجية تبدأ من الفرد وتنتهي بالدولة ، وفق تناسب عجيب ، بين الايمان والعبادة والمسجد والمعاملات والأحكام ... مما يوفر هيكلاً عملياً مُريحاً ليس له نظير .

                2- التخطيط : لقد حَثّ القرآن الكريم ، في سورة يوسف ، عند تفسير الرؤيا ، على التخطيط ، ذلك أن طبيعة الحياة الاجتماعية تستدعي ذلك ، وبكافة الأبعاد .. لِتَجنّب الظلم ، والوفاء باحتياجات الناس ، ولتأمين الفرص المتكافئة لهم جنيعاً .

                3- التحديد : ويكمن في دقة التحديد الوظيفي ، بحيث يتمكن الفرد من القيام بدوره على أكمل وجه ، وبذلك يستفيد المجتمع من كافة الكفاءات المتوفرة حين يضع الرجل الكُفؤ المناسب ، في مكانه الملائم لقدراته وإمكاناته .

                إن الإنسان المسلم – في المجتمع الإسلامي – عندما يؤدي دوره المجدي والمحدد ، في المجتمع المترابط والمعقد ، يشعر بأنه بقف على ثغر من ثغور الإسلام ، يَذود عن قلعة من قلاعه ، لذا فهو مطمئن لعمله يرى فيه جهاداً صادقاً ، عندما يؤديه على أكمل وجه .. وهو يشعر أيضاً بأنه متعاون بإحكام مع إخوانه في أداء المهمات الحياتية ، والمتشابكة ، مدركاً بوضوح مكانه في المجموع العام .

                4- الاهتمام : إن الاهتمام ، في الحياة الاجتماعية ، يكفل لها النماء والازدهار ، وأول هذا الاهتمام يَصبّ على قيام الخلية الأولى ( الأسرة ) ، وبعده تتصاعد الاهتمامات وتحدد ، فمنها ما يكون واجب على كل فرد ، ومنها ما هو واحب كفائي ، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين – فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( مَن لم يَهتَمّ بأمر المُسلمين فليسَ مِنهم ) .

                5- الوضوح : إن التصور الصحيح الواضح للبناء الاجتماعي في الإسلام ، وضوح أهدافه وأغاياته ووسائله .. يسمح للفرد الوُلوج إليه بيُسْر وسهوله ، فيتأثر بروحه ويندمج بنظمه ، ينفعل به ويفعل ، وهذه خصيصة لا تتواجد بصورتها الجلية ، إلا في نظام الإسلام ( صِبْغَةَ اللهِ ، ومَن أحسَن مِنَ اللهِ صبغة ونحنُ لَهُ عابِدون ) .

                6- الوَعي : وهو أهم عنصر وأخطره في بناء الحياة الاجتماعية الرائدة ، ففيه يظهر الفهم العميق لمقاصد الإسلام ومراميه ، فلا يُخدع مسلم  بما يأتي من الحضارات الفاسدة المزيفة .
                   والوعي يضمن الفهم الصحيح في التطبيق العملي .. ويوجب على الأفراد إسناد الأمر لأهله بمسؤولية .. من خلال تصور اجتماعي واحد متكامل ، تنتفي فيه التًحَزُبات  والعصبيات ، وتَشَبُث المرء برأيه ، واعتزازه بما يقول .

                   إن الموجة التي يمتطيها بعض الناس ، تدفعنا لمزيد من الوعي والالتزام بشرع الله ، والاحتكام إليه في كل صغيرة وكبيرة ، لكي نستطيع أن نبقى على وعي كامل في سائر أمورنا .

                وبعد :
                إن الحياة الاجتماعية بخصائصها الهامة المبينة آنفاً ، تبدو لنا مُنظمة ، مُخططة ، مُحددة الأهداف والمرامي ، مسؤولة ، واضحة الأسلوب والوسائل ، واعية في نهجها وحركتها .  


                                                                                                                                                     رياج ططري