viernes, 8 de abril de 2011

المَواقـــع الفاعِـــلة

                    

دعاتنا بخير مادامت صحوتهم واعية يقظة تبشر بمستقبل أفضل لجيل النهضة الإسلامية . وهم بخير طالما تلمسوا المواقع الفاعلة في حياة الإنسان ، فشمروا عن سواعد الجد للتعرف عليها وفهم أبعادها في حياة البشر وتأثيرها في مجرى حياة الناس .

هذه المواقع هي التي تحرك الجماهير ، ومن خلالها يؤثر من يسيطر عليها ويتحكم بها بمصير الناس وعقولهم وبها يُشكّل آراءهم وأحكامهم . وكلما استطاع الدعاة اليقظون الالتفاف حولها والتأثير بها ، بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، تمكنوا بذلك من أداء واجبهم والقيام بدورهم على خير وجه .

المواقع الفاعلة والمؤثرة في حياة البشر ، هي التي تترك بصماتها واضحة على عقول الناس وأفئدتهم وتحرك عواطفهم وتستجيش وجدانهم .. حدثني شاب في مقتبل العمر : ( إنني لاأستطيع مفارقة المذياع ، إنه ينام معي في سريري ، لقد أصبح جزءاً من لاأقدر على فراقه ساعة ) .

وقال آخر ذات يوم : ( وكيف لاأصدق هذا الخبر ، وقد تناقلته الصحف ووكالات الأنباء ، حتى علم به القاصي والداني ) .

وجمعتني مناسبة بأحد العاملين في حقل الدعوة في إحدى اللقاءات الهامة فصرح لي قائلاً : ( إنني مازلت أتخيل أساتذتي في المدرسة والجامعة ومازالت كلماتهم حيّة في مخيلتي . وكثيراً ماأرددها دون تفكير مسبق ، إنني أعدها وكأنها مسلمات لاخلاف عليها ) .
هذه المواقع التي يؤثر أصحابها في تشكيل العقول ، وترتيب الأفكار ، وزرع العقائد عند الناس ، كل الناس ، هي التي يجب أن تكون محط أنظار الدعاة وموضع اهتمامهم حتى إذا ماعرفوها ، واكتشفوا السبيل للوصول إليها ، كانوا قد قطعوا شوطاً بعيداً على النهج القويم .

ولا يعني معرفة الشيء تمام العمل ، بل كما يقول الخطيب البغدادي : " اقتضاء العلم العمل " ، فإذا تعرفنا على مراكز النفوذ والتأثير ، استنفرنا لكل مركز رجالاً يمتلكون ناصية الخبرة والكفاءة الجادة المتزنة القادرة على شغله بجدارة وأصالة .

فإن لم يتوفر الرجال أو العدد اللازم منهم .. فيجب إعداد الفريق الكافي والمناسب لكل موقع ، حتى يحققوا الهدف المرسوم ضمن خطة تغطية شاملة . إن النواح والشكوى والتذمر ، سلوكُ ساد عند بعض العاملين لحقبةٍ طويلة من الزمن ومازال يهيمن على بعضهم حتى وقتنا الحاضر ، وهذا مايلفتهم عن التفكير الجاد والعمل المثمر النافع في استنباط الوسائل الناجعة ، وإعداد الرجال الذين يقدرون على الاستفادة منها في تحقيق أهداف الدعوة السامية .

إن الحياة تحتاج إلى أناة وصبر ، والصبر كما تعرف – زاد الدعاة – وكل بناء يحتاج لجهود مضنية ، فكيف ببناء هدفه إعادة صياغة المجتمع الإنساني برمَّته ، ليكون وفق نهج الإسلام وشريعته .

إن كل تفكير عشوائي لايأخذ للأمر عدته في استنباط مواقع التأثير والفعالية عند الناس ، واستقراء حاجات الناس المستقبلية ، وتلمس ميزان الجهد المبذول المكافئ للمردود المتحصل ، تفكير لايمكن أن يؤدي إلى نجاح ، وإن حقق بعض النجاح الظاهري ، فلا بد أن يهوي صريعاً أمام أي تنافس أو قدرة أخرى أقوى منه . ولا يغيبنَّ عن ذهن الدعاة أن إعداد الرجال مهمة شاقة لايقوى عليها إلا من نذر نفسه صادقاً لله ، محتسباً ثوابه من عنده وحده .

عرض أحد الاجتماعيين نظام جماعة في بلد أوربي ، وبيّن كيف تمكن أفرادها من احتلال مواقع النفوذ فيه بجدارة وتماسك كبيرين  دون ضجيج  مفتعل أو خداع وتزييف ، فقال: " إنهم يشترطون على من يتبنّى أهدافهم أن يبذل طاقته كلها في فرعه الذي اختاره لنفسه حتى يبرز فيه مااستطاع إلى ذلك سبيلاً ، وهم بدورهم يوفرون له كل ما يحتاجه من مساعدة مالية أو معنوية فيؤمنون له الكتب التي تصدر تباعاً ويسهرون على تقدمه ، ويتفقدونه في جوانب حياته كلها ، الأسرية ، والجامعية ، وحتى في علاقاته الحميمة مع أصدقائه وزملائه . حتى إذا ماتخرج لقي الدعم والمساعدة في ايجاد العمل المناسب في الموقع المختار له ، وبهذا يصبح لبنة في بناء متماسك يشد بعضه بعضاً " .

إن هذا النظام  وفّر لأفراده ، الجو الملائم ، والوسائل الكافية ، والتشجيع المستمر ، والمراقبة الحازمة ، والتقويم الحريص ، وكفل لهم الازدهار في حياتهم الخاصة والمهنية ، وجعل ذلك كله يصب في بوتقة واحدة يدعم كل فرد فيها بقية الأفراد .

وهكذا تمكن أفراد هذه الجماعة من الوصول إلى حكومة هذا البلد والهيمنة على أقوى المراكز الفاعلة فيه في مدة لاتزيد على خمسة وعشرين عاماً ، أي خلال جيل واحد فحسب .

إن تلمس المواقع الفاعلة ، ومعرفتها واستقراء المستقبل ، لإدراك المستجد منها ، خطوة لابدّ منها لمن أراد أن يسير وفق سنن الله في الكون والإنسان والحياة .

وإعداد الخبرات والكفاءات القادرة على شغلها بجدارة وأصالة خطوة أخرى لابدّ منها في العمل التغييري الجادّ الذي يضع أمامه أهداف الإسلام الكبرى " وأعِدّوا لَهُم مااسْتَطَعتُم مِنْ قُوَّة " .

ودعم هذا الوجود على كل صعيد لكي يؤتي أكله ، تكاملاً وتأييداً ومناصحة وتقويماً ، خطوة ثالثة لابدَّ منها لتمام مشروع القرآن الكريم :

" إنَّ اللهَ لايُغَيِّرُ مابِقوْمٍ حتّى يُغيِّروا ما بأنفُسٍهٍم "


      رياج ططري 

No hay comentarios:

Publicar un comentario