domingo, 26 de febrero de 2012

شريطة أن لا يذكرأسمه

شريطة أن لا يذكرأسمه

عندما شرعنا في بناء مسجد مدريد الجامع ( مسجد أبي بكر الصِّديق رضي الله عنه ) وهو المسجد الأول الذي أقيم في العاصمة الأوربية الوحيدة التي بناها المسلمون ( مَجْريط ) .

وَقّعْنا عقداً مُغلقاً مع شركة خوتسا الإسبانية للبناء على أن تُسَدَد المبالغ المُتفق عليها شهرياً مع تقدم البناء ، كان هذا في عام 1987 .. ولم يكن بحوزتنا من المبلغ المتفق عليه شيئاً يُذكر .. مع ضخامة العقد ومقداره  مليون ونصف المليون من الدولارات الأمريكية أي ما يعادل 158 مليون بيزيتا في حينها .

وقُمنا بسفرات عديدة ، شارك فيها إخواننا وأبناؤهم في جمع المال من أهل البِرّ والإحسان ، ومن الحملات المنظمة على أبواب المساجد في قطر وبعض البلدان العربية ، وأفلحنا – بحمد الله – بتسديد الأقساط المتفق عليها في حينه ، دون أن يترتب عليها بفضل الله أي فائدة بَنكية .. ويعود الفضل للجهد المبذول من الإخوة وكذلك للقروض الحسنة التي كان يعيننا بها إخواننا عند الحاجة ، ثم كانت تُرَدّ إليهم بعد أن تصل التبرعات من المحسنين .

غير أن امراً .. بقي وسيبقى في الذاكرة أبداً ما حُييتُ ، وهو أنه لما عُدتُ من بعض البلاد العربية ، وقد شارَفت على الانتهاء الفترة الممنوحة لتسديد آخر قسط من أقساط بناء مسجد مدريد الجامع ، وكان مبلغاً أكثر من الأقساط السابقة ، يُضاف إليه الحصة المتبقية من أتعاب المهندسين – المُصمم والمُنَفِّذ – أي ما يُعادل 240 ألف دولار أمريكي ولم يكن يتوفر منها سوى مبلغاً زهيداً ..

عقدت لجنة بناء المسجد في الجمعية الإسلامية في إسبانيا جلسة طارئة وَدَعت له بعض الإخوة المقتدرين مالياً .. لدراسة الأمر ووَضْع الحلول المناسبة له ، إذ لا يمكننا أن نقع في شراك الفائدة البنكية ونحن على أبواب إتمام بناء المسجد .. فالله طَيِّب لا يَقبَلُ إلا طَيّباً ..

كان الرأي السائد أن يذهب بعض الإخوة إلى البلاد العربية ليعرض على نخبة من المحسنين المعروفين ببذلهم وعطائهم الأمر ، عسى أن يُلبى طلبنا ونضع حلاً نهائياً لهذا الأمر ..

لم يُبادر أحد من المجتمعين برغبة في السفر ولم يُوَجّه لي هذا الطلب لأنهم جميعاً يعلمون أني حديث القُدوم من البلاد العربية .

في هذه الآونة وقد خَيّم الصَمت على وجوه الحاضرين ، واحتاروا في ايجاد الحلّ المناسب ، فما كان مني إلا أن قلت إنني سأعود من حيث أتيت عسى أن نوجد حلاً للأزمة التي تُواجهنا .. فارتسمت على وجوه الإخوة علامات الرِضا والشفقة بآنِ معاً .

عندها سمعت صوت الهاتف من غرفة المكتب المجاورة لمكان الاجتماع ،  -وما كنت عادةً أرُدّ على الهاتف-  احتراماً لنظام اللقاء .. غير أن إلحاح الهاتف ، حَرّك في قلبي شعوراً ملحاحاً دفعني لأن أقوم وأرد عليه فإذا بالأستاذ ( م . هـ ) يُسَلّم بحرارة وهنّأني بسلامة العودة وبادرني بالسؤال كَم تَبَقى عليكم من أقساط المسجد فذكرت له المبلغ والحيرة التي نحن فيها .. وأننا في اجتماع لاتخاذ القرار المناسب ، وسأسافر إن شاء الله لأبذل جُهداً مُضاعفاً لِتسديد القسط الأخير من بناء المسجد ..

فقال لي كَسبتَ أجْرَ السفر دون أن تُسافر ، فاستغربْتُ العبارة ، فقال : أخٌ مُحسِنٌ كريم تَعرفه انتهى لِسَمْعِهِ ما أنتم عليه فبادر بالاتصال يَستفسر عن المبلغ .. فسارعت مُجيباً بالمقدار المطلوب ، فتابع قائلاً ولكن هناكَ شرْطٌ واحد وَضَعَهُ  المُحْسِن الكريم ، فخَشيت أن يكون شيئاً يتنافى مع المبادئ التي سِرنا عليها في تشييد هذا الصَرْح المبارك مع معرفتي المُسبقة بالرجل وَمَواقفه . غير أن المخاطِب سارعني وأخرجني من الحيرة ، بل وأدخلني في عالمٍ من الروحانية والقيم السامية لإسلامنا الحنيف عشتها في رحلة بناء المسجد ..

قال : شَرْطُهُ الوحيد أن يبقى اسمه لديك فحسب ، وأن لا يُكتَب في صحيفة ولا يُذْكَر في مَلأ .. صَمَتُّ قليلاً وإذا بدموعي تَذرُفُ بغزارة ، وأصابتني غَصّة مااستطعت معها إجابة ، فسألني ما رأيك .. قُلت بصوتٍ يُغالبُه البكاء لَهُ ما يُريد .. لَهُ ما يُريد .. قال : غداً تجد المبلغ بكامله في حساب المسجد ..

وَفِعلاً ذهبت إلى البنك صَبيحة اليوم التالي وإذا بالمبلغ بكامله قد دخلَ في حساب المسجد ، فَسَدّدنا ما علينا من أقساط لشركة البناء وللمهندسين ، وَلِساننا يَلهَج بالدعاء للمُحسِن الكبير الذي أسألُ الله أن يجزيه عنّا وعن المسلمين في الدنيا قاطبة خَيْرَ الجزاء .    
 
                                                                      رياج ططري

No hay comentarios:

Publicar un comentario