jueves, 26 de mayo de 2011

المرحلية

  المرحلية : من سنن التغيير في المنهج الاسلامي 
                                                                                                                                 
انطلقت الدعوة الاسلامية منذ ولادتها وفق عمل مرحلي انسجاماً مع سنة الله تبارك وتعالى في تغيير الأنفس والمجتمعات والأمم ، وكل عمل يُراد له النجاح ، عليه متابعة السير على هذه الخطى ، سنة من سبقنا من السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم جميعاً .

والمرحلية في عملنا ودعوتنا شرط موضوعي تفرضه :

أولاً : ضخامة الغاية والأهداف التي رسمناها بداية لجهادنا .
ثانياً : تواضع إمكاناتنا المادية والبشرية التي بحوزتنا والتي نستطيع التحكم بها وتوظيفها للمهمة التي نتصدى لها .
ثالثاً : كون هدفنا تغييرياً ، والتغيير لايمكن تحقيقه في الناس دون الصبر والتمرس في الدعوة والسير خطوة خطوة .
رابعاً : كون المرحلية  سنة من سنن الله تعالى في الكون والمجتمع .

المرحلية في القرآن الكريم

إن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ست مراحل ، ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِيْ سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُّغُوْبٍ ) ق:38. وخلق الله الإنسان في عدة مراحل ، ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِّنَ طِيْنٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِيْ قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا الْنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامَا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمَا ثُمَّ أَنَشَأْنَاهُ خَلْقَاً آَخَرَ فَتَبَارَكَ الْلَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِيْنَ ) المؤمنون 12 – 14، وقال تعالى ( مَالَكُمْ لَاتَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارَا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارا ) نوح: 14 . ونرى في خلق الكائنات الحية أنها خلقت أطوارا ، وأودع الله في جميع مخلوقاته خاصية النمو المرحلي التدريجي كما نلاحظه في كل ما يحيط بنا .

مقدمات ضرورية

ونلاحظ كذلك في سنته تعالى في تغيير المجتمع وتحوله من وضع إلى آخر – سواءً كان التحول جزئياً أم كلياً – أن هذا التحول يتم على مراحل ، فالتحول يتم بجهود

بشرية تقوم به فئة من المجتمع آمنت به ووجدت ضرورة تنفيذه في حياة الناس ، ولهذا الأمر علته :

        أولاً : ضرورة القيام بالبناء الذاتي لأفراد القاعدة  الصلبة ، واستكمال العدة اللازمة ، كحد أدنى من مقومات الجماعة التي ستحدث التغيير .

        ثانياً : إن استعداد المجتمع – أي مجتمع – للتغيير بصورة مفاجئة أمر صعب المنال ، بل ربما يسبب مضاعفات تتناقض مع المراد تحقيقه إذا ما حدث فجأة ، فيؤخر التغيير أو يجعله بعيد المنال .

        ثالثاً : إن التغيير لا يحدث عادة باتجاه واحد ، حيث لا  يجد المغير في الوسط الذي يعمل فيه مقاومة ولا عداوة ، بل يقدر ما يريد أن يفعل بالاتجاه المعاكس لما عليه الناس ، يقدر ما يجد من عقبات في طريقه ، مما يستلزم زيادة طاقة الفاعلية والاستمرار بها والإصرار عليها .


 وبالتالي فإن المرحلية في التحول ، تختلف باختلاف الشروط الموضوعية الموجودة في المجتمع وفي الأمة ، وتختلف باختلاف القدرة الذاتية للقاعدة الراسخة التي تتولى التغيير ، وكذلك طبيعة الأهداف المرسومة والتي يُعمل على تحقيقها ، وأمر هام : حجم المعارضة التي تقف في طريقها ، والعقبات التي تضعها أمام القاعدة المؤمنة ، وكذلك لاننسى عامل الزمن ، لأن المرحلة الزمنية التي يمر بها المجتمع ، لها أثر حاسم في عملية التغيير ، وكذلك على الفئة المغيرة .

المرحلية في حياة الأنبياء

في عملية استقراء سريعة لحياة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً ، نرى بوضوح بروز المرحلية في عملهم لتغيير مجتمعاتهم التي أرسلوا إليها بالإسلام ، الدين الخالص ، وقد طبّق خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم المرحلية في دعوته المباركة وأخذت معالمها مراحل ثلاثة بارزة :
       
المرحلة الأولى : وكانت مرحلة سرية دامت فترة قصيرة ، صاحبها تنزيل قصار السور لترسيخ جذور الايمان بالله واليوم الآخر ، ولبناء القاعدة المؤمنة من الذين تغيروا بالإسلام ليكونوا ركائز الدعوة ، ركائز التغيير في المجتمع ، وكانت هذه المرحلة سرية الطابع موجهة لمن يُتوسم فيهم الخير ، ودامت ثلاث سنوات .

المرحلة الثانية : وهي مرحلة الجهر بالدعوة والبدء بالصراع في البُنيات الفكرية والعقيدية والسياسية والإجتماعية ، وكان صراعاً عنيفاً استمر سنوات عشر ، وفي هذه المرحلة أبلت الجماعة المؤمنة بلاء حسناً .. وصبرت على الأذى وهي تفعل في المجتمع وتؤثر في أفراده وتبني قواعدها داخله وخارجه 

المرحلة الثالثة : وهي مرحلة الحسم والامتلاك زمام الأمور ، وإقامة الحكم الإسلامي بقيام الدولة الإسلامية في مجتمع المدينة المنورة ، وبداية المواجهة الكاملة مع أعداء الله ، وتوسيع رقعة الدولة في المناطق المحيطة بها ، واستتباب الأمر للمسلمين ، ودامت هذه المرحلة عشر سنوات .

العوامل الموجبة للمرحلية

على الرغم من اقتناعنا التام بأن المرحلية سنّة من سنن الله تعالى في تغيير الأنفس والمجتمعات ، هنالك عوامل موضوعية ننطلق منها في دعوتنا وهي :

        أولاً : هدي الإسلام .

        والمقصود بذلك أن الإسلام يعتمد الإقناع طريقاً للايمان ، دون إكراه ولا إرهاب ، مع وجود الثقة الكاملة بأن الإسلام دين الفطرة البشرية السليمة يتجاوب مع الطبيعة السوية عند الناس ويلبي حاجاتهم الاجتماعية ، وأمر آخر هو أن الإسلام يرفض " الوصولية " ويعتبر الوسيلة من جنس الغاية ، ولذلك لا يمكن اعتماد أسلوب " الغاية تبرر الواسطة " . كل هذه المقدمات تدلل على ضرورة وجود مرحلة زمنية كافية يستغرقها العمل في إقناع عدد من الأفراد ليكونوا في زمرة القاعدة الصلبة التي تقوم بالتغيير ، ويقوم على أكتافها إقناع الأمة بذلك .

         ثانياً : واقعنا المعاصر .

        إن واقعنا المعاصر بتعقيده الكبير ، وبتدخل الآلة العسكرية والإدارية للدولة في مختلف مناحي الحياة في المجتمع ، وكذا العقبات الموضوعية التي يضعها أعداء
التغيير نحو الإسلام ، وتخطيطهم الدائب لهذا الأمر ، يوجب على الدعاة إعداد قدرات رفيعة المستوى في كل مجال ، وهذا الأمر لا يتحصل إلا باستمرار العمل الدائب والتخطيط المرحلي المتجدد المبدع ، لأن الفروق الموضوعية بين جاهلية الماضي التي واجهتها الدعوة تختلف عن الجاهلية المعاصرة بما تملكه من وسائل وقدرات وأساليب مبتكرة .

        ثالثاً : التجارب

إن الهدي النبوي المسدد بوحي السماء ، والشروط الموضوعية التي تحققت في تنفيذ التغيير والمرحلية الواضحة فيه ، رصيد للدعوة كل زمان ومكان ، يستهدي به العاملون ويضعونه نصب أعينهم في أي عمل من الأعمال التي يقومون بها . كذلك لا يجب الانطلاق من نقطة الصفر عند الشروع بالدعوة ، إنما علينا الاستفادة من تجارب المسلمين كافة وسواهم ، أفراداً وجماعات ، على مدى الزمن وعلى كافة الأصعدة وفي كل الأمكنة ، وكما أننا لا نحبذ التقليد المطلق إلا أننا لا نتخلى عن تجارب المسلمين والآخرين في هذا المضمار بعد أن نقرأها قراءة  واعية ، عميقة ، بالإضافة لما تمدنا به تجربتنا الذاتية في العمل المرحلي ، والتي هي عامل إرفاد مستمر يبلور نظريتنا المرحلية ويزيدها وضوحاً وتحديداً .

مفاهيم لا غنى عنها

ولنا هنا وقفة من أجل توضيح بعض المفاهيم التي لا غنى للعامل في حقل الدعوة عن الوقوف عندها مليّاً وهي :
        أولاً : إن الالتزام بالمرحلية نهج سُنَني يجب أن يأخذ به من أراد التغيير ، وليس شرطاً أن يحقق التغيير في حياة الفرد أو الجماعة التي تصدت لهذه المهمة ، بل ربما تنقضي الأعمار والأجيال دون تحقيق هذه الغاية .

        ثانياً : إرادة الله لا تحدها حدود ، ولا تتقيد بالحسابات الإنسانية ، فقد ينتصر الله لعباده ، ويسهل من تنفيذ المهمة التي يقومون بتحقيقها ، بتوفير عوامل التوفيق والنصر فيها إذا ما توفرت شروط النصر ابتداءً ، مصداقاً لقوله تعالى : " يَأَّيهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوْا إِنَّ تَنْصُرُوْا الْلَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ " محمد : 7  . نعم قد تتوفر الظروف المواتية ، فتتزايد سرعة الخطوات ، فتصبح متلاحقة سريعة الضربات ، ولكنها في كل حال موافقة لسنن التغيير في الأنفس والمجتمعات ، ولكن يجب أن لا تحرق المراحل مهما كانت المغريات والآمال ، حتى نأخذ بالأسباب تنفيذاً لوعد الله تعالى :
" إِنَّ الْلَّهَ لَايُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىَ يُغَيِّرُوْا مَا بِأَنْفُسِهِمْ " الرعد :11 .

ثالثاً : ليس هناك حدود فاصلة بينة المعالم بين مرحلة وأخرى ، في مكان أو آخر ، فقد تتداخل المراحل بعضها ببعض ، وقد تسير مواكبة لبعضها البعض ، وقد تنفّذ مرحلة في مكان وأخرى في مكان آخر ، وقد تتخذ في موقع ما لايتخذ في موقع آخر ، ولكن في كل الأحوال يجب أن تسير القاعدة التي تقوم على التغيير وفق معايير واضحة الخطى ، مدركة لطبيعة المكان والزمان والمرحلة ، حتى تغطي قطاعات المجتمع وساحات أنشطته المختلفة مستوعبة المجالات كلها .

رابعاً : يحلو لكثير من الناس ذكر أرقام معينة يحددون فيها الزمن أو عدد الأشخاص ، أو نسباً معينة سبق وأن أخذ بها في مرحلة تاريخية معينة ، لبدء مرحلة معينة أو لإنهاء أخرى ، أو يجب توفرها ابتداءً لقيام دولة إسلامية أو استئناف الحياة الاسلامية .

ونحن نرى أن كل هذه المعطيات يجب أن تضبطها المعايير المنهجية التي وُضعت أصلاً في سلم أهداف التغيير ، والتي قد تتوفر في مكان دون سواه ، وقد تحققها جماعة دون أخرى ، وقد ينهض بها مجتمع ولا يقدر عليها مجتمع آخر لأسباب موضوعية بحتة ، ويبقى كل هذا رهين الاجتهاد البشري بخطئه وصوابه .

وبعد : فإن التخطيط والمنهجية في رسم مراحل التغيير ، وضبط معايير العمل بمقتضاها ، أمر جلل لا يقدر عليه إلا من سنّ وثابر وشمّر  عن سواعد الجد ، وغار في واقع الناس ومجتمعاتهم ، وخبر البيئة والمؤثرات الفاعلة فيها ، وعرف نشاطات الناس في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، بل والفكرية ومنها التيارات المؤثرة في عقول الأمة وشرائحها ، غير أن الأمر الأهم هو الالتزام الجاد ، والأخذ بقوة بهذه المعايير وعدم الخروج عليها لأي بارق يلوح في الأفق يغري بالنصر العاجل والنجاح السريع .  

إن هذا الموقف هو الركن الركين لسنة  التغيير المرحلي الذي يجب أن لا يتجاوزه الملتزمون به إلا بنفس المعايير التي وضعت أصلاً لتحقيق هذا الهدف ، وتنكبه يعني القضاء الكامل على كافة الجهود الصابرة التي تُبذل في سبيل التغيير نحو الإسلام . قال تعالى : " يَاأَيُّهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوْا اصْبِرُوَا وَصَابِرُوْا وَرَابِطُوْا وَاتَّقُوا الْلَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُوْنَ " آل عمران: 200 .
والله الموفق ، وهو الهادي لسواء السبيل .

رياج ططري   

jueves, 19 de mayo de 2011

التَّيار المُؤيِّد



التَّيار المُؤيِّد

        إذا بدأنا أعمالنا بالاهتمام بتنظيم قاعدة واسعة عريضة من الناس ، تضم ملايين البشر ، فإنها لاشك ستكون عملية مستحيلة ، وقد عرفنا بالتجربة والخبرة والممارسة أن التجميع الكمي الذي يقوم على زيادة العدد فحسب في التنظيم ، لايجدي أبداً .

        ونحن يهمنا أن ننظم أولاً :

        القيادات القادرة على القيام بعملها والنجاح به ، وإعداد الأطر المتخصصة  التي ترفد القيادات وتمنحها قوة نوعية ، بما تملك من نظرة موضوعية علمية للأمور التي تتعرض لها بالدراسة والتحليل. 
        هذه القيادات والأطر هي - برأينا – عناصر القاعدة المؤمنة التي تضحي وتلتزم وتعمل من أجل تحقيق الأهداف الكبرى للإسلام ، تلبية لأمر الله تعالى :

(( ولتكن منكم أمة يدعون الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وأولئك هم المفلحون )) " آل عمران : 104 " .

        إن العملية التنظيمية لابد أن تنجح ، إذا اتخذت الأسباب الكفيلة بنجاحها ، وخاصة لأنها مبنية على أسس سليمة ومجربة مسددة بالوحي ، ولأنه لايمكن أن نقوم كل يوم بتجارب جديدة ، ثم نحكم عليها بالفشل ، - أي العملية التنظيمية – بحاجة في وقتنا الحاضر إلى دفعة قوية لتنجح وتنطلق ، ولابد لنجاحها من خطة عمل واضحة لجميع العاملين المنضوين تحت لوائها ..

        وأمامنا الآن أمور لابد من تحقيقها :

        1ً– العمل الإسلامي المنظم .
        2ً- القيادة الملتزمة .
        3ً-  التيار المؤيد .

        إننا نحتاج إلى العمل الإسلامي المنظم الجاد ، حتى نتحرك ونسير في رسم طريقنا نحو النجاح ، مراعين تجنب الخطأ بكل طاقاتنا ، لأن أي خطأ يحدث ، سوف يستغل من أعداء التنظيم الإسلامي ، وسوف تعمل القوى المعادية للإسلام على تضخيمه وتحويل الناس عنه ، وهذه هي مسؤولية العاملين في الحقل الإسلامي ، وهي مسؤولية ذات طابع فردي وجماعي بآن معاً .

        إن المجتمعات الإسلامية المعاصرة مليئة بالتناقضات ، ولا يمكننا إزالة هذه التناقضات إلا عن طريق توعية الناس ، لكي يدركوا المدارك الحقيقية لعملنا الإسلامي ، وفي هذا السلوك تكمن قدرة القيادات العالية والوسطى الواعية المؤمنة بأهداف الإسلام الكبرى في أن يعرّفوا الناس بالايجابيات التي تسعى لتحقيقها القدوات الإسلامية ، والسلبيات التي تحيق بالمجتمعات المسلمة  .

        إن نجاح العمل الإسلامي في أية مرحلة من مراحله ، وفي أي مستوى من مستوياته ، مرهون بقدرة العناصر القيادية الفاعلة على التأثير في شرائح المجتمع المختلفة ، وتكوين الرأي العام فيها ، أي قدرة القيادة على الولوج إلى قلب المجتمع ، وربط الصلة الحميمة بقواعده المختلفة ، والعمل الدائب في كل جزء من أجزائه لإزالة الانحراف بكل صوره ، وتوجيه الدفة نحو الخير والصلاح ، وهذا الهدف لايتم التوصل إليه ، إلا بالتنظيم الدقيق المتقن ، والسهر المستمر المضني ، حتى يبلغ الأمر تمامه .

        والسؤال الملح الهام ، كيف نوجد العناصر القيادية القادرة في كل مجال وعلى كل صعيد ؟ وكيف نعدها لتكون قدوات صالحة ذات كفاءة عالية ، قادرة على توجيه الناس الوجهة الصحيحة ؟                                                                                                                                                               إننا إذا استطعنا ابتداء توفير العدد الكافي من القيادات في كل قطاعات وشرائح الأمة ، لأمكننا بالتالي ، توجيه الأمة نحو الطريق الصحيح ..غير أن الخطر الذي يداهمنا في تحقيق هذه الغاية ، هو وجود كثير من العناصر التي تتمتع بكفاءة قيادية عالية ، غير أنها انتهازية الطبع ، تحاول الظهور والتسلق على حساب العناصر التقية الصالحة .
        لهذا فنحن أمام مشكلة جد عويصة ، ونجاحنا في حلها مرهون تجاوزنا لعقبات كبيرة على طريق ايجاد القيادات الفاعلة الملتزمة ، وبالتالي على طريق التغيير المنشود .

        إننا بحاجة إلى القدوة المؤمنة المخلصة الواعية القادرة على التنظيم والقيادة، التي تكون بمثابة العصب في الجسم ، ومنها ومن أمثالها تتكون القيادة المؤثرة في جماهير الأمة ، المدركة لحقائق الأحوال والأمور ، والقادرة على ربط الصلة الدائمة بهؤلاء بكل إحساس ومسؤولية  ، وليس شرطاً أن تكون عدد هذه العناصر كبيراً ، فالواقع العملي لايحتاج إلى أعداد ضخمة ، إنما إلى عدد متجانس متفاهم فيما بينه ، لديه من الإمكانات والتخصصات ، ماتحتاج إليه طبيعة المسؤولية الموكولة إليه .

        ولكن كيف نختار ونعد هذه العناصر الرائدة ؟
        وماهي السبيل لاستكشاف هذه القدرات الصالحة ؟
       
        إن أمامنا طريقين :

        الأول : طرق المعرفة الشخصية لهذه الكفاءات .

        والثاني : طريق اكتشافها من خلال الممارسة العملية .

        أما الطريق الأول فيعرّفنا حتماً على عدد من  القيادات ، لكن الأمر يحتاج إلى برهان عملي، أي وضع هذه الكفاءة موضع الممارسة لنرى قدراتها الحقيقية ، ولنلمس أثرها الصحيح في المجتمع ، إذ أن المعرفة الشخصية ليست شرطاً كافياً لإثبات القدرة القيادية عند الفرد ، نظراً لكونها مرتبطة بمعايير فردية قد لاتتوفر فيها الموضوعية المطلوبة .

        وأما الطريق الثاني : فهو الأسرع لتحقيق المراد ، غير أن هذا المطلب يقتضي وجود العمل القائم مسبقاً .  

        إذاً فالمهمة الأساسية أمامنا ، تكمن في أن تبدأ القيادة الموجودة ، مهما كان عددها ، بالسعي والمبادرة لايجاد مجالات للعمل ، وساحات للنشاط وتوفير فرص الاتصال بالناس ، ومن خلال هذه الممارسات تستطيع القيادة القادمة اختيار العناصر التي أثبتت جدارتها في ساحة العمل ، وبرهنت على كفاءتها من  خلاله .

        نأتي بعدها على ذكر شروط لابد من توفرها في العناصر القيادية ، منها مايجب أن يتوفر عند اختيارها ، ومنها مايجب أن تلازم العناصر بصفة دائمة .

        إذ أن اختيار العناصر الصالحة ، منذ البداية ، اختياراً سليماً ، سوف يضمن استمرار نجاح عملية الاختيار بحد ذاتها ، وسوف تؤتي أكلها بتكوين قاعدة صالحة ، فمن كانت بدايته مشرقة كانت نهايته مشرقة على الأغلب .

        وحذار حذار من التهاون وغض البصر عن بعض التصرفات التي تشير إلى شرخ في حياة الداعية في المستقبل ، ومن الخير العميم المبادرة إلى رأب الصدع واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتجنيب العمل المزالق الخطيرة ، وإن كان لابد من البتر ، على الرغم مما يترك هذا البتر من أخطار ظاهرية إلا إنه  أسلم على المدى الطويل وأحفظ لخط الدعوة وأحوط لها من أن تتخبط في متاهات لاتقوم بعدها أبداً .

        وحذار حذار من الاختيار الشكلي والرؤية السطحية التي توحي لنا بأننا نقوم بعملية صحيحة ، فإذا هي عملية جوفاء خالية من المعنى والمضمون كمنسأة سليمان عليه السلام ، وهنا تدخل تصرفات تلبس الأمر على القيادات وتعرقل عملهم ، منها : التنازل لرأي الآخر خشية الصدام معه ، مع عدم الاقتناع بالرأي ، أو تملق بعض العناصر لشخص قيادي ، أو الشعور الزائف بالإنجاز في العمل ، فإذا الأمر لايتعدى كونه ترتيبات إدارية شكلية لاتلج إلى صلب الموضوع ، ولا تحقق من الهدف أي شيء .
        إن النجاح في اختيار العناصر القيادية ، والإصابة باستكشاف وجودها ، والقدرة على إقناعها وتوظيفها لأهداف الإسلام العظيمة ، هو السارية التي يرفع عليها الشراع ، فيجب علينا أن نسير بسرعة ، نحو توفير العدد المناسب من هذه القدوات ، وإذا أخطأنا – وسوف نخطىء – في اختيار بعضها – فيجب ألا يعيقنا هذا الأمر عن المضي قدماً ودون تردد ، وفي نفس الوقت نتدارك الخطأ ونقوم المسيرة .

        وعلى قيادات العمل الإسلامي القائمة الآن ، أن تعمل من خلال الناس ، فكل فرد عامل حينما يمارس عمله من خلال شرائح المجتمع ، سوف يقف حتماً على مايجري في قطاعه عن كثب ويتعرف على تصرف كل شخص من الأشخاص القياديين المختارين ، ويطلع على ماهية طبيعته ونفسيته وسلوكه .

        ومن خلال هذه المعرفة الصميمة ، يستطيع أن يوجه ويدرب وينمي قدرات هؤلاء الدعاة القادة . وبقدر فاعلية هؤلاء وأثرهم ، بقدر ماتزداد قدرتهم على النفوذ في طبقات المجتمع .

        وعندها – فقط – تنمو الصلة بالجماهير المسلمة وتتسع آفاقها ، ومن خلال هذه الممارسة ، أي : بالحضور في ساحات الناس ، وأماكن عملهم ونشاطهم ، يصبح بمقدور القادة التأثير عليهم ، لأنهم يعيشون معهم في سرّائهم وضرّائهم، يحسون بمشكلاتهم ، ويعايشون همومهم  ، يسمعون منهم فيسمع الناس لهم ، ويستجيبون لندائهم . وعندها يتكون التيار المؤيد للإسلام شيئاً فشيئاً ، وهكذا تنتشر الدعوة بين صفوف الناس بهدف إقامة الحياة الإسلامية عند الفرد والأسرة والمجتمع .
          
                                                            رياج ططري

sábado, 14 de mayo de 2011

العُلماء


العُلماء
( عند ابن الجوزي في صيد الخاطر )

في كتابه القيم " صيد الخاطر " (1)   يعرض لنا العلامة أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد الجوزي (2) من علماء القرن السادس الهجري أحوال العلماء الذين هم مظنة الخير والصلاح في أمة الاسلام فيقول :

علماء الدنيا وعلماء الآخرة :

تأملت التحاسد بين العلماء ، فرأيت منشأه من حب الدنيا ، فإن علماء الآخرة يتوادون ولا يتحاسدون ، كما قال عز وجل " ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا (3) " وقال تعالى : " والذين جاءوا من بعدهم يقولون : ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذن سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا (4) " .
        وعلماء الدنيا ينظرون إلى الرياسة فيها ، ويحبون كثرة الجمع والثناء ، وعلماء الآخرة بمعزل من ايثار ذلك ، وقد كانوا يتخوفونه ، ويرحمون من بلي به ، وهو الفارق بين الفئتين (5) .

تفاوت العلماء وأنفعهم :

        ويحكي الشيخ رأيه في العلماء وأصنافهم وتفاوتهم في العلم والعمل فيقول :
( لقيت مشايخ ، أحوالهم مختلفة يتفاوتون في مقاديرهم في العلم . وكان أنفعهم لي في صحبته العامل منهم بعلمه وإن كان غيره أعلم منه) (6) .

أصناف العلماء :

        ويعرض لنا أصنافاً من العلماء تلقى عنهم العلم ، ويبين لنا لماذا تأثر بهم دون سواهم : ( لقيت جماعة من علماء الحديث يحفظون ويعرفون ، ولكنهم كانوا يتسامحون بغيبة يخرجونها مخرج جرح وتعديل ، ويأخذون على قراءة الحديث أجرة ، ويسرعون بالجواب لئلا ينكسر الجاه إن وقع خطأ .

        ولقيت عبد الوهاب الأنماطي فكان على قانون السلف لم يسمع في مجلسه غيبة ، ولا كان يطلب أجراً على سماع الحديث ، وكنت إذا قرأت عليه أحاديث الرقائق بكى واتصل بكاؤه .

        فكان – وأنا صغير السن حينئذ – يعمل بكاؤه في قلبي ، ويبني قواعد الأدب في نفسي ، وكان على سمت المشايخ  الذين سمعنا أوصافهم في النقل .

        ولقيت الشيخ منصور الجواليقي ، فكان كثير الصمت ، شديد التحري فيما يقول ، متقناً محققاً . وربما سئل عن المسألة الظاهرة التي يبادر بجوابها بعض

غلمانه فيتوقف فيها حتى يتقين . وكان كثير الصوم والصمت فانتفعت برؤية هذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما .  ففهمت في هذه الحالة أن الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول . (7)  )
       
وأصناف آخرون

        ثم يذكر الإمام ابن الجوزي أصنافاً آخرين من العلماء اتصفوا بأوصاف تتنافى وطبيعة العلم الذي يحملونه ، ثم يؤكد على أن العلم بالعمل هو الأصل الأكبر فيقول :
        ( ورأيت مشايخ كانت لهم خلوات في انبساط ومزاح ، فراحوا عن القلوب وبدد تفريطهم ماجمعوا من العلم ، فقل الانتفاع بهم في حياتهم ، ونُسوا بعد مماتهم ، فلا يكاد أحد أن يلتفت إلى مصنفاتهم .

        فالله الله في العلم بالعمل فإنه الأصل الأكبر . والمسكين كل المسكين من ضاع عمره في علم لم يعمل به ففاتته لذات الدنيا ، وخيرات الآخرة ، فقدم مفلساً مع قوة الحجة عليه ) .(8)

الغنى عافية للعلماء

        وفي فصل آخر يعالج مسألة من أدق المسائل وأخطرها على العلماء والدعاة ، فيبسط القول فيها ، ويضرب الأمثلة ، حتى لا يدع  إشكالاً يمكن أن يؤدي إلى لبس أو إبهام .

        ويمكن لكل واحد منا أن يتذكر من حياته الخاصة في هذا الزمان – بل وفي كل زمان – بعض الحوادث المشابهة لما يعرضه لنا الإمام العلامة ، في العلاقة بين العلماء والأغنياء ، فيقول :

        ( حضرنا بعض أغذية أرباب الأموال ، فرأيت العلماء أذل الناس عندهم ، فالعلماء يتواضعون لهم ويذلون لموضع طمعهم فيهم ، وهم لايحتفلون بهم لما يعلمونه من احتياجهم إليهم .

        فرأيت هذا عيباً في الفريقين :
        أما أهل الدنيا فوجه العتب أنهم كانوا ينبغي لهم تعظيم العلم ، ولكن لجهلهم بقدره فاتهم وآثروا عليه كسب الأموال .

        فلا ينبغي أن يطلب منهم تعظيم ما لا يعرفون ولا يعلمون قدره . وإنما أعود باللوم على العلماء وأقول : ينبغي لكم أن تصونوا أنفسكم التي شرفت بالعلم عن الذل للأنذال ) (9) .
       
عفة العالم من تمام دينه

        ويبين رحمه الله دواء هذا الحال بقوله :
        ( ودواؤه من جهتين :

        إحداهما: القناعة باليسير . كما قيل : من رضي بالخل والبقل لم يستعبد أحد .
         والثاني : صرف بعض الزمان المصروف في خدمة العلم إلى كسب الدنيا . فإنه يكون سبباً لإعزاز العلم ، وذلك أفضل من صرف جميع الزمان في طلب العلم ، مع احتمال هذا الذل .
        ومن تأمل ما تأملته وكانت له أنفة قدَّر قوته ، واحتفظ بما معه ، أو سعى في مكتسب يكفيه .ومن لم يأنف من مثل هذه الأشياء لم يحظ من العلم إلا بصورته دون معناه )(10) .
       
علماء الســــوء

        ويحمل ابن الجوزي بشدة على علماء السوء الذين انشغلوا بالشكل عن الجوهر والتفتوا إلى الصورة دون استيعاب المقصو فيقول : ( رأيت أكثر العلماء مشتغلين بصورة العلم دون فهم حقيقته ومقصوده . فالقارئ مشغول بالروايات ، عاكف على الشواذ ، يرى أن المقصود نفس التلاوة ، ولا يتلمح عظمة المتكلم ، ولا زجر القرآن ووعده .
        وربما ظن أن حفظ القرآن يدفع عنه ، فتراه يترخص في الذنوب ، ولو فهم لعلم أن الحجة عليه أقوى ممن لم يقرأ .

        والمحدث يجمع الطرق ، ويحفظ الأسانيد ، ولا يتأمل مقصود المنقول ، ويرى أنه قد حفظ على الناس الأحاديث ، فهو يرجو بذلك السلامة . وربما ترخص في الخطايا ظناً منه أن ما فعل في خدمة الشريعة يدفع عنه .

        والفقيه قد وقع له أن بما عرف من الجدال الذي يقوى به خصومه ، أو المسائل التي يفتي بها الناس مايرفع قدره ، ويمحو ذنوبه .

        فربما هجم على الخطايا ظناً منه أن ذلك يدفع عنه . وربما لم يحفظ القرآن ولم يعرف الحديث ، ولم يدْر أنهما ينهيان عن الفواحش بزجر ورفق .
        وينضاف إليه مع الجهل بهما حب الرياسة ، وايثار الغلبة في الجدل ، فتزيد قسوة قلبه .
        وعلى هذا أكثر الناس ، صور العلم عندهم صناعة ، فهي تكسبهم الكبر والحماقة ) (11) .  
        وهذه صور سادت في مجتمع ابن الجوزي من قرون عديدة خلت وفي عصرنا هذا ما تضيق الصفحات الطويلة على وصفه وذكر وقائعه ، واللبيب قادر على تفهم مراد الشيخ وإدراك مقصده .

علماء الســـلف

        ثم يثني في موضع آخر على علماء السلف ، بما خلّفوه من تصانيف غنية هي حصيلة أعمارهم ، فجاء بعدهم خلف أضاعوها وفرطوا بها ، واستغنوا عنها بالمختصرات والمخلصات فحرموا أنفسهم ومن بعدهم من خير كثير وذلك لقصور همتهم ولضعف نشاطهم .

        يقول الشيخ :
        ( كانت همم القدماء من العلماء علية ، تدل عليها تصانيفهم التي هي زبدة أعمارهم .
        إلا أن أكثر تصانيفهم دثرت ، لأن همم الطلاب ضعفت ، فصاروا يطلبون المختصرات ، ولا ينشطون للمطولات ، ثم اقتصروا على مايدرسون    من بعضها ، فدثرت الكتب ولم تنسخ .
        فسبيل طالب الكمال في طلب العلم ، الاطلاع على الكتب التي تخلفت من المصنفات ، فليكثر من المطالعة فإنه يرى من علوم القوم وعلو هممهم ما يشحذ خاطره ويحرك عزيمته للجد ، وما يخلو كتاب من فائدة .
        وأعوذ بالله من سير هؤلاء الذين نعاشرهم ، لا ترى فيهم ذا همة عالية فيقتدي بها المبتدي ، ولا صاحب ورع فيستفيد منه الزاهد . ) (12).
       
نصيحة للعلماء

        وفي الختام يتوجه العالم الجليل بنصيحة يقرع بها آذان الذين ينصبون أنفسهم للناس بما لديهم من علم ، وهم في الحقيقة يتباهون ويمارون به السفهاء ، فيقول :
        ( ياقوم قد علمتم: أن الأعمال بالنيات ، وقد فهمتم قوله تعالى : " ألا لله الدين الخالص " (13)          وقد سمعتم عن السلف أنهم كانوا لا يعملون ولا يقولون حتى تتقدم النية وتصح .

        أيذهب زمانكم يافقهاء في الجدل والصياح ؟
        وترتفع أصواتكم عند اجتماع العوام تقصدون المغالبة ؟ أوما سمعتم " من طلب العلم ليباهي به العلماء ، أو ليماري به السفهاء ، أو ليصرف به وجوه الناس إليه ، لم يرح رائحة الجنة " (14) .
        ثم يقدم أحدكم على الفتوى وليس من أهلها ، وقد كان السلف يتدافعونها .
        أفيقوا من سكركم ، وتوبوا من زللكم ، واستقيموا على الجادة " أن تقول نفسٌ ياحسرتى على مافرّطت في جنب الله "(15). ) (16) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحواشــي :
(1) صيد الخاطر – للإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن محمد الجوزي ، طبعة/ دار الكتب العلمية – بيروت لبنان / بدون تاريخ .
(2) ابن الجوزي : هو عبد الرحمن بن محمد الجوزي القرشي البغدادي ، أبو الفرج ، علامة عصره في التاريخ والحديث ولد سنة ( 508 هـ = 1114 م ) في بغداد وفيها توفي سنة (597 هـ = 1201 م ) وترك نحو ثلاثمائة مصنف .
(3) سورة الحشر آية 9 .
(4) سورة الحشر آية 10 .
(5) صيد الخاطر ص 17 .
(6)-(7)-(8)- (9)- (10)- (11)- (12)-   نفس المصدر ص/ 143-144-144-209-211-436-440 .
(13) سورة الزمر آية 3 .
(14) ورد الحديث في الترغيب والترهيب للمنذري بالنص التالي : ( عن كعب بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من طلب العلم ليجاري به العلماء ، أو ليماري به السفهاء ، ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار ) رواه الترمذي ، واللفظ له ، وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وغيره ، والحاكم شاهداً والبيهقي ، وقال الترمذي ، حديث غريب ، كما روى ابن ماجه وابن حيان والبيهقي روايات قريبة للحديث السابق - .
(15) سورة الزمر آية 56 .
(16) صيد الخاطر ص 4
رياج ططــــري 

jueves, 5 de mayo de 2011

هَزّة لابُدّ مِنْها


                                                                                     

" الهزة " حركة غير طبيعية تؤثر على الفرد  وعلى الجماعات ، فعلى مستوى الفرد تؤثر الهزة على مصالحه وأمنه وتحدث تغييراً في مجرى حياته سلباً أو ايجاباً ، وكذلك على مستوى الجماعة والمجتمع تؤثر الهزة فتحدث فيها انقلاباً قد يؤدي إلى تبديل في طبيعة الجماعة أو أهدافها ، وقد تسبب هجرات وتغير نظاماً أو ترفع ظلماً أو تزيد منه .

وقد تكون الأسباب والعوامل التي تسبب الهزات ، اقتصادية أو سياسية أو فكرية ، وقد يكون منشؤها من صلب المجتمع أو خارجة عنه . ويمكن أن تكون في نطاق ضيق وفي منطقة محددة أو تشمل شعوباً وأمماً وتعم الدنيا كلها .ومن الهزات مايؤثر تأثيراً يغير مجرى حياة الفرد والجماعة بكاملها .

إذا نظرنا إلى طبيعة التأثيرات التي تحدثها الهزات في الأمم نراها تؤثر في استقرار الأمة المرفهة المستقرة فتعيث فيها الخراب وتحدث الانقسامات وتضيع هيبتها أمام العالم .

أما إذا كانت الأمة متخلفة فإنها تزيد من انحطاطها وركودها وإذا ماأحدثت فيها تغييراً ايجابياً فإنه يكون بطيء الخطى مثقل الحركة لايساعد على قومة الأمة واستيقاظها .

وأما واقع الأمم المغلوبة على أمرها والتي تملك رصيداً من الثقافة والحضارة والطموحات فإنه لاشك يكون للهزات فيها تأثير اجتماعي وحضاري بصورة ايجابية تدفعها نحو الاستيقاظ والنهضة .

فكيف إذا كان الأمر يتعلق بأمة ذات رسالة حية إلهية كالأمة الاسلامية لديها من القوة الذاتية والحضارة الخالدة والثروات الطائلة والمناخ المتنوع والوحدة الجغرافية المتكاملة الممتدة عبر القارات ، والقدرات المتعددة التي تجعلها تتبوأ مكانة عالية بين الأمم ؟!

إن هذه الحالة حالة فريدة ، لمواصفات أمة تستحق الريادة والسيادة ولكنها تعيش حالة من الانبهار والبحث عن الذات ، وهي تتحرك باحثة على غير هدى من جراء الضربات المتلاحقة التي تصيب أجزاءها في خضم التلاطم العالمي في المصالح والأفكار والمبادئ ، ولذلك فإن الأمة الاسلامية تعيش منفعلة بالأحداث غير فاعلة فيها ، تنتظر من يملي عليها ما يجب أن تفعله !! .

هذه الأمة تتحرك باحثة عن الأمل وتتعلق بكل من يظهر بمظهر الإخلاص والجد لمقاومة الاستعمار بأنواعه كلها ، وتلتف حول من يقاوم الطغاة بالقلب واللسان واليد حسب المكان والزمان .

ومن استقرائنا للتاريخ نجد بأن الحركات المناهضة للاستعمار على مدى القرن الجاري كان منبعها ومحركها ودافعها الأول والوحيد هو هذه الذخيرة الحية من الايمان ، وهذا النتاج الحضاري المتراكم على مدى القرون .. هذا هو الذي أنقذ الأمة وما زال منقذها تلتف حوله الجماهير المسلمة وتتفاعل معه بكل اندفاع وإخلاص .

إن ماحدث في الخليج أصاب أعماق أعماق كل فرد من أفراد أمتنا الإسلامية من الفليبين إلى المغرب ، ومن قازاخستان إلى جنوب أفريقيا .. أصاب المجتمع بكل فئاته وتنظيماته بهزة في نظرته للأمور كلها إلى من حوله من قريب وبعيد ، وإلى أفكار من حوله وعلاقات من حوله .

إنها هزة عنيفة ستؤثر – بعون الله – على أمتنا ومشكلات أمتنا وستزيد من وعيها وإدراكها للأمور بل ستوقظها بعنف من سباتها العميق .. لأنها استيقنت بأن أمرها بيدها هي ، وليس بيد أحد سواها ، وبأن حريتها المسلوبة يجب أن تسترجعها بادئ ذي بدء بكل وسيلة لكي تملك زمام أمورها وبحق وعندها تراجع حصيلتها وتستقيم على الهدى .

هناك حقيقة لابد من ذكرها ، وهي أن هذه الهزة عرت كل شيء ووضعته واضحاً جلياً كفلق الصبح أمام أعين الناس ، فأيقظت روح النهضة والاستبسال وبدأت الأمة تتحسس من خلال ذلك التحدي الحضاري المصيري الموكول أمره إلى سواعد أبنائها .

 ورب ضارة نافعة ، وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ، ولعل جهود الطلائع الاسلامية في كل مكان التي تبذل لتوعية الأمة وايقافها على الحقيقة بصبر وتخطيط وحماس كانت تحتاج إلى من يحدث وعياً تلقائياً يهز جميع أفراد الأمة وعندها تلتقي الجهود وتلتحم الإمكانات وتسير كلها كتيار جارف يعيد للأمة أمجادها ويؤهلها مرة أخرى لقيادة البشرية ( واللهُ غالبٌ على أمرِه ولكنَّ أكثرَ الناسِ لايعلمون ) .

  رياج ططري