jueves, 24 de febrero de 2011

المسلمون والاستيطان



توطئة :
         وطن : الوطن : المنزل تقيم به وهو موطن الإنسان ومحله ، والجمع أوطان .
         وَطَنَ : بالمكان وأوطن : أقام ، وأوطنه : اتخذه وطناً .
         يقال : أوطن فلان أرض كذا وكذا ، أي اتخذها محلاً ومسكناً يقيم فيه .
         وأوطنت الأرض ووطَّنْتها توطيناً واستوطنها أي اتخذتها وطناً ، ومنها الاتِّطان .
         أما المَوَاطِن : فكل مقام قام به الإنسان لأمر فهو موطن له .
هذا ما جاء في لسان العرب مما يهمنا من مادة ( وطن ) . ولا يحتاج الأمر إلى مزيد من الإيضاح فيما يتعلق بمفهوم الاستيطان ، وبمقدورنا هنا ، تبيان ما يأتي :
- لقد جاء إلى الغرب ( أوروبا خاصة ) عدد لا يستهان به من المسلمين من بلدان متعددة ، لأهداف متنوعة ، منها التحصيل الدراسي ، ومنها كسب العيش، ومنها الهروب من الظلم وطلباً للحرية والأمن .

وما لبثت هذه الأعداد أن ازدادت ، فأصبح الأفراد أسراً ، والأسر غدت جماعات كبيرة ، تشغل أحياءً بكاملها في عواصم وبعض مدن عدد من الدول الأوروبية .
ومع هذه الحركة البشرية المتنامية ، طُرحت أفكار وتصورات ، وعُرضت برامج ومشاريع ، واكبت تطور ونمو الجماعة الإسلامية .

منها ما طرح أمر العودة إلى بلد المنشأ فور قضاء الأمر الذي جاء من أجله ، ومنها ما رغب بالبقاء والاستقرار معللاً دعوته بالعديد من الحجج والبراهين . وكثيرون هم الذين وقفوا موقف الصامت المتفرج ، بينما يمر الزمن ويكبر النشء ويترعرع في هذه البلاد متشبعاً بعاداتها وطباعها ، بل ويندمج في مجتمعاتها شيئاً فشيئاً .
واعتقادنا أن أمر استيطان المسلمين واستقرارهم في هذه البلاد ، ما عاد أمراً يحتمل المناقشة والجدل ، إنما غدا موضوعاً يتطلب الدراسة والبحث بقصد التوجيه والإصلاح والتقويم .

قضية اصطلاحية :
كثيرة هي النعوت التي أطلقت وتطلق حالياً على الوجود الإسلامي في الغرب ؛ كالجالية والأقلية والمهاجرين ( من أفريقيا الشمالية ، ومن جنوب الصحراء الأفريقية ، ومن الشرق الأوسط ) وكذا قولهم الجالية التركية والباكستانية أو العربية .. إلخ .

ونحب أن نشير أننا إذا أردنا أن نخرج من إشكالية النعوت والأوصاف فعلينا أن نتبنى اسم ( الجماعة الإسلامية ) على المسلمين قاطبة ، في أي مكان وجدوا ، فنقول : الجماعة الإسلامية في اسبانيا ، أو ألمانيا ، أو أوروبا .. ونتخلى عن التسميات الأخرى التي هي بحد ذاتها أوصاف مرحلية أو شكلية .

والحقيقة أن الجماعة الإسلامية هي أقلية في فرنسا واسبانيا وسواها من الدول الأوروبية ، ولكنها ليست كذلك في ألبانيا والبوسنة .

وهي مهاجرة في أغلبيتها أي جالية ، ولكن منها من هو من أهل البلاد أو ممن ولد فيها فأصبح من أهلها بالولادة والنشأة .. إلى آخر هذه الأمور .

وتسميتنا للمسلمين بالجماعة الإسلامية ، تمنح الوجود الإسلامي الطابع المستقر الجاد والمقبول من المؤسسات القائمة على المستوى الإقليمي أو القاري والذي سيترك ظلاله الهادئة على المجتمع ككل ، عملياً وقانونياً .

من مظاهر الاستقرار :
قامت العديد من المؤسسات الإسلامية ، كالمساجد والمراكز والجمعيات والمدارس ، بل فُتحت المتاجر والمطاعم والنوادي الاجتماعية ، وما ذلك إلا الدليل العملي على الاستقرار الذي نحا نحوه المسلمون ، وهو مؤشر على رغبتهم في الاستيطان في هذه البلاد .

بل إن اتخاذ الإجراءات التي تؤكد ذلك بإقامة المؤسسات التي تلبي حاجات الجماعة الإسلامية وتحفظ عليها هويتها الدينية ، وتحميها من الذوبان في المجتمع الذي تحيا فيه .. وهي ردة فعل تصدر عن الجميع بوعي أحياناً ، وبدونه أحياناً كثيرة .

على أن أهم عامل ساعد على الاستيطان هو المرأة المسلمة وتشكيل الأسرة ، واستقدام اليد العاملة للتطوير الصناعي والبناء .. ثم محاولة إيقافها وإغراء المهاجرين بالمال لكي يعودوا إلى بلادهم ، ورفض هؤلاء لهذه العروض .

على إثر هذه المواقف ، طرحت مفهومات المواطنة والجنسية . أي أن الفرد المسلم يصبح مواطناً كسائر أفراد المجتمع الذي يعيش فيه بل ويحمل جنسية البلاد ، وينطبق عليه ما ينطبق على سائر المواطنين من حقوق وواجبات .

وكانت ردود الفعل متفاوتة ومتباينة من هذه الطروحات فظهرت الفتاوى التي تحرم الجنسية بحجة أنها تذيب المسلمين في المجتمعات الغربية ، وتؤدي إلى تخلي الفرد عن عقيدته ودينه شيئاً فشيئاً ، وكان دليل هؤلاء انسلاخ الكثيرين من أبناء المسلمين عن دينهم وتقليدهم لعادات وطبائع المجتمع الغالب .
ومنهم من رأى أن « الجنسية والمواطنة » هي الوسيلة الوحيدة التي تضمن حقوق المسلمين وتجذير الإسلام في هذه البلاد ، والابتعاد عن العزلة بل والدعوة إلى الإسلام والتعريف به وسط المجتمعات التي يحيون فيها .

صدى ذلك في المجتمع الغربي :

جاءت ردة فعل المجتمع الغربي لاستيطان المسلمين حسب فئاته وأيديولوجياته الفكرية المختلفة ، رافضة أو قابلة أو مذبذبة المواقف حسب ما يملي عليها موقفها السياسي .

- الموقف الديني المتعصب : وهو يرفض الوجود الإسلامي بحجة عدم اندماج المسلمين في المجتمع ، ويقصد بذلك عدم ذوبانهم وتخليهم عن دينهم .. فهو يرفض تمسكهم بدينهم واكتسابهم لعناصر من أهل البلاد دخلوا في الإسلام وأصبحوا من المدافعين المتحمسين له .

- الموقف اللائكي : وهو رافض أيضاً ، أحياناً بحدة كما هو الموقف في فرنسا ، وتصرفاته متشنجة من المظاهر الدينية الإسلامية كحجاب المرأة المسلمة . وأحياناً أخرى يحاول الوقوف إلى جانب المسلمين ودعمهم ليعبر عن حياده من الدين وأتباعه .

- الموقف المؤيد : هو موقف في أغلبه يعبر عنه عناصر ذات فكر مستنير متفتح ، ولكنها - أي هذه العناصر - ليست في موقع التأثير واتخاذ القرار . بالإضافة لبعض الأحزاب السياسية اليسارية التي تؤيد الأقليات بصورة عامة ، وفي كثير من الأحيان يكون موقفها ليس من قناعة منهجية ، ولكنه رفض لهيمنة الكنيسة والأحزاب المؤيدة لها .

المراجعة والتقويم :
والأمر أولاً وآخراً ، يعتمد على قدرتنا نحن المسلمين على القيام بدور فعال مخطط ومنهجي في:

1- المراجعة:
-لإلغاء العصبيات المختلفة ودعم الإمكانات لتأخذ دورها الإيجابي في البناء .
- لإقصاء الدوران حول الذات ، وبث روح التعاون والتعاضد بين كافة شرائح الجماعة المسلمة.
-العمل على إنشاء البنية التحتية الكبيرة الجامعة ، مع تنمية روح العمل من القواعد بهمة ونشاط ، بحيث تعزز بشكل دائم ومستمر القيادات والقدرات والكفاءات البشرية والمادية التي تحمل المهام وتسير فيها قدماً نحو الأمام .
2- ولا يكون هذا ممكناً إلا بالتقويم الدائم المستمر لسائر أعمالنا ومخططاتنا ومناهجنا ، طارحين هذه الأسئلة وأمثالها :
- ما الذي نحن بحاجة إليه حقاً ؟
- ما هي الأهداف القريبة والبعيدة التي نريدها ؟
- ما هي الوسائل المتوفرة لدينا وكيف ننميها ؟
- ما هي الرسالة التي نحملها والخطاب الذي نطرحه ؟ ..

الاستيطان والوضع الحالي :

إن الأقليات الإسلامية في البلاد الغربية ، أوروبا وأمريكا واستراليا ، تجربة جديدة لا تتجاوز العقود الثلاثة ، وهي تختلف عن الأقليات الكبيرة الموجودة في بلاد عدد سكانها كبير جداً كالهند والصين ، والتي أفرزت دولاً إسلامية كبيرة كالباكستان وبنغلاديش .
إن هذه الأقليات بمجملها أقليات متجانسة من أهل البلاد لم تنزح من بلاد إلى أخرى كما هو الحال في أوروبا مثلاً ، بل تميزت عن بقية أفراد مجتمعها باعتناق أهلها للإسلام ، فأصبحت أقلية دينية تتكلم نفس لغة البلاد ولها نفس طبائع وعادات البلاد ، إذ أنها جزء لا يتجزأ منها ، بينما الأمر في أوروبا ؛ جالية تكونت من هجرات متلاحقة من بلدان متعددة مختلفة العادات واللغات والأوطان ، التقت على عقيدة الإسلام في مجتمعات لا تشاطرها الدين وهي بحد ذاتها ليست متجانسة .

لكل هذا فإن الأمر يحتاج منا إلى دراسات متأنية موضوعية للوصول إلى حلول مناسبة لقضايا كاللغة العربية واعتبارها لغة مشتركة للمسلمين حيثما كانوا وأينما حلوا ، وكذا المؤسسات الاجتماعية القادرة على الدفاع عن الجماعة الإسلامية بتبنيها للاندماج لا الذوبان ، وللمشاركة لا للانعزال .

No hay comentarios:

Publicar un comentario