martes, 29 de mayo de 2012

في تبليغ الدعوة


في تبليغ الدعوة

فهم جيل الصدر الأول ، الذي رَبّاه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على عينه ، الدعوة إلى الله فَهْماً عملياً يرتبط بكيان الفرد والأمة على حد سواء .. فحملوها بكل جد وعزم ، ورعوها بكل صبر وتؤدة ، وتفننوا في الوسائل والأساليب التي تكفل لهم القيام بواجبها على أكمل وجه .. وما كان ذلك إلا تصديقاً لنهج النبي الكريم في الدعوة على هدى وبصيرة .

المرحلية في الدعوة :

أنظروا قليلاً في ما تَحَرّى النبي صلى الله عليه وسلم من التدرج والترتيب للبلوغ إلى هذه الغاية – تحقيق العبودية لله – فقد قام بدعوة الناس - أولاً وقبل كل شيء – إلى " الايمان " وأحكمه في قلوبهم ، وأتقنه على أوسع القواعد وأرحبها ، ثم نشأ في الذين آمنوا تعليمه وتربيته طبقاً لمقتضيات هذا الايمان تَدَرّجاً بالطاعة العملية ، أي " الإسلام " والطهارة الخلقية ، أي " التقوى "، وحب الله والولاء له، أي " الإحسان " .

ثم شرع بسعي هؤلاء المؤمنين المنظم المتواصل في تحطيم النظام الفاسد للجاهلية القديمة واستبدال نظام صالح به ، قام على القواعد الخلقية والمدنية المقتبسة من القانون الإلهي المُنزل من الرب تعالى .

ثم لما أصبح هؤلاء الذين آمنوا ولَبّوا دعوته من كل وجهة – بقلوبهم وأذهانهم وأخلاقهم وأفكارهم وأعمالهم – مُسلمين مُتقين مُحسنين بالمعنى الحقيقي ... أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يُرشدهم إلى ما يزين حياة المتقين المحسنين من الآداب والعادات المهذبة في الهيئة والملبس والمأكل والمشرب والمعيشة والقيام والجلوس ـ وما إلى ذلك من الشؤون الظاهرة وكأنني به فَتَنَ الذَّهَب ونَقّاهُ من الأوساخ والأدران أولاً ، ثم طبع عليه بطابع الدينار . ودَرَّبَ المقاتلين أولاً ، ثم كساهم زي القتال .  
وهذا هو التدرج الصحيح المرضي عند الله في هذا الباب كما يبدو لكل مَن تَأمّل القرآن والحديث وَتَبَصّرَ فيهما . " 1

حقيقة الايمان :

وقد كان صدق الايمان في قلب المرء ، يدفعه لأن يُكرِّس حياته كلها في سبيل الدعوة إلى الله .. يعيش لها في كل خطرات فكره ، وحركات جوارحه .
وحقيقة الايمان لا يتم تمامها في قلب حتى يتعرض لِمُجاهدة الناس في أمر هذا الايمان ، لأنه يجاهد نفسه كذلك في أثناء مجاهدته للناس وتتفتح له في الايمان آفاق لم تكن لتتفتح له أبداً وهو قاعد آمن ساكن ، وتتبين له حقائق في الناس وفي الحياة لم تكن لتتبين له أبداً بغير هذه الوسيلة ، ويبلغ هو بنفسه وبمشاعره وتصوراته ، وبعاداته وطباعه ، وانفعالاته واستجاباته ما لم يكن ليبلغه أبداً بدون هذه التجربة الشاقة العسيرة .
       وهذا بعض ما يُشير إليه قوله تعالى :
        " وَلَولا دَفْعُ النّاسِ بَعضهم بِبَعض لَفَسَدَت الأرْض  "
وأول ما تفسد : فساد النفوس بالركود الذي تأسن معه الروح وتسترخي معه الهمة ، ويتلفها الرخاء والطراوة ، ثم تأسن الحياة كلها بالركود ، أو بالحركة في مجال الشهوات وحدها ، كما يقع للأمم حين تُبتلى بالرخاء . " 2  .

 الدعوة ضرورة وحاجة :

لقد غدا خلق الدعوة إلى الله ضرورة وحاجة ، ذلك أن الأمة الإسلامية ما تقدمت ونشرت مبدأها وعقيدتها إلا بعد أن بَثّت في أبنائها روح الدعوة والتقدم ..
وقد ظهر أن أمة أو جماعة ليس فيها روح الدعوة ، والتقدم والهجوم لا تحافظ على وجودها ، وعلى مبدئها وعقيدتها ، وأن موقف المُدافع موقف الضعيف المُعَرّض للخطر ، وكل مَن لا يكون داعياً يكون هدفاً لدعوة أخرى ، وقد ثبت بالتجربة أن خير وسيلة للايمان بالمبدأ والثبات عليه ، ومتانة العقيدة .. والاستماتة في سبيلها ، هي الدعوة إليها ، فالداعي دائماً قوي الايمان بمبدئه ، مُتَحمس في عقيدته ، ونشيط في عمله ، مُستهين بغيره ، فإذا أردنا أن توجد في طَلَبتنا هذه الصفات وأن يخرجوا من الخطر على دينهم ، ونأمن عليهم الاندماج في غيرهم ، والوقوف في المعسكر المخالف فينبغي أن نجعلهم دعاة ، فإذا أردنا أن نجعلهم متدينين ، فينبغي لنا أن نجعلهم دعاة إلى الدين "  3 .

والواقع الماثل أمام أعيننا يفرض علينا الوعي التام لطبيعة الدعوة إلى الله وروحها .. والضرورة ملحة لتجديد الفهم لها كما أرادها الله تعالى لأننا – معشر المسلمين – بأمس الحاجة لإحسانها والعمل بها ، بل وتربية أنفسنا وأبنائنا عليها ففيها إن شاء الله – فَلاح الدُنيا والآخِرَة .
______________________
1- الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية  ، أبو الأعلى المودودي .
2- معالم في الطريق ، سَيِّد قُطب .
3- التربية الإسلامية الحرة ، أبو الحسن علي الحسني الندوي .
               
                                                                             رياج ططري

No hay comentarios:

Publicar un comentario