sábado, 26 de febrero de 2011

التطور القانوني للحرية الدينية في إسبانيا-1

1 ـ  الإعتراف بالإسلام   :

         إن توقيع اتفاق التعاون بين الدولة الإسبانية والهيئة الإسلامية في إسبانيا له معان عديدة أهمها أنه جاء في عام فريد هو عام 1992 .. وهو يعني مرور خمسة قرون على انتهاء الحكم  الإسلامي في إسبانيا .
        
         هذا العام يعيد إلى ذاكرتنا نظامين قانونين مختلفين حكما حياة المسلمين في إسبانيا :
        
أولهما  :   أثناء الوجود الإسلامي  في أطواره المختلفة ودوله المتعددة , والذي انتهى العمل به  عند سقوط مملكة بني الأحمر في غرناطة عام 1942 م .

وأما الثاني : فهو النظام القانوني لحياة المسلمين الذي نجم عن الاتفاق بين آخر ملوك غرناطة والملوك الكاثوليك , والمتعلق بالمسلمين الذين بقوا في الأندلس تحت الحكم الكاثوليكي , هذا النظام الذي لم يطبق أبداً , أثار من المشكلات مايصعب حصره في الماضي ومازال المؤرخون يتناولونه بالتفصيل والبحث والدراسة في وقتنا الحالي .

وهذا النظام , الذي كان يجب أن يتمتع به المسلمون خلال قرنين من الزمان , انتهى بإبعادهم أو قتلهم أو تشريدهم , وقد حدث هذا رسمياً عند طرد من تبقى من المسلمين ( الموريسكيين ) في عام 1906 م .

إن الاتفاق المبرم في 28/4/1992 بين الحكومة الإسبانية والهيئة الإسلامية في إسبانيا , والذي وقع من قبل خوان كارلوس الأول ملك إسبانيا في 10/11/1992 , ونشر في الجريدة الرسمية للدولة في 12/11/1992 , يحدد نظاماً قانونياً جديداً للمسلمين في إسبانيا , ويفتح الطريق نحو التعددية الدينية المفتقدة في هذه البلاد منذ زوال الحكم الإسلامي , أي منذ خمسة قرون .

وفعلاً وقبل أيام من نشر قانون التعاون , ألقى الملك الإسباني في " المدينة الزاهرة " في حفل تذكاري خاص باختتام عام " الأندلس 1992 " خطاباً دافع فيه عن المشروع الحضاري المتعدد الوجوه لإسبانيا الإسبانية قال فيه :

( الأندلس هو اليوم بالإضافة للماضي يعني بالنسبة لنا مواطنونا المسلمون الذين يشكلون جزءاً من مشروع حياة يتمتعون بالحرية والاحترام لمعتقداتهم كباقي المواطنين في بلد ديمقراطي , أولئك الذين يحظون بإعجاب ملكهم لما يبذلونه من تضحية في دعم الجهد المشترك والتضامني ) .


التطور القانوني المعاصر  : لم يكن للمسلمين ولا لسواهم باستثناء الكاثوليك , تنظيم ديني معين , وذلك حتى صدور القانون الأول رقم 44 / تاريخ 28/6/1967 , في عهد الجنرال فرانكو وكان قاصراً على السماح بتشكيل الجمعيات الدينية غير الكاثوليكية وتسجيلها في سجل خاص أنشئ لهذا الغرض .

وحتى هذا التاريخ ماكان للمسلمين سوى مراكز ثقافية ذات طابع وطني أجنبي , تحمل عناوين طلابية أو عمالية وغير واضحة المعالم الدينية الإسبانية .

وقد سجلت الجمعيات الأولى بمقتضيات هذا القانون , فكانت جمعيتنا سبته ومليلة , المدينتان الخاضعتان للحكم  الإسباني في شمال المغرب , ذات الطابع المحلي في عام 1968 و 1971 على التوالي , بينما كانت " الجمعية الإسبانية في إسبانيا " الجمعية الإسلامية الأولى التي سجلت في شبه الجزيرة الايبيرية بطابع يشمل كافة الأراضي الإسبانية والتي مقرها الرئيسي في مدريد عام 1971 .

وحتى نهاية السبعينات لم تظهر في سجل وزارة العدل للهيئات الدينية أية جمعية ديمية جديدة , ولكن عند توقيع اتفاق التعاون , وصل عدد الجمعيات الإسلامية المسجلة في سجل الهيئات الدينية في وزارة العدل إلى أربعين جمعية منتشرة في كافة التراب الإسباني .

تعيش إسبانيا منذ وفاة الجنرال فرانكو وتسلم الملك خوان كارلوس لزمام السلطة عهداً جديداً يقوم على سوقة بإصدار الدستور في عام 1978 , الذي يكفل في المادة 16 منه " الحرية الدينية والتعبدية للأفراد والجماعات " .

وفي عام 1975 وتطويراً للأمر الدستوري المتوقع , شكلت لجنة خاصة لإعداد مشروع قانوني عضوي للحرية الدينية , وبالفعل تألفت اللجنة من ممثلين من مختلف الأديان الموجودة في إسبانيا , وعن طريق ممثلي الجمعية الإسلامية في إسبانيا , حصلت اللجنة على أجوبة الأسئلة والقضايا التي عرضت عليها عند صياغة مواد مشروع القانون المذكور .

وفي 24/7/1980 , نشر القانون في الجريدة الرسمية برقم 7/1980 تاريخ 5 تموز / يوليو باسم القانون العضوي للحرية الدينية , وبذلك نسخ قانون 44/1967 ـ 28 حزيران / يونيو , وكافة الأحكام والمراسيم التي تعارض القانون الجديد .

وبمقتضى المادة الثامنة من قانون الحرية الدينية , التي تنص على إنشاء لجنة استشارية للحرية الدينية , ذات طبيعة دائمة تابعة لوزارة العدل الإسبانية , فقد تأسست هذه اللجنة , وتشكلت من ثلاث فئات فئة للمثلين الدينيين وفئة للخبراء وفئة للوزارات المعنية , وكان كرسي التمثيل الإسلامي من نصيب " الجمعية الإسلامية في إسبانيا " .

الوجود الواضح للإسلام في إسبانيا :

من بين صلاحيات اللجنة الاستشارية للحرية الدينية الهامة , دراسة وتقديم التقارير والمقترحات المتعلقة بكافة المسائل ذات الصلة بقانون الحرية الدينية , وبصفة واضحة وجلية , إعداد وإقرار واتفاقات ومعاهدات التعاون التي تشير إليها المادة السابقة من القانون والتي تقول في الفقرة الأولى منه بأن :


         " الدولة , واضعة في الاعتبار , المعتقدات الدينية الموجودة في المجتمع الإسباني , ستقيم ـ في حينه ـ اتفاقات ومعاهدات للتعاون مع الكنائس , والمعتقدات , والجماعات الدينية المنسبة للسجل الخاص , والتي نظراً لسعة انتشارها وعدد معتنقيها يكون لها وجود واضح في إسبانيا ! . "


         وقد وجدت الجمعية الإسلامية في إسبانيا ضرورة التفاوض مع الدولة الإسبانية للحصول على الحقوق المنصوص عليها في قانون الحرية الدينية , عن طريق توقيع اتفاق تعاون , ولذلك فقد خطت خطوة لم يمكن تجاوزها , ألا وهي إعلان ( الإسلام في إسبانيا ديناً يحظى بالوجود الواضح فيها ) .

         هذا السبب دفع القائمين على إدارة الجمعية لتقديم طلب رسمي لإدارة الشؤون الدينية في 20 نيسان / أبريل 1989 مبينة فيه الأسباب الآتية : ـ

         ( إن الدين الإسلامي هو من المعتقدات الروحانية التي كونت الشخصية التاريخية الإسبانية , فثقافتنا وقيمنا لاتنفصل عن الأصول الدينية التي حرثت الجوهر العميق للشعب والكائن الإسباني .

         إن الدين الإسلامي , لسعة انتشاره وعدد معتنقيه , أصبح في الوقت الحالي الوجود الواضح في إسبانيا , بإسم الجمعية الإسلامية في إسبانيا , مع مراعاة المنصوص عليه في المادة 16 الفقرة الثالثة من دستورنا , والمادة السابقة من القانون العضوي رقم 7/80 الصادر في الخامس من تموز / يوليو المتعلق بالحرية الدينية , لذلك ولفعاليات إقامة اتفاقيات أو معاهدات للتعاون , حسب المنصوص عليه في نظامنا القانوني النافذ .

         فإننا نطلب : أنه بعد اتخاذ الاجراءات المناسبة , إعلان الدين الإسلامي في إسبانيا , ديناً واضح الوجود في المجتمع الإسباني كمعتقد ديني . ) .

         وبنفس الوقت الذي تقدمت فيه الجمعية بالكتاب الرسمي للإدارة الدينية , توجهت إلى كافة الهيئات والمنظمات الإسلامية  العاملة  في إسبانيا , لدعم طلبها وذلك عن طريق وسائل الاتصال الاجتماعية وخاصة وكالة الأنباء شبه الرسمية " إيفي " .

         وبعد اتخاذ الاجراءات المناسبة , اجتمعت اللجنة الاستشارية للحرية الدينية في 14 تموز / يوليو 1989 بغرض دراسة جدول أعمالها المكّون من بند واحد فحسب وهو :
( مناقشة وإقرار إعلان الإسلام ديناً واضح الوجود في إسبانيا  ) 

         وبالفعل وبعد مناقشة البحث وبعد مناقشة البحث المقدم عن الوجود الواضح للدين الإسلامي في إسبانيا الذي أعده  كل من  آنا فيرنانديث غونثالث  و ديونيسيو ياماثاؤيث فيرنانديث , توصلا للنتائج التالية :

         " من الواجب القول بأن الدين الإسلامي موجود في إسبانيا منذ القرن الثامن , وانتشر بصورة كبيرة خلال القرون الأولى لوجوده , ومازال بصورة مستمرة بشكل أكبر أو أصغر حسب الفترات الزمنية , والأحوال التاريخية التي أبقت على وجوده بدون انقطاع حتى أيامنا هذه .

         وتجدر الإشارة إلى أن الجمعيات الإسلامية تنتشر في أجزاء كبيرة من التراب الإسباني , وخاصة في الثلث الجنوبي من شبه الجزيرة الايبيرية , كما يوجد ـ حسب رأينا ـ وعي بالوجود الإسلامي من قبل نسبة كبيرة من المواطنين الإسبان , ويعلمون بأن الدين الإسلامي هو واحد من المعتقدات الدينية الروحانية التي تجذّرت تاريخياً في إسبانيا , والتي بقيت حتى وقتنا الحاضر .

     إن أي فرد إسباني متوسط الثقافة , يدرك بسهولة وجود الدين الإسلامي في إسبانيا " .
إن المعطيات السابقة الذكر كافية , بل وتفي بالشروط المطلوبة في المادة السابقة والفقرة الأولى من قانون الحرية الدينية .
ولكن واضعي البحث يضيعون عوامل أخرى تؤيد فكرة زيادة معتنقي الإسلام في إسبانيا , وبالتالي اتساع انتشاره في الأراضي الإسبانية, مما سيؤدي بالضرورة لاستقراره في المستقبل القريب :

1 ـ لاشك ـ من وجهة نظر موضوعية ـ بأنه يجب الاعتراف في الوقت الحاضر بأهمية الدين الإسلامي في العالم , وحركته التوسعية التي تزداد خاصة في الأعوام الأخيرة.

إن عدد المسلمين في أيامنا هذه يزيد على 900 مليون مسلم يتوزعون بنسب تقل أو تكثر في جميع أنحاء العالم . فالأمر يتعلق إذاً بدين ـ ليس فحسب من الأديان الأكثر قدماً ـ بل أيضاً يتمتع باستقرار مبرهن عليه وكفالة للاستمرار والانتشار الهام في المستقبل .

2 ـ القرب الجغرافي لإسبانيا من الأرض المركزية  للبلدان الإسلامية , ووجود الأراضي الإسبانية في شمال أفريقيا , بالإضافة لنظام العلاقات الحالي القائم في إسبانيا بين الدولة والأديان , والموجه وفق مبادئ الحرية الدينية , والمساواة الدينية , ولائكية الدولة , كل ذلك يوفر جواً لصالح نمو دين متجذر منذ القديم في هذا البلد .

3 ـ وختاماً فإن الهجرة الآتية من البلدان الإسلامية , وخصوصاً من شمال القارة الأفريقية  إلى إسبانيا , يفترض أن تزيد من عدد المسلمين في المستقبل . " .

وبعد دراسة ومناقشة البحث المقدم , أعلنت اللجنة الاستشارية للحرية الدينية بإجماع أعضائها : ( الإسلام ديناً واضح الوجود في إسبانيا  ) .
رياج ططــــري

No hay comentarios:

Publicar un comentario