domingo, 29 de mayo de 2011

جمع الطاقات

جمع الطاقات والاستفادة منها
                                                                                                                              
قال عمرو بن العاص : ( قَدِمت من جيش ذات السلاسل فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على قوم فيهم أبو بكر وعمر إلا لمنزلة لي عنده ، فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت : يارسول الله ، أي الناس أحب إليك ؟ فقال : عائشة ، فقلت : إني لست أعني النساء إنما أعني الرجال . فقال : أبوها ، فقلت : ثم من ؟ قال : عمربن الخطاب ، فعدَّ رجالاً فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم ، وقلت في نفسي : لا أعود أسأل عن هذا (1) .

يقول الأستاذ صالح الشامي صاحب " من معين السيرة " في جملة الفوائد التي يستنتجها من هذه القصة ومما يعنينا في هذا الموضوع : " في الحديث لفتة إلى سلوكه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه جميعاً ، فلكل واحد منهم مكانته في نفس النبي الكريم يسأل عن الصغير والكبير ، وبهذا يشعر كل منهم وكأنه الصاحب المقرَّب له صلى الله عليه وسلم ، وهذا ما دفع عَمّراً  أن يسأل ، إن الخُلق العظيم الذي كان عليه النبي الكريم كان يسع جميع الناس " (2) .

هذا الخُلق العظيم الذي وسع الناس جميعاً حتى غدا كل واحد من أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم يظن بأنه المُقَرَّب له ، هو الذي يحتاجه المسلم الداعية الذي يتصدى للدعوة إلى الله تعالى ، وبه يستطيع أن يجمع الطاقات الكثيرة المبعثرة ويوظفها في المواقع المناسبة لها والتي يحسن أصحابها القيام بها .

إنه لمن النافع أن نبين دون لبس أو إبهام أننا بحاجة لكل مسلم ، وأننا نريد كل طاقة متوفرة ، لأن نجاح دعوتنا مرهون بقدرتنا على التحلي بخُلق تجميع الطاقات وتوظيفها في مكانها المناسب ..

وهذا الأمر يتطلب منا :
- التعايش مع الناس وفهم قضاياهم التي تشغل بالهم ، ومشاركتهم آلامهم وآمالهم وتحويل ذلك كله بأسلوب منهجي مدروس باتجاه الدعوة والعمل الاسلامي ، ووضع أهداف قريبة لهم وأهداف تربطهم مستقبلياً بالإسلام ودعوته على المدى البعيد .

- توثيق الصلة بالذين استجابوا لداعي الخير ، وتوحيد تصوراتهم وتكثيف الاتصال بهم لكي نقتصر الطريق والزمن ، ثم العمل على ترتيب لقاء منتظم لهم بمواعيد محددة وبرامج واضحة المعالم ، { كان صلى الله عليه وسلم قد جعل من المسلمين أُسَراً ، فكان يجمع الرجل والرجلين إذا أسلما عند رجل به قوة وسعة من المال ، فيكونان معه ويصيبان من فضل طعامه ، ويجعل منهم حلقات فمن حفظ شيئاً من القرآن علّم من لم يحفظ فيكون من هذه الجماعات أُسَر أُخُوة ، وحلقات تعليم .

وكان ممن أسلم أخت عمر بن الخطاب فاطمة وزوجها سعيد بن زيد ( وكان زيد ابن عم عمر ) فكانا في أسرة واحدة مع نُعَيم بن عبد الله النحام من بني عدي ) أسرة عمر(  وكان معهم خباب بن الأرثّ (3) .

- ثم فلتحاول كل مجموعة أن تقوم بإنجاز فكرة معينة بصورة عملية لكي تبدأ عملية الإنتاج وتصبح بذلك نواة فاعلة لها شخصيتها المحددة ، فنستطيع بعدها مع مثيلاتها ايجاد حركة فاعلة في المجتمع بأسلوب مؤثر جذّاب ، أساسه العمل المُنتج البنّاء وهدفه توطيد أركان الدعوة إلى الله .

- وليس من المفيد أن نعتقد بأن الطريق خالية من العوائق والعلائق والمثبطات ، بل  يجب أن نأخذ للأمر عدته ، ونحصن أنفسنا ومَن معنا من كل معوقات المسير ، فمن الناس من يسعى لمصلحة ذاتية ، أو وجاهة شخصية أو دينية أو سياسية ، وسيقف معارضاً لك ولطريقك .. ( إِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِيْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيْمٌ ) (4)  .

- إن الانفتاح على الناس والعمل في صفوفهم ، وقبول العون منهم هو نهجنا لدعم دعوتنا وتزويدنا بالطاقات الجديدة الشابّة المتفتّحة المقبلة على الحياة ، المتطلعة للمستقبل بعين الرضا والتفاؤل .

والانغلاق ليس من طبيعة إسلامنا ، بل سبيلنا هو أن يلتف المسلمون جميعاً حول دعوتهم ، فإذا تحقق هذا الأمر ، وبُذِل في سبيله الغالي والنفيس ، جاء نصر الله الموعود ( يَاأَيُّهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوْا إِنَّ تَنْصُرُوْا الْلَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) (5) .


(1)  قال : الزرقاني : أخرجه الشيخان والترمزي والنسائي وغيرهم ، دخل حديث بعضهم في بعض . شرح المواهب 2/1279 هـ وهو عند البخاري في المغازي / ذات السلاسل ، وعند مسلم في فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
(2) ص 382 " من معين السيرة " صالح أحمد الشامي / الطبعة الأولى 1984 المكتب الإسلامي – بيروت .
(3) ص 15 من ( أخبار عمر وأخبار عبد الله بن عمر ) للمؤلفين : علي وناجي الطنطاوي / الطبعة الثامنة 1983 – المكتب الاسلامي – بيروت .
(4) سورة فصلت : الآية / 34 .
(5) سورة محمد : الآية / 7 .

رياج ططري   

No hay comentarios:

Publicar un comentario