sábado, 27 de agosto de 2011

الجراد

الجراد لا يعرف الحدود

بين الفينة والأخرى تطلع علينا بعض الدول بقرارات تثير الدهشة والإعجاب ، والحسرة والألم بآن معاً .

الدهشة للتخطيط المرحلي المنظم الذي يأتي بالقرارات القابلة للتنفيذ بعد أن سبقها الإعداد ، إعداد الرجال القادرين على تحويل هذه القرارات إلى واقع حي ملموس يعود على البلاد والعباد بالفائدة والخير العميم .

 ومَثلنا هنا .. دول غرب أوروبا التي جمعت أمرها وجعلت من عام 1992 ميلادية نقطة تحول سياسي وجغرافي واقتصادي واجتماعي في المستويات كافة .. ستزال الحدود – وبعضها أزيل – بعد أن خففت القيود تدريجياً ، وسيصبح المواطن حراً في تنقلاته لا يمنعه مانع ولا يحول دون تجواله قيد ، أينما أراد حط رحاله ، وستصبح كتلة بشرية قوامها ثلاثمائة وثلاثون مليوناً من البشر ، وحدة جغرافية تتحرك بتصور واحد على الرغم من تعدد الجنسيات واللغات والنظم الاجتماعية والسياسية القائمة ، واختلاف التاريخ بل وتناقضه العجيب ، وستغدو المشاريع الاقتصادية الكبرى تنفذ في مجموع البلدان ، للاستفادة من الخبرات والموارد واليد العاملة الفنية ، وستنتقل رؤوس الأموال واليد العاملة دونما حاجة لجوازات السفر ، أو تأشيرات الدخول والخروج أو التسجيل القنصلي .

إنها حقاً خطوات جادة تثير الدهشة والإعجاب لما يحققه هؤلاء الناس من تذليل الصعاب في سبيل تقدم الإنسان في كل مجال .

وبنفس الوقت يحز في القلب ما نراه من فرقة الدول الاسلامية والعربية منها على وجه الخصوص ، مع رفعها لشعارات الوحدة منذ ما يزيد على الأربعين عاماً ، ولكننا مع  شديد الأسف والمرار لا نرى إلا السدود تلو السدود ترفع ، والحدود بعد الحدود تقام وتكرس الفرقة ويزداد التشتت والضياع في كل بلد إسلامي وعربي مع توفر كل مقومات الوحدة من وحدة الدين والعقيدة إلى اللغة والتاريخ المشترك الناصع الذي يفخر به المسلمون جميعاً .

لقد حالت الأنظمة القائمة دون لقاء الشعوب بعضها ببعض ، وأصبحت البلاد بحدودها القائمة سجوناً كبيرة ، طموح الإنسان المقهور فيها أن يخرج إلى الحرية – شيء من الحرية – مهما كلفه ذلك من ثمن .

وأنا أكتب هذه الكلمات ، يردد المذياع خبر انتقال الجراد من المغرب العربي إلى السودان إلى اليمن إلى الجزيرة العربية ، إنه ينتقل بكل حرية ، لأنه لا يعرف الحدود ، ولا يحتاج لتأشيرة خروج من بلد وعبور لآخر ، ولا لجواز سفر ولا أن يمر على نقطة حدود .

ترى هل يحدث هذا رغماً عن الأنظمة ؟ أم أنهم لم يبتكروا بعد جوازات سفر لتحقيق المراد أمام زحف قوافل الجراد .  

                                                              رياج ططري

No hay comentarios:

Publicar un comentario