ســَـبيل السَّـــلام -7
نقاط جديرة بالملاحظة :
قد ينجم بين أبناء المنهج الواحد ، منهج الله ، الذين يقتدون بسيرة محمد صلى الله عليه وسلم ، سوء تفاهم ، قد يبدأ بأفراد ، وينتهي بين أمم وشعوب .. ومرجع هذا الخلاف يرجع إلى :
- تفاوت إمكانيات الناظرين في الفهم والإدراك ، والقدرة على الرؤية الواضحة .
- سيطرة الوسط الذي يعيشون به ، بحيث يؤدي إلى الجهل بالوسط الذي يحيا به الآخرون .
وبما أن الإنسان ليس هناك من يضبط أعماله " سوى الله " خالقه فإن البشر والآلات التي اخترعت ، والأدمغة التي ركبت ، تقف عاجزة حيال الحل ، لأن مغذيها والمتحكم بها ، يوقعها بنفس الأخطاء التي يقع بها هو ، لأنها نتيجة مباشرة لتفكيره .
ومن طبيعة الإنسان " النسيان " واسمه يدل على ذلك ، فهو كثير النسيان ، ولذلك سمي إنساناً .. ولكن للنسيان ميزة جليلة النفع تمنح الإنسان حيوية فائقة ، بالقدرة على التزود بالجديد ، برفع القديم قليلاً .. ولكن هذه العملية بالذات توقع الإنسان في الخطأ من جرّاء نسيانه لواقعه ، الذي يحيا فيه ، وكذا واقع الآخرين ، فيقصر مدى الرؤية لديه ، ويخطئ في استعمال المقاييس ، فيقع في حبائل الوسط والواقع الذي يعيش فيه .
إن الإنسان المؤمن ، هو داعية للآخرين ، إما بعين الرحمة ، لأنهم لم يصلوا إلى النعمة التي يعيش بها ، وينعم ويستعد من جرائها ، وإما ينظر إليهم بنظرة التعجب والتأفف ، لأنهم لم يسلكوا الطريق الصحيح الذي يشقه لنفسه ، ولم يهتدوا إلى الصراط المستقيم الذي يسير عليه ، وهو بهذه الحال يكون قد غفل عن واقعه الذي هو فيه ، وعن الجهد الذي صرفه على نفسه من تأديب وتهذيب ، وصبر وتضحية حتى وصل إلى ما هو عليه .. طالباً من الآخرين أن ينقلبوا وفق ناموس فجائي حتى يسايروه ويدركوه دون أن يخطوا نفس الخطوات التي خطاها .. وبنسيان هذه الحقيقة يخشى على ذلك الإنسان من اليأس والقنوط .
والإنسان الداعية الفطن يستخدم نظرة الشمول ، متَخلصاً من سيطرة الواقع الذي يعيش فيه وينتسب إليه ويستعمل المقاييس المثلى ، ويدرك تماماً كل هذه الأمور فيتصرف بخبرة ودراية ، ويعذر الآخرين .. فيكسب بذلك النجاح والتوفيق في دنياه وآخرته .
وانطلاقاً من هذه النقاط .. يمكننا القول ، بأن الحركات الإسلامية المعاصرة ، مازالت تضيع الجهود وتبدد القوى ، بسبب توجهها للمنازعات الجانبية في الفرعيات التي لا طائل من الوقوف عندها الآن .. لذا فإننا نرى الخلافات قائمة على قدم وساق بين عالِمَين جليليْن ، أو بين فئتين إسلاميتين رائدتين .. وهذا يحصل في الأوطان الإسلامية كافة دون استثناء .
إن الاختلاف في أسلوب العمل ، لا يستدعي مطلقاً الحرب الشعواء يشنها طرف على آخر .. بل يجب أن تكون نقاط التفاهم هي ركائز الالتقاء ، وأما نقاط الاختلاف فتترك حتى يحين وقتها ، وعامل الزمن وسعة المدارك هما كفيلان بإزالتهما شيئاً فشيئاً إن شاء الله - .
ولكن يجدر التنبيه هنا بأن الطائفة المؤمنة واحدة .. تستقيم كلها أفراداً وجماعات وفق منهج الله بكافة أبعاده ، وتنهل من معين النبوة بكل أعماله وكل مخالف لذلك .. فهو ليس من الطائفة المؤمنة .
وبما أن الخلاف جزئي – لايمكن الاستغناء عنه – إذ أنه ضرورة من ضرورات النماء والدفع نحو الأفضل .. فإنه لا ينبغي أن يكون عاملاً في تشتيت الجهود وبث الفرقة في أعضاء الجسد الواحد .. بل على العكس يجب أن يكون مثار تحميس ، وحث في التنافس الصحيح لخدمة دين الإسلام ورفع رايته عالية خفاقة .
الطائفة المؤمنة – هي الوصي الشرعي – على الإنسانية قاطبة :
لقد ألقى الله سبحانه وتعالى على عاتق المؤمنين ، واجباً سامياً ، وكلفهم مهمة راقية ، ألا وهي هداية البشر إلى الحق ، وإرشاد الناس جميعاً إلى الخير ، وإنارة العالم كله بشمس الإسلام .
قال تعالى " ياأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ، وجاهدوا في لله حق جهاده ، هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل ، وفي هذا ليكون الرسول عليكم شهيداً وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هُوَ مولاكم فنعم المولى ونعم النصير " .
ومن هذا نستنتج أن الله سبحانه ، قد كلف المؤمنين بالوصاية على البشرية القاصرة ، وأعطاهم حق الهيمنة والسيادة على الدنيا لخدمة هذه الوصاية النبيلة ، ثم بين تبارك وتعالى أن المؤمنين في سبيل هذه الغاية قد باعوا لله أنفسهم وأموالهم فليس لهم فيها شيء ، وإنما هي وقف على نجاح الدعوة هذه ، وايصالها إلى قلوب الناس وذلك قوله تعالى :
" إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنّة " .
إن الدعوة إلى الإسلام هي واجب الجماعة الرائدة التي خصها الله تعالى بهذا الفضل ، وأنعم عليها بهذه المنّة ، والمسؤولية الملقاة على كاهلها عظيمة .. فإن هي قامت بها على خيرِ وجه ، وأكملِ صورة ، فقد فازت برضوان الله وبنعيم الجنة ، وإن تقاعست عن أداء واجبها وركنت إلى الدنيا ومتاعها الزائل فإن الله سبحانه سيُقيِض جماعة لا تكون مثلها بل تعمل بأوامره وتسعى في سبيل مرضاته .
قال تعلى : " ها أنتم هؤلاء تُدعوْن لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه ، والله الغني وأنتم الفقراء وأن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " محمد 38 .
رياج ططري