jueves, 26 de mayo de 2011

المرحلية

  المرحلية : من سنن التغيير في المنهج الاسلامي 
                                                                                                                                 
انطلقت الدعوة الاسلامية منذ ولادتها وفق عمل مرحلي انسجاماً مع سنة الله تبارك وتعالى في تغيير الأنفس والمجتمعات والأمم ، وكل عمل يُراد له النجاح ، عليه متابعة السير على هذه الخطى ، سنة من سبقنا من السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم جميعاً .

والمرحلية في عملنا ودعوتنا شرط موضوعي تفرضه :

أولاً : ضخامة الغاية والأهداف التي رسمناها بداية لجهادنا .
ثانياً : تواضع إمكاناتنا المادية والبشرية التي بحوزتنا والتي نستطيع التحكم بها وتوظيفها للمهمة التي نتصدى لها .
ثالثاً : كون هدفنا تغييرياً ، والتغيير لايمكن تحقيقه في الناس دون الصبر والتمرس في الدعوة والسير خطوة خطوة .
رابعاً : كون المرحلية  سنة من سنن الله تعالى في الكون والمجتمع .

المرحلية في القرآن الكريم

إن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ست مراحل ، ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِيْ سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُّغُوْبٍ ) ق:38. وخلق الله الإنسان في عدة مراحل ، ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِّنَ طِيْنٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِيْ قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا الْنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامَا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمَا ثُمَّ أَنَشَأْنَاهُ خَلْقَاً آَخَرَ فَتَبَارَكَ الْلَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِيْنَ ) المؤمنون 12 – 14، وقال تعالى ( مَالَكُمْ لَاتَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارَا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارا ) نوح: 14 . ونرى في خلق الكائنات الحية أنها خلقت أطوارا ، وأودع الله في جميع مخلوقاته خاصية النمو المرحلي التدريجي كما نلاحظه في كل ما يحيط بنا .

مقدمات ضرورية

ونلاحظ كذلك في سنته تعالى في تغيير المجتمع وتحوله من وضع إلى آخر – سواءً كان التحول جزئياً أم كلياً – أن هذا التحول يتم على مراحل ، فالتحول يتم بجهود

بشرية تقوم به فئة من المجتمع آمنت به ووجدت ضرورة تنفيذه في حياة الناس ، ولهذا الأمر علته :

        أولاً : ضرورة القيام بالبناء الذاتي لأفراد القاعدة  الصلبة ، واستكمال العدة اللازمة ، كحد أدنى من مقومات الجماعة التي ستحدث التغيير .

        ثانياً : إن استعداد المجتمع – أي مجتمع – للتغيير بصورة مفاجئة أمر صعب المنال ، بل ربما يسبب مضاعفات تتناقض مع المراد تحقيقه إذا ما حدث فجأة ، فيؤخر التغيير أو يجعله بعيد المنال .

        ثالثاً : إن التغيير لا يحدث عادة باتجاه واحد ، حيث لا  يجد المغير في الوسط الذي يعمل فيه مقاومة ولا عداوة ، بل يقدر ما يريد أن يفعل بالاتجاه المعاكس لما عليه الناس ، يقدر ما يجد من عقبات في طريقه ، مما يستلزم زيادة طاقة الفاعلية والاستمرار بها والإصرار عليها .


 وبالتالي فإن المرحلية في التحول ، تختلف باختلاف الشروط الموضوعية الموجودة في المجتمع وفي الأمة ، وتختلف باختلاف القدرة الذاتية للقاعدة الراسخة التي تتولى التغيير ، وكذلك طبيعة الأهداف المرسومة والتي يُعمل على تحقيقها ، وأمر هام : حجم المعارضة التي تقف في طريقها ، والعقبات التي تضعها أمام القاعدة المؤمنة ، وكذلك لاننسى عامل الزمن ، لأن المرحلة الزمنية التي يمر بها المجتمع ، لها أثر حاسم في عملية التغيير ، وكذلك على الفئة المغيرة .

المرحلية في حياة الأنبياء

في عملية استقراء سريعة لحياة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً ، نرى بوضوح بروز المرحلية في عملهم لتغيير مجتمعاتهم التي أرسلوا إليها بالإسلام ، الدين الخالص ، وقد طبّق خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم المرحلية في دعوته المباركة وأخذت معالمها مراحل ثلاثة بارزة :
       
المرحلة الأولى : وكانت مرحلة سرية دامت فترة قصيرة ، صاحبها تنزيل قصار السور لترسيخ جذور الايمان بالله واليوم الآخر ، ولبناء القاعدة المؤمنة من الذين تغيروا بالإسلام ليكونوا ركائز الدعوة ، ركائز التغيير في المجتمع ، وكانت هذه المرحلة سرية الطابع موجهة لمن يُتوسم فيهم الخير ، ودامت ثلاث سنوات .

المرحلة الثانية : وهي مرحلة الجهر بالدعوة والبدء بالصراع في البُنيات الفكرية والعقيدية والسياسية والإجتماعية ، وكان صراعاً عنيفاً استمر سنوات عشر ، وفي هذه المرحلة أبلت الجماعة المؤمنة بلاء حسناً .. وصبرت على الأذى وهي تفعل في المجتمع وتؤثر في أفراده وتبني قواعدها داخله وخارجه 

المرحلة الثالثة : وهي مرحلة الحسم والامتلاك زمام الأمور ، وإقامة الحكم الإسلامي بقيام الدولة الإسلامية في مجتمع المدينة المنورة ، وبداية المواجهة الكاملة مع أعداء الله ، وتوسيع رقعة الدولة في المناطق المحيطة بها ، واستتباب الأمر للمسلمين ، ودامت هذه المرحلة عشر سنوات .

العوامل الموجبة للمرحلية

على الرغم من اقتناعنا التام بأن المرحلية سنّة من سنن الله تعالى في تغيير الأنفس والمجتمعات ، هنالك عوامل موضوعية ننطلق منها في دعوتنا وهي :

        أولاً : هدي الإسلام .

        والمقصود بذلك أن الإسلام يعتمد الإقناع طريقاً للايمان ، دون إكراه ولا إرهاب ، مع وجود الثقة الكاملة بأن الإسلام دين الفطرة البشرية السليمة يتجاوب مع الطبيعة السوية عند الناس ويلبي حاجاتهم الاجتماعية ، وأمر آخر هو أن الإسلام يرفض " الوصولية " ويعتبر الوسيلة من جنس الغاية ، ولذلك لا يمكن اعتماد أسلوب " الغاية تبرر الواسطة " . كل هذه المقدمات تدلل على ضرورة وجود مرحلة زمنية كافية يستغرقها العمل في إقناع عدد من الأفراد ليكونوا في زمرة القاعدة الصلبة التي تقوم بالتغيير ، ويقوم على أكتافها إقناع الأمة بذلك .

         ثانياً : واقعنا المعاصر .

        إن واقعنا المعاصر بتعقيده الكبير ، وبتدخل الآلة العسكرية والإدارية للدولة في مختلف مناحي الحياة في المجتمع ، وكذا العقبات الموضوعية التي يضعها أعداء
التغيير نحو الإسلام ، وتخطيطهم الدائب لهذا الأمر ، يوجب على الدعاة إعداد قدرات رفيعة المستوى في كل مجال ، وهذا الأمر لا يتحصل إلا باستمرار العمل الدائب والتخطيط المرحلي المتجدد المبدع ، لأن الفروق الموضوعية بين جاهلية الماضي التي واجهتها الدعوة تختلف عن الجاهلية المعاصرة بما تملكه من وسائل وقدرات وأساليب مبتكرة .

        ثالثاً : التجارب

إن الهدي النبوي المسدد بوحي السماء ، والشروط الموضوعية التي تحققت في تنفيذ التغيير والمرحلية الواضحة فيه ، رصيد للدعوة كل زمان ومكان ، يستهدي به العاملون ويضعونه نصب أعينهم في أي عمل من الأعمال التي يقومون بها . كذلك لا يجب الانطلاق من نقطة الصفر عند الشروع بالدعوة ، إنما علينا الاستفادة من تجارب المسلمين كافة وسواهم ، أفراداً وجماعات ، على مدى الزمن وعلى كافة الأصعدة وفي كل الأمكنة ، وكما أننا لا نحبذ التقليد المطلق إلا أننا لا نتخلى عن تجارب المسلمين والآخرين في هذا المضمار بعد أن نقرأها قراءة  واعية ، عميقة ، بالإضافة لما تمدنا به تجربتنا الذاتية في العمل المرحلي ، والتي هي عامل إرفاد مستمر يبلور نظريتنا المرحلية ويزيدها وضوحاً وتحديداً .

مفاهيم لا غنى عنها

ولنا هنا وقفة من أجل توضيح بعض المفاهيم التي لا غنى للعامل في حقل الدعوة عن الوقوف عندها مليّاً وهي :
        أولاً : إن الالتزام بالمرحلية نهج سُنَني يجب أن يأخذ به من أراد التغيير ، وليس شرطاً أن يحقق التغيير في حياة الفرد أو الجماعة التي تصدت لهذه المهمة ، بل ربما تنقضي الأعمار والأجيال دون تحقيق هذه الغاية .

        ثانياً : إرادة الله لا تحدها حدود ، ولا تتقيد بالحسابات الإنسانية ، فقد ينتصر الله لعباده ، ويسهل من تنفيذ المهمة التي يقومون بتحقيقها ، بتوفير عوامل التوفيق والنصر فيها إذا ما توفرت شروط النصر ابتداءً ، مصداقاً لقوله تعالى : " يَأَّيهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوْا إِنَّ تَنْصُرُوْا الْلَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ " محمد : 7  . نعم قد تتوفر الظروف المواتية ، فتتزايد سرعة الخطوات ، فتصبح متلاحقة سريعة الضربات ، ولكنها في كل حال موافقة لسنن التغيير في الأنفس والمجتمعات ، ولكن يجب أن لا تحرق المراحل مهما كانت المغريات والآمال ، حتى نأخذ بالأسباب تنفيذاً لوعد الله تعالى :
" إِنَّ الْلَّهَ لَايُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىَ يُغَيِّرُوْا مَا بِأَنْفُسِهِمْ " الرعد :11 .

ثالثاً : ليس هناك حدود فاصلة بينة المعالم بين مرحلة وأخرى ، في مكان أو آخر ، فقد تتداخل المراحل بعضها ببعض ، وقد تسير مواكبة لبعضها البعض ، وقد تنفّذ مرحلة في مكان وأخرى في مكان آخر ، وقد تتخذ في موقع ما لايتخذ في موقع آخر ، ولكن في كل الأحوال يجب أن تسير القاعدة التي تقوم على التغيير وفق معايير واضحة الخطى ، مدركة لطبيعة المكان والزمان والمرحلة ، حتى تغطي قطاعات المجتمع وساحات أنشطته المختلفة مستوعبة المجالات كلها .

رابعاً : يحلو لكثير من الناس ذكر أرقام معينة يحددون فيها الزمن أو عدد الأشخاص ، أو نسباً معينة سبق وأن أخذ بها في مرحلة تاريخية معينة ، لبدء مرحلة معينة أو لإنهاء أخرى ، أو يجب توفرها ابتداءً لقيام دولة إسلامية أو استئناف الحياة الاسلامية .

ونحن نرى أن كل هذه المعطيات يجب أن تضبطها المعايير المنهجية التي وُضعت أصلاً في سلم أهداف التغيير ، والتي قد تتوفر في مكان دون سواه ، وقد تحققها جماعة دون أخرى ، وقد ينهض بها مجتمع ولا يقدر عليها مجتمع آخر لأسباب موضوعية بحتة ، ويبقى كل هذا رهين الاجتهاد البشري بخطئه وصوابه .

وبعد : فإن التخطيط والمنهجية في رسم مراحل التغيير ، وضبط معايير العمل بمقتضاها ، أمر جلل لا يقدر عليه إلا من سنّ وثابر وشمّر  عن سواعد الجد ، وغار في واقع الناس ومجتمعاتهم ، وخبر البيئة والمؤثرات الفاعلة فيها ، وعرف نشاطات الناس في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، بل والفكرية ومنها التيارات المؤثرة في عقول الأمة وشرائحها ، غير أن الأمر الأهم هو الالتزام الجاد ، والأخذ بقوة بهذه المعايير وعدم الخروج عليها لأي بارق يلوح في الأفق يغري بالنصر العاجل والنجاح السريع .  

إن هذا الموقف هو الركن الركين لسنة  التغيير المرحلي الذي يجب أن لا يتجاوزه الملتزمون به إلا بنفس المعايير التي وضعت أصلاً لتحقيق هذا الهدف ، وتنكبه يعني القضاء الكامل على كافة الجهود الصابرة التي تُبذل في سبيل التغيير نحو الإسلام . قال تعالى : " يَاأَيُّهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوْا اصْبِرُوَا وَصَابِرُوْا وَرَابِطُوْا وَاتَّقُوا الْلَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُوْنَ " آل عمران: 200 .
والله الموفق ، وهو الهادي لسواء السبيل .

رياج ططري   

No hay comentarios:

Publicar un comentario