viernes, 22 de abril de 2011

التربية .. رجال ووسائل



المسجد المحضن الرائد :

         إن الذي يعمل على التغيير في أي منحى من مناحي الحياة ، يجب أن لايعدم الوسائل المتجددة المبتكرة التي تحقق له الهدف ، وتذلل أمامه الصعاب ، وتوفر له الإمكانات في الأوساط المختلفة .ولقد كان المسجد في عصر النبوة ، منبع الخير كله ، ومن هذا الخير منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان ابتكاراً إسلامياً بحتاً حقق ومازال يحقق الفوائد العظيمة في توعية المسلمين وربطهم بدينهم وتجنيد طاقاتهم كلها في سبيل رفعة شأنهم وإعلاء راية إسلامهم ، إنه منبر إعلامي وتربوي فريد .

وفي المسجد نظمت حلقات الدرس والوعظ والإرشاد منذ العصر النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم .. وفي المسجد تأصلت المدارس النظامية الملحقه به ، والتي أصبحت في بعض المساجد الكبرى جامعات عريقة حمت المسلمين من الغزو الفكري على مر العصور بل وكانت حضناً فكرياً وروحياً منيعاً .

         غير أن الوسائل التربوية المتبعة حالياً، والتي كانت في زمانها ثورة في هذا المجال ، أصبحت في وقتنا هذا وسائل تقليدية ، فقد بقيت حلقة المسجد هي الوسيلة الأولى إن لم نقل الوحيدة في حقل التربية الدينية ، وأصبح المسجد حكراً على الحكومات ،وغدت خطب الجمعة تمر على الرقابة إن لم ترسل مكتوبة مسبقاً للخطباء ، والمدرسة تحولت لمحضن فكر الحزب الحاكم أو السلطة المهيمنة على مقاليد الأمور .

دور الإعلام الحديث :

        وقد جاءت وسائل الإعلام الحديثة من إذاعة وتلفزة وصحافة وفلم وصورة تربط علاقات إنسانية معقدة جداً ، وغدا الجيل يتقمص الشخصيات التي تقدم له ، والأبطال الذين يزينون في عيونه ، وصارت الأعمال الفنية هي صمام الأمن الذي يتم عن طريقها تفريغ العواطف والأفكار ، فالمرء يتقمص مايلائمه عندما يتصل به ، وإذا ماحقق عمل ما نجاحاً فإنه يعكس تماماً وبطريقة ما تلك الصراعات الموجودة في داخل المرء لأعداد كبيرة من الناس .

         إن هذه الأدوات الخطيرة وهذه الأجهزة الفعالة ، تحولت بالنسبة للمبادىء والأفكار لمسألة حياة أو موت ، فإن استفيد منها وسخرت للخير كانت العاقبة خيرة ، وإن كان العكس فإن التيار قوي جارف لاقدرة ولا طاقة على مواجهته إلا أن يشاء الله .

         إن التلفزيون بما يبثه من أفلام وبرامج يتسلل إلى عقل الرجل والمرأة ، والشاب والطفل ، إلى مخدعه وغرفة نومه ، وينام المرء وعيونه معلقة بالشاشة الصغيرة التي حشد لها جمهرة من المتخصصين الفنيين ، وعلماء النفس والاجتماع ، وخبراء في صناعة الإنتاج يسيرون بها من جيد إلى أجود وبكثافة تلبي حاجة الإنسان بأساليبها المتنوعة ووسائلها المتعددة .

         إن التلفزيون يشغل في بعض البلدان المتقدمة ثلث وقت الفرد ، ويكون ظله في باقي أوقاته يتحرك بإسقاطات برامجه ويتطبع بشخصيات أفلامه .

         إن هذه الأجهزة التي تفرز من المادة الإعلامية والتربوية مايعجز عن حصره الإنسان تورث تنكباً عن سواء الصراط ، وانكساراً إزاء تكاليف الحياة ، والأهداف السامية للإسلام ، لأن العقيدة نداء موصول بالسماء يدعو للارتفاع والتسامي والرشاد ، بينما هذه المادة إغراء دائم تدعو للتدني والهبوط واللصوق بالأرض .
        
أفكار مبتكرة :

        لهذا كله فنحن بحاجة لفريق من الإعلاميين من الطراز الأول يستطيع أن يلج حقل الإعلام من بابه العريض ، فيفعل فيه فعلاً منافساً ليثير في قلوب الناس خصال الخير ويثبت الوجود الإسلامي في هذا المجال بكل قوة ورسوخ .

         وإليكم مثالاً حياً في الاتجاه الايجابي للاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة ، فلقد نظمت شركة القطارات البريطانية برنامجاً تعليمياً ، يعرض بالدارة المغلقة التلفزيونية ، على الركاب الذين يذهبون وعودون يومياً  من وإلى مكان عملهم في القطار، ومنحتهم شهادات علمية رفيعة المستوى لمواظبتهم عليه ونجاحهم في المادة التي عرضت عليهم ،فعلينا إذاً التوكيد على الدور التربوي والتعليمي كخيار أساسي لهذه الأجهزة ، وتكثيف البرامج التربوية عبر فنون الإعلام والأدب .. ولايتم هذا إلا بإعداد الخبراء والمختصين الصالحين لكي يثبتوا وجودهم في الساحة الإعلامية الشاغرة من كل أثر إسلامي رشيد .

وسائل ممكنة لابد منها :

        يجب إعادة دور المسجد من أجل القيام بمهمته التربوية ، جنباً إلى جنب مع المدرسة والمعهد والجامعة ، إذ في المسجد يتحسس المسلم خطواته الأولى نحو الطريق الصحيح ، وفيه يتلقى المبادىء التي ستعيد ترتيب نهج حياته بأكملها .

         ولابد من وضع أنظمة تربوية نابعة من صميم ثقافتنا وملبية لحاجاتنا وطموحات أمتنا بمعطياتها التاريخية والثقافية والحضارية ، وكذلك برامج التعليم النابعة من الفكر الإسلامي الخالص الذي يتميز عن غيره بنظرته الخاصة للفرد والجماعة ، وبنظرته للذكر والأنثى ، وبنظرته للحياة والكون والإنسان والمعرفة .

         إن منهج التربية في عصرنا يجب أن يكون متصلاً اتصالاً حميماً بوسائل الإعلام ، وبنوك المعلومات ، وأساليب التقنية الحديثة التي يستطيع المربي من خلالها تنفيذ برامجه والاستفادة منها إلى أبعد الحدود .
        
وليس لنا هنا إلا أن نشير إلى بعذ الوسائل المفيدة ، التي أثبتت فعاليتها في وقتنا الحاضر :

أ‌)       التعليم الذاتي : حيث تتوفر الكتب والمراجع بكثرة ، مكتوبة بأسلوب سلس عصري ، وارتفاع المستوى الثقافي لدى الفرد ووجود البرنامج المساعدة والموجهة،كل ذلك يؤهل الفرد للاستزادة من الثقافة بمفرده وبتوجيه غير مباشر .

ب‌)  الدورات العلمية : ونظراً لكون بعض العلوم الإسلامية لاتؤخذ إلا مشافهة من العلماء ، فإن الدورات العلمية التي تنظم بين الفينة والأخرى بعد مرحلة من الدراسة الفردية ، يلتقي فيها العالم مع طالب العلم فيجيب فيها على أسئلته ويعرض لأهم القضايا الصعبة في هذا العلم استعصت على طالب العلم ، ومن ثم يمتحنه ويجيزه في هذا العلم أو في جزء منه ولعل هذه الوسيلة من أنجع الوسائل وأصلحها في وقتنا الحاضر .

ج‌)    الجامعات الحرة :  إن تجربة التعليم الجامعي الإسلامي القديمة ،جددت في عصرنا الحاضر وأطلق عليها مايعرف باسم الجامعات الحرة أو المفتوحة وقد أثبتت جدواها قديماً ، وهاهي تنتشر في بلاد الغرب وينتسب إليها عشرات الألوف من الطلبة يتابعون من خلالها تعليمهم العالي أو يتابعون دراساتهم في الصفوف الدراسية المتقدمة في مختلف حقول المعرفة .

ولا يخفى على المتتبع لقضايا التربية والتعليم أن مجال التأهيل في حقوله المختلفة المهنية أو الإدارية بما في ذلك التنظيم والدعوة يجب أن يواكب عملية التعلم ، فتدرس المواهب ، ويتعرف على القدرات وتوجه في المجالات المختلفة المهنية والتخصصية .

فإذا وجدت وتوحدت هذه الطاقات والقدرات معاً وصبت في بوتقة واحدة فإنها تنتج عملاً متزناً يسد الثغور كافة ، ويصبح قادراً على الوقوف في وجه التيار العالي الذي تعاني منه أمتنا . إن واجب التعاون ضمن الفريق الواحد المتخصص المتكامل في مختلف الحقول وسائرالمستويات أضحى واجباً لامفر منه .

لابد من إعداد المربي المسلم :

(( لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين )) " آل عمران : 164 "

يتضح من هذه الآية الكريمة أن للمربي وظائف أهمها : التزكية النفسية والتعليم . ولكي يحقق المربي وظيفته التي كلفه بها رب العالمين ، يجب أن يكون هدفه وسلوكه وتفكيره ربانياً ، وأن يكون مخلصاً صبوراً صادقاً ، دائم التزود بالعلم والمدارسة له ، متفنناً في تنويع أساليب التعليم ، قادراً على الضبط والسيطرة ، محبوباً رحيماً ، وأن يكون واعياً للمؤثرات والاتجاهات العالمية وماتتركه في نفوس الجيل من آثار .

ولابد هنا من إبراز بعض الخصائص النوعية التي فعلت فعلها في تكوين الجيل الأول الذي رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم على عينه ، ألا وهي شخصية المربي الأول الذي توفرت فيه صفات معينة أهلته لهذه المهمة الخطيرة ، والتي يجب أن تتوفر اقتراباً في كل من سيتصدى لهذه المهمة من بعده والتي ذكرها الأستاذ محمد قطب في كتابه منهج التربية الإسلامية نلخص منها مايلي :

 "اًولاً :  إحساس الشخص الذي يتلقى التربية، أن مربيه أعلى منه روحياً أو عقلياً أوأخلاقياً أو نفسياً أو كلها معاً .
ثانياً : إحساسه بأن مربيه عنده مايعطيه .
ثالثاً : أنه يحسن الإعطاء ، بالحب والحنو ولكنه حب يتصف باللين والحسم .
رابعاً: أن يكون عند المربي القدرة على الاهتمام بالآخرين ، والاهتمام بأن يعطيهم ماعنده من الخير .
خامساً : أن يكون المربي قادراً على المتابعة والتوجيه المستمر .
سادساً : أن يكون المربي قادراً على القيادة مع قدرته على المتابعة والتوجيه . "

هذه الخصال هي الكفيلة بربط أجزاء الجماعة بعضها مع بعض ، وتكفل إنفاذ منهج النبوة في حياة الناس، وربما يوجد إنسان مثالي في ذاته غير أنه لايحسن التربية ، وليس لديه الطاقة للقيام بذلك فهو حسن بذاته ، لايحسن تربية غيره .

فإذا توفر العدد اللازم من أمثال هؤلاء المربين الذين يتحلون بهذه المواصفات العالية وإذا سُلك السبيل الرشيد في استخدام الوسائل المتجددة في التربية ، وأحسن الالتحام بالناس والالتصاق بقضاياهم فإن التغيير لابد حاصل واستئناف الحياة الاسلامية والحكم الاسلامي لابد قادم بإذن الله .

رياج ططري

No hay comentarios:

Publicar un comentario