martes, 17 de abril de 2012

الجَــمــاعَــة

الجَــمــاعَــة


قال له صاحبه وهو يحاوره ، لقد مضى على أمتنا الإسلامية حينٌ من الدهر ، مُشتتة القوى ، خائرة العزيمة ، فقد تدنى مستوى الأخلاق بين أبنائها .. وترك علماؤها الجهاد .. وآثر حكامها سلامتهم الشخصية ، وسلامة مناصبهم على مصالح أمتهم ومجدها وعزّها .

لقد ترك  الناس شرع الله .. والتجؤوا لشرع البشر .. فكانت ردة عظيمة لم تسبقها ردة .. ردة ولا أبا بكر لها ..

أجاب : أي أخي .. لا يعرف مبدأ من المبادئ ، ولا تدرك حقيقة من الحقائق ، ولا يتميز أسلوب من الأساليب الحياتية .. إلا بالممارسة الفعلية . إذ أن الكتب والمجلات .. محشوة بالكثير الغزير من العقائد والمذاهب والنظريات وما إليها وما شاكلها .

ولكن الذي يتميز منها بالقدرة على الخروج إلى حيّز الواقع ، هو ذلك المبدأ أو تلك العقيدة التي تحيا في صدور رعيل من الناس يعتقدون بها جازمين ، ويلتزمون بأوامرها جادين ، وأما ما سواها فإن رحى الزمن تدور عليها وتطحنها حتى لا تبقي لها ذِكرا ، ولا تترك لها أثراً يُقتفى .

وقد أنعم الله على الإنسانية برسالات الأنبياء ... مناهج إصلاح ومنارات ضياء .. هدت البشرية على مر العصور وتقادم الأزمان .

ومَنَّ الله سبحانه وتعالى على الأمة الإسلامية بأن خصّها بالمنهج الختامي ، وبالعقيدة النقية ، والشريعة الكاملة .. التي ستبقى – بإرادته تعالى – إلى أن يرث الله الأرض وما عليها .

ومن الخصائص التي تتمتع بها العقيدة الإسلامية كَوْنها لا تقوم إلا بِحَمَلَةٍ لمبادئها .. إلا بجماعة تتبناها تَبنياً كلياً .. وتعيش وفقها فكراً وعملاً .. وهذه الجماعة التي ندعو إليها ليست تكتلاً حزبياً ، ولا فرقة إرهابية ، ولا طبقة عمالية ، ولا تجمعاً يستأثر بالخير لنفسه دون باقي الناس .

إن الجماعة الإسلامية .. هي الجماعة الإنسانية قاطبة .. لا يُستثنى منها امرؤ ، ولا يُبعد عنها إنسان طالما تمسك بمبدئها .. واعتقد بعقيدتها والتزم بمنهجها .. فهل هذا عمل مُنافٍ للحق ؟ لا بل إنه الحق بعينه .

إذ ليس من المعقول أبداً  .. أن يترك ركاب سفينة فرداً منهم يعبث بها كيف يشاء .. مما قد يؤدي لغرقهم أجمعين .. إذا أتى بفعل يُفضي لتخريبها ، وهذا طبعاً على الرغم من ادعائه بأنه لا يفعل فِعلته المنكرة إلا في حصته التي يملكها .. وفي هذا المجال يقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المُرتدّ عن الإسلام وتعليله لحكم قتلهم : " إننا لَن نَسْمح لِغيرنا أن يُقَوِّضَ بِناءً أشَدْناه " .

إننا عندما ندعو إلى الجماعة الإسلامية ، ندعو إليها ، كعمل مُنظم هادِف ، يقوم على الخير كل الخير .. والمنفعة كل المنفعة .. لكل البشر على حَدٍّ سواء .

ونحن بدعوتنا هذه لا نبتدع ، ولا نأتِ بجديد .. فصاحب الفكر الثاقب ، والعقل الحصيف ، والبصيرة النافذة .. لا يتردد مطلقاً .. إذا وعى وَعْياً تاماً مبادئَ الإسلام وتصوره الكلي للأمور.. في الانخراط في البناء الإسلامي ، بل ودعوة الآخرين إليه .

إننا نَتَبَجّح كل يوم ، بل وكل ساعة ، بأن العدو يَتَغَلبّ علينا بحسن تنظيمه ، وبكفاءته المتنوعة والمتعددة ، التي يضعها في مكانها المناسب .. ويُسلمها لأهلها دون سواهم .. بينما نحن على النقيض من ذلك .

لذا فإن مجتمع الإسلام لا يقوم إلا بالجماعة الرائدة ، الجماعة التي وصفها الله سبحانه وتعالى بقوله : " كُنتُم خَيرَ أمَّةٍ أُخْرِجَت لِلناسِ تأْمرونَ بالمعروفِ وتنهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنونَ باللهِ " .

وهذه الجماعة هي التي تتحلى بالأخلاق الفاضلة الكاملة ، التي تتعامل بها فيما بينها .. وتُعامل بها الآخرين أيضاً .. إذ أنّ هذه الأخلاق ليست للتصدير فحسب .. بل للإستهلاك أولاً .. ومتى امتزجت الروح بها.. يصبح من المحال أن يأتي المرء بالفعل وضده .. أو أن يخلط عملاً صالحاً بآخرَ سيئاً .

هذه الجماعة الإسلامية هي التي تكرم الإنسان .. لأن الله تعالى خَصّهُ بهذا الفضل ، فإذا ما خرجَ عن إنسانيته .. خلع بيده احترام المسلمين له وهذا الأمر لا يأتي عَبثاً ، فالمرء المخلص للإسلام .. لا يرجو للآخرين إلا الخير ، ولا يسعى إلا في سبيل إنفاذه .. وهو حريص أكبر الحرص على أخيه المسلم أن يقع في غائلة أو يشرد في متاهة .

ورضي الله عن سيدنا عمر بن الخطاب حين قال : " لأن أستنقذ رجلاً من المسلمين من أيدي الكفار .. أحَبُّ مِنْ جزيرةِ العَرَب " .

هذا هو الفهم  الصحيح للإسلام ، العقيدة السماوية ، التي ليس لنا أن نحيد قيد أنملة عن صراطها المستقيم ، وهذه هي مفاهيم الجماعة الإسلامية المتماسكة .. التي بتماسكها تقوم العدالة ، وتسود الرحمة ، وتسمو النفوس ، وتركن إلى بارئها بطمأنينة رائعة .. وحلاوة ليس بعدها حلاوة ..

وهذا ليس بالكلام الجميل الخلاب ، الذي يستحيل تطبيقه .. لا بل ظهر صورة حَيّة عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم ومَن معه من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعاً .. وكانت موضع الرضا الرَبّاني ، والاستحسان الإلهي حيث وصفها جَلّ شأنه في مُحكم التنزيل :
" مُحَمَّدٌ رسولُ اللهِ ، والّذينَ مَعَهُ ، أشِدّاءُ على الكُفّارِ رُحَماءُ بينَهُم " . 

لقد خَصّ الله سبحانه  وتعالى ، الأمة الإسلامية بكل هذا الفضل العظيم ، حين وهبها أفضلَ منهج وأخلده وارتضاه لها ..
" اَلْيَوْمَ أكْمَلتُ لَكُم دينكُم ، وأَتْمَمْتُ عَليْكُم نِعمتي ، وَرضيتُ لَكُم الإسلامَ ديناً "
وأنعم جلّ شأنه بالنور علينا ، حين أفاضه في الكتاب الحكيم .. مرشداً إلى ذاته السنية " اللهً  نورُ السَّمواتِ والأرض " .

هذا هو نور الله ، نور الإسلام .. وَحَرامٌ .. أن يُطْفِئَ الإنسان النور الذي أُضيءَ من أجله ، لكي يسير بعد ذلك تائهاً حائر اللبّ .. مُشتّت الفؤاد ، يعمه في ظلماتٍ ما بعدها ظلمات، ويَتيه في غياهب من الجهالة والضياع .. فيصبح ممن قال الله فيهم :
" مَثَلُهُم كَمَثَلِ الّذي استَوْقدَ ناراً ، فَلمّا أضاءَتْ ما حَوْلَهُ ، ذَهَبَ اللهُ بِنورهِم وتَرَكَهُم في ظُلُماتٍ لا يُبْصِرون ، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعونَ " .


                                                              رياج ططري

No hay comentarios:

Publicar un comentario