viernes, 3 de junio de 2011

التــنــظــيــم الإســــــــلامـي

 التــنــظــيــم الإســــــــلامـي
فوائده ومشروعيته
                                                                                                                                                                                                                   
يطلق على الجهد المبذول لدعوة الناس إلى الإسلام ، والالتزام بتعاليمه والعمل بمقتضى شرعه في الحياة الخاصة للأفراد والجماعات على حد سواء اسم " الدعوة إلى الله " ، كما يطلق على مجموع التنظيمات المختلفة سواء كانت حركات أو جماعات أو جمعيات أو أحزاب أو هيئات أو حتى مؤسسات وأفراد اسم " العمل الإسلامي " . والذي يقرأ كلام الله تعالى يستلهم من الآيات الكريمة في سورتي النحل والنمل معان كثيرة ، تدعو وتحث على التنظيم والعمل الجماعي المرتب :

1- قال الله تعالى : (وَأَوْحَىَ رَبُّكَ إِلَىَ الْنَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِيْ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوْتا وَمِنَ الْشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِّيَّ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُوْنِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَ فِيْهِ شِفَاءً لِلْنَّاسِ إِنَّ فِيْ ذَلِكَ لَآَيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُوْنَ) ( النحل : 68-69 ) .

2- ويقول عز وجل : (حَتَّىَ إِذَا أَتَوْا عَلَىَ وَادِ الْنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا الْنَّمْلُ ادْخُلُوْا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُوْدُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُوْنَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكا مِّنَ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيْ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِيْ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىَ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِيْ بِرَحْمَتِكَ فِيْ عِبَادِكَ الْصَّالِحِيْنَ) ( النمل: 18-19 ) .

ويتساءل قارئ هذه الآيات الكريمة عن علة اختيار السياق القرآني لهذه الكائنات الضعيفة من مخلوقات الله لضربها مثلاً .
وبقليل من التأمل والتفكير ، والنظر في حياة النمل ، يجدها مثال التنظيم ومنتهى ما يبتغي الإنسان في حياته الاجتماعية والجماعية من صور فيها التخصص والتنوع ، فيها الحماية وتوزع المسؤوليات ، وفيها تعدد الوظائف وتنوعها . أما حياة النمل فهي مثال التخطيط والتعاون ، والتناصر والحماية .. إنها أمم أمثالنا نحن بني الإنسان ، فهل نتفكر في هذه الكائنات الضعيفة التي ضربها الله لنا مثلاً في حياتنا الدعوية والتنظيمية ؟ .

إذا كانت الدعوة إلى الله واجباً على كل مسلم ، كل بقدر استطاعته ، فإن العمل الإسلامي المنظم ضرورة لتحقيق هذا الهدف ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وسواءً كان المسمى عاماً أو خاصاً ، فإنما يهمنا المحتوى بمعنى تنظيم العمل في سبيل الإسلام والدعوة إليه ، لذلك فعلينا أن نستعرض :

أولاً : مشروعية العمل الإسلامي المنظم .
ثانياً : فائدة العمل الإسلامي المنظم .

أما مشروعية التنظيم في العمل الإسلامي ، فإنها تكمن في أسلوب الدعوة إلى الإسلام ، فكل طريق يمكن بواسطته ايصال الإسلام إلى أكبر عدد من الناس ، نربيهم عليه ، تربية مركزة تدفعهم إلى القيام بما فرضه الله عليهم ، يجب علينا سلوكه لتحقيق هذا المقصد .

وبما أن الشرع الإسلامي لم يحدد لنا ، بل ولم يأمرنا باتباع أسلوب أو طريقة محددة في الدعوة والتبليغ والتغيير بها ، جاز لنا شرعاً ، اتخاذ أية طريقة نافعة في نشر الإسلام ومفاهيمه وقيمه ، وتغيير المجتمع بها ، شريطة البعد عن المحرمات الشرعية .

وأية حرمة شرعية في أن تتجمع فئة التي تدعو إلى الخير ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر في جماعة أو هيئة . أو حزب أو جهاز ، وتكون كياناً موحداً منظماً فعالاً ومنتجاً في طريق الدعوة إلى الله تعالى .

إن تجميع الجهود من أجل الإسلام ، وتنسيقها بحكمة ، واختيار الطريقة الفضلى لتنظيمها ، ليس مجرد أمر مباح وجائز فحسب ، بل هو واجب ما دام يتوقف عليه تغيير المجتمع وتعبيده لله عز وجلّ ومجابهة الكفر المنظم تنظيماً دقيقاً .

أما فائدة العمل الإسلامي المنظم فنراها ماثلة أمامنا للعيان ، فقد أثبتت التجربة البشرية نجاح هذا الأسلوب ، بل واعتبرته مختلف الجهات الاجتماعية والتربيوية بل والاقتصادية الأسلوب الأنجع في تغيير المجتمعات باتجاه الخير أو الشر على حد سواء .

على أن هناك فروقاً جذرية بين التنظيم الإسلامي وغيره من التنظيمات ، وذلك نابع من طبيعة الاختلاف بين الإسلام والمبادئ الأخرى جوهرياً .

إن الصلة الروحية القائمة على أساس ايماني بين المسلمين ، التي تغشى تنظيمهم ، تختلف أصلاً وفرعاً عن التنظيمات الأخرى ، لأن غاية المسلمين مرضاة الله يعملون من أجل نوالها ، بينما يعمل غيرهم لمرضاة الناس . والمسلمون يحتسبون جزاءهم من الله تعالى ، بينما يطمع الآخرون بجزائهم من البشر .

وخاصية أخرى : في التنظيمات القائمة على الأفكار البشرية تتسلسل فيها الأفضلية حسب الرتبة في التنظيم وتصدر الأوامر فيها حسب الرتبة أيضاً .
أما الأفضلية في التنظيم الإسلامي فهي الأفضلية عند الله تعالى ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) فلا يستطيع ذو رتبة أعلى في التنظيم أن يعتقد في نفسه أنه أفضل عند الله ممن هو أقل منه رتبة .

إن التنظيم الإسلامي هو : تجمع العاملين للإسلام في جماعة منظمة تعمل بتعاليم الإسلام وتجتهد جهدها في سبيل نشره والدعوة إليه بفعالية مؤثرة على المجتمع ، ضمن خطوط فكرية عقيدية وعملية واضحة توصلهم إلى الهدف المنشود ، هو نفس العملية التي قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الإسلام وإقامة دولته فوق الأرض .

ومسوغات التنظيم تقوم على مقدمات أساسية :

        أولاها : وجوب العمل لتطبيق الإسلام ، وهي مقدمة متحققة في مجموع التكاليف والأحكام التي أنزلها الله تعالى في كتابه الكريم ، ونفذها عملياً المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه من الرعيل الأول ، لكي يتمثلها المسلمون في حياتهم ، ودليله العقلي قائم منطقاً ، وإن القرآن الكريم صرح بذلك نصاً : ( شَرَعَ لَكُمْ مِّنَ الْدِّيْنِ مَا وَصَّىَ بِهِ نُوْحا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيْمَ وَمُوَسَى وَعِيْسَىْ أَنْ أَقِيْمُوْا الْدِّيْنَ وَ لَا تَتَفَرَّقُوٓا فِيْهِ ... ) الشورى: 12 .

وإن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وجهاده المتواصل في سبيل تحقيق الإسلام في مناحي الحياة المختلفة دليل كاف على ذلك .
       
        الثانية : عدم اختصاص هذا الوجوب بزمان أو مكان ، وهذه محققة أيضاً بالنص القرآني الكريم : ( هُوَ الَّذِيْ بَعَثَ فِيْ الْأُمِّيِّينَ رَسُوْلاً مِّنْهُمْ يَتْلُوْ عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيْهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوْا مِنْ قَبْلُ لَفِيْ ضَلَالٍ مُّبِيْنٍ * وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوْا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيْزُ الْحَكِيْمُ ) الجمعة :( 2-3 ) .
ومعنى ذلك بأن وجوب الدعوة يعم الزمان فليس هناك تحديد له ، ويعم المكان فلا تخصيص لمكان دون سواه ، وهذا الأمر نافذ إلى يوم القيامة .

        الثالثة : إن وجوب تطبيق الإسلام أصلاً متوقف على مجتمع ودولة لإقامة أحكام لا تمس الناحية الشخصية فحسب ، وإنما تشمل أحكام الإسلام وتنفيذ تعاليمه ، لأن هذه أحكام المجتمع والدولة ، ولا تقوم هذه الأحكام إلا بمؤسسات وأجهزة ةإدارة تنظم وتنسق لكي يسود الأمن والعدل بين الناس .

        الرابعة : أن يكون التظيم الإسلامي واجباٌ أو مقدمة مفوتة لواجبات تكليفية ، فالعالم الفقيه الذي يرى حرمة الخروج عن الجماعة وإن قلّت ، يقول بوجوب التنظيم . والذي لا يرى دلالة هذه الأدلة على الوجوب ، فيقول : بأن التنظيم مقدمة لتطبيق أحكام الإسلام فهو واجب .

أي إذا انحصر تطبيق الإسلام به ، فهو فرض عين ، وإن لم ينحصر به فهو فرض كفاية .
يقول ابن تيمية رحمه الله : " وكل ما أحبه الله  ورسوله من واجب ومستحب ، من باطن وظاهر ، فمن الدعوة إلى الله : الأمر به . وكل ما أبغضه الله ورسوله ، من باطن وظاهر ، فمن الدعوة إلى الله : النهي عنه . لا تتم الدعوة إلى الله إلا بالدعوة إلى أن يفعل ما أحبه الله ويترك ما أبغضه الله ، سواءً كان من الأقوال أو الأعمال الباطنة أو الظاهرة " ( مجموع الفتاوى 15/164 ) .


ثم يقول في شرعية العمل الجماعي : " وأما لفظ الزعيم " فإنه مثل لفظ الكفيل والقبيل والضّمين ، قال تعالى (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيْرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيْمٌ ) ( يوسف : 72) ، فمن تكفل بأمر طائفة فإنه  يقال : هو زعيم . فإن كان قد تكفل بخير كان محموداً على ذلك ، وإن كان شراً كان مذموماً على ذلك .

وأما " رأس الحزب " فإنه رأس الطائفة التي تتحزب ، أي تصير حزباً ، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون ، لهم ما لهم ، وعليهم ما عليهم ، وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا ، مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم ، سواءً كان على الحق والباطل ، فهذا من التفرق الذي ذمّه الله تعالى ورسوله ، فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف ، ونهيا عن التفرقة والاختلاف وأمرا بالتعاون على البر والتقوى ، ونهيا على التعاون على الإثم والعدوان " ( مجموع الفتاوى 11/92 ) .


 رياج ططري  

No hay comentarios:

Publicar un comentario