sábado, 27 de agosto de 2011

الجراد

الجراد لا يعرف الحدود

بين الفينة والأخرى تطلع علينا بعض الدول بقرارات تثير الدهشة والإعجاب ، والحسرة والألم بآن معاً .

الدهشة للتخطيط المرحلي المنظم الذي يأتي بالقرارات القابلة للتنفيذ بعد أن سبقها الإعداد ، إعداد الرجال القادرين على تحويل هذه القرارات إلى واقع حي ملموس يعود على البلاد والعباد بالفائدة والخير العميم .

 ومَثلنا هنا .. دول غرب أوروبا التي جمعت أمرها وجعلت من عام 1992 ميلادية نقطة تحول سياسي وجغرافي واقتصادي واجتماعي في المستويات كافة .. ستزال الحدود – وبعضها أزيل – بعد أن خففت القيود تدريجياً ، وسيصبح المواطن حراً في تنقلاته لا يمنعه مانع ولا يحول دون تجواله قيد ، أينما أراد حط رحاله ، وستصبح كتلة بشرية قوامها ثلاثمائة وثلاثون مليوناً من البشر ، وحدة جغرافية تتحرك بتصور واحد على الرغم من تعدد الجنسيات واللغات والنظم الاجتماعية والسياسية القائمة ، واختلاف التاريخ بل وتناقضه العجيب ، وستغدو المشاريع الاقتصادية الكبرى تنفذ في مجموع البلدان ، للاستفادة من الخبرات والموارد واليد العاملة الفنية ، وستنتقل رؤوس الأموال واليد العاملة دونما حاجة لجوازات السفر ، أو تأشيرات الدخول والخروج أو التسجيل القنصلي .

إنها حقاً خطوات جادة تثير الدهشة والإعجاب لما يحققه هؤلاء الناس من تذليل الصعاب في سبيل تقدم الإنسان في كل مجال .

وبنفس الوقت يحز في القلب ما نراه من فرقة الدول الاسلامية والعربية منها على وجه الخصوص ، مع رفعها لشعارات الوحدة منذ ما يزيد على الأربعين عاماً ، ولكننا مع  شديد الأسف والمرار لا نرى إلا السدود تلو السدود ترفع ، والحدود بعد الحدود تقام وتكرس الفرقة ويزداد التشتت والضياع في كل بلد إسلامي وعربي مع توفر كل مقومات الوحدة من وحدة الدين والعقيدة إلى اللغة والتاريخ المشترك الناصع الذي يفخر به المسلمون جميعاً .

لقد حالت الأنظمة القائمة دون لقاء الشعوب بعضها ببعض ، وأصبحت البلاد بحدودها القائمة سجوناً كبيرة ، طموح الإنسان المقهور فيها أن يخرج إلى الحرية – شيء من الحرية – مهما كلفه ذلك من ثمن .

وأنا أكتب هذه الكلمات ، يردد المذياع خبر انتقال الجراد من المغرب العربي إلى السودان إلى اليمن إلى الجزيرة العربية ، إنه ينتقل بكل حرية ، لأنه لا يعرف الحدود ، ولا يحتاج لتأشيرة خروج من بلد وعبور لآخر ، ولا لجواز سفر ولا أن يمر على نقطة حدود .

ترى هل يحدث هذا رغماً عن الأنظمة ؟ أم أنهم لم يبتكروا بعد جوازات سفر لتحقيق المراد أمام زحف قوافل الجراد .  

                                                              رياج ططري

viernes, 19 de agosto de 2011

السلام


السلام وطبائع الشعوب
                                                                                        
إن مواصفات شعب أو أمة لايمكن معرفتها من خلال نظام قائم أو حكومة مهيمنة أو سلطان عابر ، كما أن تحديد طبائعها بمستوى تقدمها أو تخلفها الفني أو إنتاجها الاقتصادي أو وضعها الاجتماعي هو وهم زائل لامحالة .

إن الشعب أو الأمة ومواصفاتها تتكون عبر التاريخ ، فالجوانب التي تَسِم شعباً ما أو أمةً بعينها ، إنما هي منظومة العقائد والأفكار والتوجهات التي يحملها أفراد هذا الشعب ، وتهضمها شرائح الأمة عبر صفحات التاريخ وتراكماته الطويلة، فيطبع عليها بصماته من خلال القيم والعقائد التي تحملها ، فيتكون سلوك الأمة الذي تتحرك فيه بين الناس وفي العالم .

قد تبرز خلال فترة من الفترات التاريخية ، صورة معينة لشعب من الشعوب تعبر عن طبائعه ، وما يكمن داخل حسه ووعيه ، كما رأينا ذلك واضحاً جلياً في الحروب الصليبية التي قامت بها أوروبا فدلت على كوامن مواصفاتها وطبائعها . ثم طرأ تغيير على أوضاع أوروبا ، فما طبيعة هذا التغيير ؟ 

لقد تغير وضع أوروبا بصورة سطحية ، حيث تقدمت صناعياً ثم تكنولوجياً .. غير أن هذا التقدم لم يغير النهج الذي كانت تسير عليه ، ولم يحل تصور آخر يختلف عن ذلك التصور الذي دفعها لأفعالها الشائنة في القرون الماضية .

والدليل على ذلك ، أنها مازالت تستلهم نفس المعتقدات التي دفعتها بعد ذلك لارتكاب الجرائم المتلاحقة ، فقضت على الهنود الحمر في القارة الأمريكية ، وعاثت في الأرض الفساد ، في حربين طاحنتين عالميتين في مدة قصيرة من الزمن ذهب ضحيتها الملايين من القتلى والمصابين والمشوهين من نفس شعوب أوروبا وسكانها . وما فتئت البلدان المستضعفة تعاني من عنجهيتها الطاغية في كل أجزاء العالم 
لذا فليس من المستغرب أن يعتقد إنسان بأن سمات الشعوب والأمم ، تتبدل بتبدل الظواهر السطحية لها ، فالذين لايدرسون التاريخ ولا يفهمون طبائع الشعوب وعقائدها ، لن يفهموا الحاضر ولن يعرفوا التعامل معه ، وبالتالي فإنهم لن يفهموا المستقبل ولن يحسنوا الإعداد له .

الإســـلام وطبائع العرب :

والعرب كشعب ، عاشوا صراعاً بين الايمان والكفر ، فمنذ وجودهم في الجزيرة العربية احتدمت المواجهة بين التوحيد والشرك ، فكانوا دوماً في صراع مستمر ، إن انتصر الايمان وحَدهم وقضى على الشرك والتجزئة ، وإن كان العكس عاثوا في الأرض الفساد وأهلكوا الزرع والحرث . كانوا أهل بادية وصحراء ، فأثّرت طبيعة المنطقة في تكوينهم فرسّخت لديهم بعمق المعاني الأخلاقية السامية من فروسية وقوة شكيمة ومروءة وصبر ، وكانت منطقتهم ومازالت نقطة التقاطع لكل أجزاء العالم ، بل إنها نقطة الوصل بين قارات العالم القديم ، الأمر الذي جعل تراث الإنسانية كله حيّاً بين أيديهم .

جاء الإسلام ، فصاغ للعرب آنئذ شخصية فريدة انصهرت – كلياً – في تعاليمه ، وفتحت عهداً جديداً لأمة إسلامية واحدة ، وحضارة إسلامية واحدة ، تمثلها كل الشعوب التي آمنت بالإسلام ، وعاشت عبر القرون تشيّد صرحاً يقوم على التوحيد والوحدة ، ويرفض الكفر والتجزئة ، شعاره التسامح والتعايش بين الناس كلهم ، فكان برداً وسلاماً على الدنيا على مر القرون .

روما وحضارة أوروبا : 

أما سمات الشعوب الأوروبية الأساسية التي انبثقت عن الأفكار والمعتقدات التي آمنت بها ، فهي مستلهمة من حضارة روما الوثنية ، القائمة على العنف والسيطرة الجائرة وتأليه القوة وعبادة الجسد ، والهيمنة بدون رأفة على مصائر الشعوب وسحق ثقافاتها وتراثها .

ولذلك فإن أوروبا تأبى التعايش مع ثقافات أخرى وترفض كلياً – وذلك من طبيعة تكوينها – التسامح مع الآخرين ، وما رضيت يوماً التعايش والحوار عندما امتلكت زمام القوة ، وما كان اجتياحها للبلاد الاسلامية الآمنة في القرن الماضي وفي مطلع هذا القرن إلا على أنهار من الدماء ، كما فعل أسلافها عندما احتلوا بيت المقدس . وبعد ذلك يتشدّق الغرب بكلام معسول عن حقوق الإنسان وعن حق الشعوب بتقرير مصيرها .

لقد أدرك دهاقنة السياسة الأوروبية بأن الاسلام يوحّد ولا يفرّق ، بل يقوم أساساً على التوحيد والوحدة ، فأخذوا يقطّعون إرباً إرباً البلد الواحد ، ويقيمون الكيانات المصطنعة المتناحرة ، لقد مزّقوا أمتنا ووطننا الإسلامي شر ممزّق .

ووضعوا في كل جزء حاكماً حريصاً على رقعته التي يحكمها حرصه على حياته بل وأشد ، وهو بنفس منطق الغرب يحكم ويتحرك ، ويمنعون بذلك عودة الأمة إلى امتلاك القوة مرة أخرى ، وهو مازال يذكر يوم رُد على عقبيه ، وطرد من الشرق الإسلامي شر طردة إثر الحروب الصليبية ، فراجع ذاكرته فإذا بها تعيده إلى يوم أن وقف يترنّح أمام ضربات الدولة العثمانية عدداً من العقود ، ثم لابد أنه لم ينس بعد المقاومة الإسلامية التي استطاعت أن تخرجه كمستعمر لبلاد المسلمين من المغرب وحتى الهند .

لكل هذا ، فقد اجتهد الغرب في محاربة الاسلام وأهله ، لأنه يخالف طبيعته وسمته بعد أن يئس من محاربة أصول الاسلام وتعاليمه ، لأن الاسلام المحفوظ بحفظ الله له ، وقف سدّاً منيعاً أمام كل محاولات الطعن والتحريف والإفساد التي ذهبت كلها أدراج الرياح .

فلما تيقّن مخططو أوروبا – وأمريكا شعوبها أوروبية – من هذه الحقيقة ، أخذوا في طعن المسلمين ، فوضعوا أيديهم على مؤسسات التعليم ، وأجروا على الألسنة الاستهتار بالعلماء والنيل منهم والتهكم عليهم ، وشوّهوا تاريخ الأمة الاسلامية ، بل وحاولوا طمس هويتها بإعادة الشعوب إلى تاريخ ما قبل الاسلام ، تاريخ الجاهلية والوثنية ، من فرعونية وفينيقية وآشورية ....

وأبعدوا معايير الاسلام عن الحياة وشنّوا حملات إرهابية ضد الملتزمين به ، ناعتين إياهم بكافة الصفات المنفرة ، ونشروا اللهجات العامية في محاولة للقضاء على العربية العظمى لغة القرآن .

وباختصار ، لقد نشروا التغريب بين أبناء المسلمين بشتى الوسائل والطرق ، وفي أوسع المجالات والأمكنة  .


اليهود وما أدراك ما اليهود : 

أما سمات اليهود وطبائعهم ، فهي معروفة لكل مسلم ، يقرأها في كتاب الله العزيز الحميد ، ولعلها تلتقي في معظم صفاتها بسمات الشعوب الأوروبية ، لذلك نشأ بينهم التحالف المصلحي ، وهذا بحد ذاته من طبيعة اليهود وسلوكهم في كل وقت ، وفي كل مصر ألا وهو التحالف مع الأقوى .

غير أن سمتاً آخر يفوق في عمقه وأثره ، كل ما امتازت به شعوب حضارة روما الوثنية ، وهو اعتقاد اليهود بأنهم شعب الله المختار ، وما سواهم إنما خلقهم الله لخدمتهم .

وتلمودهم يُذكّي فيهم هذا الشعور :

( تذكروا يا أبنائي بأن الأرض كلها ستكون لنا نحن اليهود ، أما غيرنا ، وهم حثالة الحيوانات وبرازها فلن يملكوا شيئاً قط ) .
( وهب الله اليهود حق السيطرة والتصرف بدماء جميع الشعوب وما ملكت ) .
( اليهود بشر لهم إنسانيتهم ، أما الشعوب الأخرى فهي عبارة عن حيوانات ) .
( ما معنى " هارسينية " أي جبل سيناء ؟ إنه يعني الجبل الذي تنطلق منه أشعة سيناء ، أي الشعور بكراهية جميع شعوب العالم ) .
 ( ومن يسفك دم غير يهودي فإنه يقّدم قرباناً للرب ) .
وصدق الله تباركت أسماؤه إذ قال :
( وَضُرِبَت عَلَيْهِم الْذِّلَّة وَالْمَسْكَنَة وَبَاؤُوْا بِغَضَب مِّن الله ذَلِك بِأَنَّهُم كَانُوْا يَكْفُرُوْن بِآَيَات اللهِ وَيَقْتُلُوْن الْنَّبِيِّيْن بِغَيْر الْحَق ذَلِك بِمَا عَصَوْا وَّكَانُوْا يَعْتَدُوْن ) البقرة 61 .
إن قراءة بسيطة لسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام ، تبين لنا خلق اليهود وسلوكهم ، لقد عاهدوا الرسول صلى الله عليه  وسلم فأخلفوا الوعد بل وطعنوه من الخلف ، وهم منذ ذلك التاريخ لم يتلكؤوا لحظة في الكيد للإسلام والمسلمين .
فكيف نستطيع أن نأمن لهم وهم لا يحفظون إلاً ولا ذمة ؟
بل كيف نقبل بهم الآن وبيدهم السلطة والصولجان ؟ أنمكنهم من أنفسنا كالبلهاء لكي يفعلوا بنا الأفاعيل ؟!
إن أهلنا في فلسطين لم يبدوا ضغينة ولا حقداً لليهود ، عندما جاؤوا مهاجرين إليهم ، بل استقبلوهم كأهل كتاب ، وعاملوهم المعاملة الحسنة – لا كما تُعامل أوروبا العمال المهاجرين إليها في وقتنا الحاضر – وما نقموا منهم إلا عندما وجدوهم مدججين بالسلاح وقد ظهرت – جلية كفلق الصبح – نواياهم السيئة ورغبتهم بالعدوان والسيطرة .
قال تعالى :
*(فَمِن اعْتَدَى عَلَيْكُم فَاعْتَدُوا عَلَيْه بِمِثْل مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم وَاتَّقُوا الْلَّه وَاعْلَمُوا أَن الْلَّه مَع الْمُتَّقِيْن)* البقرة : 194 .

إننا لا ننسى كيف أن اليهود عندما طُردوا من إسبانيا ، لجأوا إلى بلادنا ، لجأوا إلى المغرب والجزائر وتونس .. بل وإلى فلسطين وإلى الأستانة عاصمة الدولة الاسلامية أنذاك . فهل هناك أطيب وأسمى من هذه المعاملة ؟ إنه سمت الإسلام الذي تشبع به المسلمون وأخلاقه .

وفلسطين ....

إن فلسطين  بالنسبة للمسلمين قاطبة ، قضية عقيدة وكرامة وحق ومصير ، لا يمكن التخلي عنها والتفريط بشبر منها . إنها أرض الإسراء والمعراج وبيت المقدس والأرض التي بارك الله حولها ، إنها وقف للأمة الإسلامية كلها على مر الزمن .

لقد احتل الصليبيون القدس وانساحوا في أرجاء البلاد أكثر مما انساح اليهود الآن وهددوا كيان الأمة أكثر مما يهدده اليهود الآن ، ولم يتم تطهير الأرض منهم إلا بعد قرنين من الزمان .
إن اليهود في الوضع الراهن ، بانتهاء حالة الحرب ، وانفتاح الحدود ، وإقامة السلم المفروض بيننا وبينهم ، أقدر منا في الأوضاع الحالية على أن يربحوا المعركة في السلم ويحققوا بها ما لا يقدرون على تحقيقه في الحرب . ثم بعد ذلك يُعدون لحرب جديدة ، ويصطنعون ظروفاً جديدة ليتوسعوا حيث يريدون وإلى الحدود التي يرغبون ، ويمدون سلطانهم إلى أقصى ما يحتاجون .

قال تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِيْن آَمَنُوْا لَا تَتَّخِذُوَا الْيَهُوْد وَالْنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُم أَوْلِيَاء بَعْض وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنْكُم فَإِنَّه مِنْهُم إِن الْلَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الْظَّالِمِيْن ) المائدة: 51 .
وإن جاز أن نصف الاتفاق الأخير أو أن تصف حالة ما يسمى ( بالسلم ) الآن ، بصورة مبسطة فإننا نقول :

إنه أشبه بإنسان أجبر بالقوة على الخروج من داره التي يملكها وقد كان ولد فيها هو وأبوه وجدّه وأسلافه .. ولكن بعد الصراخ والعويل ،  تنازل المعتدي المغتصب لهذه الدار ، وأعطى المالك الشرعي بعد الضغط والإلحاح غرفة من غرف داره ، وأملى عليه شروطه : أن يدفع أجرتها ، وأن يبرهن على حسن خلق بعدم المطالبة بحقه في ملكه ، وأن تطيب نفسه مع المغتصب وخاصة بأن لا يتأفف ولا يتذمر ، ولا يبدي اعتراضاً ، عندما يتفقده عند الخروج والدخول من داره ، بل وعليه أن يتقبل بكل رضى وسماحة ما يفرضه عليه من شروط جديدة توافق مصلحته وهواه في كل وقت وآن .

نحن والمستقبل  

إننا نعي تماماً ما عليه أوضاع الأمة الإسلامية المهترئة الفاسدة ، ونعرف أن هذا لا يرضي الله تعالى ابتداء ً ، فالتجزئة والتفريط بأجزاء من وطننا الإسلامي ، وحالة الضياع الفكري والحضاري ، والتبعية الاقتصادية والسياسية ، كل هذا لا يرضى عنه الإسلام . كما لا يرضى الإسلام بأولئك الذين – بحجة الرضوخ للأمر الواقع – يسوغون لأنفسهم ولغيرهم حالة الذل التي أصابتهم ، وربما يذهبون إلى أكثر من ذلك مخالفين طبيعة حضارتهم الاسلامية ، وبذلك يسهلون تنفيذ مخططات من يريد بهم وبأهلهم وبأمتهم بل وبالإسلام وحضارته سوءاً واندثاراً .

إننا نجد الحيف والضيم يصيب أهلنا ، في بؤرة القضية ، في فلسطين ، وإذا بحثنا عن السبب وجدناه في أنفسنا ، لقد تخلينا عنهم ، وعن عونهم ، فأصبحوا لقمة سائغة للفقر والفاقة والعوز ، لقد وقفنا مع عدوهم بدل أن نقف معهم بحجة الانتقام ممن يحركون السياسة في المنطقة ، بل لقد ساقونا إلى ما يريدون تحقيقه فانسقنا ونحن نعلم أننا  نرد المهالك ، فأخطأنا جميعاً أفراداً ومؤسسات وجماعات في مواقفنا ، وإننا لمسؤولون أمام الله عن هذا الموقف وعن كل المواقف التي أسلمت إخواننا للضعف والخور ، وقَوّت من موقف عدوهم ومكنته منهم .

إننا أمام تحد كبير ، يحتاج منا صياغة جديدة للتعامل مع المعطيات المعاصرة . فلا تكفي الدعوة لاتباع طريق الإسلام مجردة عن برامج العمل الجاد الفاعل والمؤثّر ، لكسر شوكة التحالف الأوروبي – اليهودي ، والتصدي لإقامة السلام العادل بصورته الصحيحة وبمنظوره الإسلامي .

بل نحن بأمس الحاجة للتشمير عن سواعد الجد ، والقيام بما يمليه علينا إسلامنا ، وخاصة في الإجابة على الطروحات العملية التي تؤدي إلى نهوض الأمة من كبوتها ، وإذا لم تجد الطروحات جواباً صحيحاً وصريحاً عنها مطبقاً في الحياة اليومية للناس ستكون الطامّة التي لا تبقي ولا تذر ، إلى أن يقَيّض الله لهذه الأمة من يصلح لها أمر دينها ، ويقودها إلى النجاح والفلاح في القيام بواجب الإسلام الدين الذي ارتضاه الله لعباده الصالحين .

يقول تعلى :

*( إِلَا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُم عَذَابَا أَلِيْمِا ، وَيَسْتَبْدِل قَوْما غَيْرَكُم وَلَا تَضُرُّوْه شَيْئا وَاللَّه عَلَى كُل شَيْء قَدِيْر )*  التوبة : 39 .


                                                              رياج ططري

viernes, 12 de agosto de 2011

رمضان


رمضان وتجديد العهد
                                                                                      

النسر هو الطائر  الأكثر عمراً في صنفه يعيش حوالي سبعين عاماً .
ولكن لكي يبلغ هذا العمر ، عليه أن يتخذ قراراً جاداً  ..
إذ أنه في الأربعين من عمره ، لم تعد أظافره المنحنية والمرنة قادرة على التقاط الفريسة التي يعيش عليها .
ومنقاره المدبب الطويل أخذ بالانحناء نحو صدره ، وجناحاه أصبحا يتجهان نحو صدره أيضاً ، أصابتها الشيخوخة فأصبحت ثقيلة نظراً لغلظة ريشها .. وأصبح الطيران صعباً بها .
عندها – أمام النسر حَلاّن فقط - :  الموت .. أو مواجهة عملية مؤلمة لتجديد الحياة تدوم مئة وخمسين يوماً .

هذه العملية تكمن في الطيران نحو علو شاهق في جبل يأوي إليه في عش قريب من حائط  بحيث لا يحتاج للطيران للوصول إليه .
وعندما يجد النسر ، هذا المكان ، يبدأ بضرب الحائط بمنقاره حتى يقتلعه ..
وعندما يزول المنقار القديم ، ينتظر حتى يولد المنقار الجديد ، وبه سيقتلع أظافره القديمة .

وعندما تبدأ أظافره الجديدة بالولادة ، يتابع إزالة ريشه القديم .
بعد خمسة أشهر فقط ، يخرج  ظافراً في معركة تتجدد فيها الحياة ، وعندها فحسب يمنحه الله ثلاثين عاماً من الحياة .

لماذا علينا أن نتجدد ؟

في حياتنا ، في كثير من الأحيان ، نفكر في التجديد وخاصة عندما نخلو بأنفسنا بعض الوقت ، ولكننا نستنكف عن البدء بعملية التجديد ، لما تفرضه علينا هذه العملية من أمور شاقة .. لكن النتيجة أفضل وأسلم .

ولكي نبدأ من جديد بطيران المنتصر لا بُدّ  لنا من أن نتخلص من كثير من العوائق والعلائق والعادات والتقاليد البالية من الماضي ..

عندها فقط نتخلص من ثقل الماضي وأعبائه ، ونستطيع إثر ذلك الاستفادة من النتيجة النافعة للحياة المتجددة .

نحن في رمضان .. وسنة الاعتكاف .. هي الفرصة التي يهبنا الله فيها مراجعة النفس للتوبة من الذنوب والتقصير ، ولشحذ الهمة والإرادة لما سيأتي من أيام هي مظنة الخير والصلاح إذا شفعت بنية الإقدام والجرأة على التجديد والإصلاح للانطلاق لما هو أفضل في مستوى الفرد والجماعة .

 رياج ططري  

lunes, 8 de agosto de 2011

أخٌ فقدناه

عبد الله خلـــف (أبو أحمد )
أخٌ فقدناه



كان وقع الخبر عليّ كالصاعقة عندما أنبأني الأخ هلال عبوشي وهو يجهش بالبكاء ، قائلاً  وبصوت متهدج لقد توفي أبو أحمد .. منذ ساعات ..

رجعت بالذاكرة لسنين طويلة خلت، يوم أن اجتمعنا معاً ، وما افترقنا بعد ذلك أبداً .. وها أنذا أسجل في عجالة ما دار في ذهني لحظة سماع الخبر .

كان رحمه الله  - عضواً في الجمعية الاسلامية في إسبانيا - مُحِباً لإخوانه ، يسعى في مصالحهم إن طلبوا منه ذلك ، وإن لم يطلبوا ..

وكان – ما في يده – للناس من حوله أقرباء وأصدقاء ومعارف ، لا يأبه له ، صغيراً كان أم كبيراً ، فكان يسخره لما يرضي الله تعالى .

كان وفياً لزوجه التي صاحبها في مرضها إلى أن وافتها المنية ، يعودها في المستشفى كل يوم ويبقى عندها الساعات الطويلة .. وإذا كانت في البيت لم يغادره إلا لحاجة ضرورية .

وكان براً بوالديه ، وفياً لكل من عرفه من أهل وأصدقاء ، بل ومعارف كان يلتقي بهم فيبقى على 
صلة بهم ، ويودهم في كل مناسبة 


كان طيب القلب ، لا يحمل غلاً لأحد ، وكان يبوح بما في قلبه ببساطة وصدق ، فكان الجميع يغبطونه لهذه الخصلة الكريمة .

وكانت روحه المرحة ونفسه السمحة ، تضفي على حديثه مسحة من الصفاء ، فتترك السامع مرتاح البال هانئه .

عزاؤنا لأهله وأشقائه وأولادهم فقد كان لهم السند المعين والرفد في كل أمر وفي كل حين . فنسأل الله تعالى أن يجعله من أهل الجنة وأن يثيبه عن أعماله الخير كله ، وأن يتغمده برحمته الواسعة وأن يسبغ عليه من شآبيب فضله إنه سميع عليم ، وأن يغدق عليه من رضوانه ما يمحو عنه الخطايا والذنوب ، وأن يغسله بالماء والثلج والبرد إنه سميع مجيب .

ونحن ها قد ودعناه لمثواه الأخير ، وقد وافته المنية في مدينة عمّان  صباح الأربعاء 19  شعبان 1432 للهجرة الموافق للعشرين من تموز / يوليو 2011 ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون .

 رياج ططـــري

viernes, 5 de agosto de 2011

نمط السلام


نمط السلام الأمريكي
                                                                                     

في بداية التسعينات من هذا القرن ، أوجد سلوك روسيا الناجم عن تفكك الاتحاد السوفييتي ، شروطاً جديدة أدت إلى فرض انضباط أكبر في سير مجلس الأمن في الأمم المتحدة .

وهذا يعني – بكل بساطة – أنه أصبح بمقدور الولايات المتحدة استخدام الأمم المتحدة كأداة ، للحفاظ على سياستها كقوة عالمية وحيدة ، دون أن تجد نفسها مقيدة دائماً بـ " الفيتو " المضاد لقراراتها ، فقد بلغ عدد قرارات " الفيتو " التي استخدمها الاتحاد السوفييتي بين عامي 1945 وَ 1990  حوالي ثلاثمائة قرار في غالبيتها العظمى موجهة ضد رغبات الولايات المتحدة .

ويقول دارسو " الاستراتيجية الدولية " : إنه بدون قوة الولايات المتحدة العسكرية والمهيمنة ، لن تملك الأمم المتحدة القدرة العملية لتنفيذ سياسة أمن دولية ، وستبقى عاجزة كما كانت حتى الماضي القريب . هذا العجز أدى إلى موت ما يقارب عشرين مليوناً من البشر في مائة نزاع ، منذ تأسيس الأمم المتحدة وحتى اليوم ، فكانت طوال هذه السنين تقف أمام كل هذه النزاعات مكتوفة الأيدي لا تستطيع حراكاً .

وتبين الدراسات نفسها من جانب آخر ، أن الولايات المتحدة ستلقى صعوبات دبلوماسية هائلة عندما ترغب بالتدخل العسكري في الشؤون الدولية دون غطاء المنظمة العالمية وموافقة مجلس أمنها المعلنة .

وعليه فإن رغبة الولايات المتحدة بالقيام بدور أمني على النطاق الدولي ، يفرض عليها استخدام الأمم المتحدة لإعطاء صفة هيكلية دبلوماسية لسياستها الأمنية الدولية
وفي هذا يكمن الجديد في الدور النشيط الذي ستقوم به الأمم المتحدة كأداة هامة فيما يسمى " النظام العالمي الجديد " .

غير أن ازدياد أهمية الأمم المتحدة ودورها في حل النزاعات ، يتعارض مع رغبة الولايات المتحدة بتخفيض النفقات الضخمة وغير المباشرة المتأتية من تدخلها في تسوية النزاعات المتزايدة ، وكذلك رغبتها في الحد من المخاطر الناجمة عنها .

لقد كانت الولايات المتحدة إلى وقت قريب ، تتقاسم بصورة ما ، هذه النفقات مع الاتحاد السوفييتي الذي كان يسيطر على نصف العالم حتى نهاية عقد الثمانينات .

وكانت الإدارة الأمريكية تحظى بتأييد واسع – بل ولأبعد الحدود – لتوظيف هذه النفقات في إطار نظام أمن وطني للولايات المتحدة له بُعْد دولي ، يجب عليها المحافظة عليه بشكل فعلي وحيوي نشيط ومكافئ ، ليعادل قوة الاتحاد السوفييتي الدولية آنذاك .

ولكن زوال التهديد السوفيتي ، أفقد الإدارة الأمريكية الاهتمام الوطني والاندفاع للحفاظ على الجهاز العسكري ذو القوة العالمية حياً نشيطاً . وبالفعل فقد بدأت بتخفيضه جزئياً ، غير أن تخفيض نظام الدفاع في الولايات المتحدة يوجب زيادة النفقات النوعية تحسباً لأي تدخل عسكري مفاجئ .

بالإضافة لعدم وجود خطر يهدد المصالح الحيوية للولايات المتحدة ، يجعل من الصعوبة بمكان الحصول على الإجماع الوطني للقيام بالتدخل العسكري لإحلال السلام في النزاعات الممكنة .
إن مشكلة الولايات المتحدة كما يستعرضها المحللون لسياسة الإدارة الأمريكية تكمن في كيفية التوفيق بين معايير ثلاثة :

        أ- الحفاظ على دورها كقوة عالمية وحيدة ، وهذا يوجب عليها ، احتكار التحكم في النزاعات المحتملة الوقوع ، وبالتالي قيامها بوظيفة حارسة الأمن العالمي .

        ب – الحصول على الإجماع الدولي في وقت يصعب الحصول عليه نظراً لسقوط الامبراطورية السوفييتية ، ولقلة الثقة بالأهمية الموضوعية للولايات المتحدة كمدافع عن الأمن العالمي .
        ج – تخفيض النفقات العسكرية والتكاليف السياسية للأعمال العسكرية التي تفرضها المشكلات والنزاعات المحتملة .

وللإجابة على هذه المعضلة لا بد من قيام نظام تحالف متعدد الأطراف ، يدفع المتحالفون فيه جزءاً من النفقات الاقتصادية والبشرية للأعمال العسكرية المزمع القيام بها . ولقد طبق هذا النمط في الحرب ضد العراق ، حيث سددت المملكة العربية السعودية نصيباً كبيراً من نفقاتها   ( خمس وخمسون ألف مليون دولار ) ، بينما سدد الباقي كل من الكويت واليابان وألمانيا وبلاد أخرى ، ولكن يبدو أنه من الصعب تكرار مثل هذا التحالف .

كما أن الاكتفاء الذاتي بتخفيض النفقات المالية ، لا يوفر الحفاظ على القدرات العسكرية المجهزة والمعبأة للقتال بله  تزايدها ، وتسديد النفقات المالية لا يوفر القوات العسكرية اللازمة في كل وقت ، لذا يجب البحث عن حلفاء لديهم عناصر فاعلة وعملية من قواتهم العسكرية تكون تحت تصرفاتهم دوماً وعند الطلب .

والأمم المتحدة هي الآن ، الأداة الوحيدة والمفيدة ،  سواء لزيادة نفوذها ، أو لايجاد انسجام ديبلوماسي للتحالفات الممكنة ، التي تنظم بصورة فاعلة المساهمات متعددة الأطراف ، وتوزيع النفقات النسبي . كل هذا يتم تحت لواء الولايات المتحدة الفعلي .

ولكن هذه الأسباب ، من الممكن أن تسعى الأمم المتحدة في بناء بنية عسكرية دائمة قادرة على التنسيق وعلى دمج مختلف المساهمات العسكرية الآتية من البلدان المختلفة ، وفق قواعد تنظيمية يسهل التعامل معها . وهذا السعي ضروري في حالة السلم ، لأنه بدون التدريب والتعود على اتخاذ الإجراءات اللازمة ، لا يمكن استخدام هذه القوات كأداة عسكرية متعددة المصادر في مهمات معقدة ومفاجئة .

وبالفعل يبرهن المراقبون بأن الدليل الأول على هذا التوجه هو طلب الأمين العام للأمم المتحدة بأن يضع كل بلد تحت تصرف الأمم المتحدة عدداً محدداً من القوات بصورة دائمة ، لفرض العمليات الديبلوماسية الوقائية ولإحلال السلم ، على حد تعبير الأمين العام ، وبكلام أوضح لعمليات متعددة الأطراف للردع والحرب .

وضمن هذا المسعى ، تأتي الخطوة ذات الأهمية الكبرى – وهي ذات طابع سياسي بحت ، لأن الولايات المتحدة لديها اهتمام موضوعي في بناء نظام إدارة جماعي للأمن الدولي تتوزع فيه النفقات الدول المشاركة ، سواءً منها العسكرية أم الاقتصادية ، وهي تحافظ دوماً على زعامتها للعالم ، ولكن بأقل نفقات ممكنة  - وهذه الخطوة تقوم على اتباع المبدأ الذي عُمِلَ به في مطلع السبعينيات ، والذي وُضع بصورة عملية من خلال تكوين مجموعة الثلاثة ، ثم مجموعة الخمسة ، وأخيراً مجموعة السبعة الكبار .

وهذا التشكيل الجديد ، كما يصرح المحللون السياسيون ، سيورط اليابان وألمانيا في الإدارة المشتركة للأمن العالمي ، أو بتعبير آخر سيدخلهما في السلطة الاقتصادية الحقيقية – ( لأن روسيا وفرنسا والمملكة المتحدة وحالياً الصين لا يمثلون هذه السلطة مطلقاً ) – في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بصفة أعضاء يتمتعون بحق"الفيتو" .

وإذا خرج هذا التصور إلى الواقع العملي ، وأصبح حقيقة ملموسة – ويبدو أنه سيصبح حقيقة إذا وضعنا في الحسبان اهتمام الدولتين اليابان وألمانيا بزيادة قوتهما التفاوضية في المستوى السياسي – فإن الأمم المتحدة ستحظى عندئذ بالسلطة التامة السياسية والاستراتيجية والاقتصادية الكافية للتصرف كأداة ثابتة لإحلال السلام الشامل في العالم ، حسب رغبة الكبار ، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية .

غير أن هذا كله لن يكفي ، فيجب إذاً إعطاء بعض الأدوار الفرعية لباقي الدول  الأوروبية ، لحفظ ماء الوجه  ، وكذلك منح بعض الأدوار البسيطة في صنع القرار لتوريط الأمم الكبيرة التي لا حول لها ولا قوة كالهند والصين والدول العربية .

وفي كل عملية من هذا النوع ، سيتوجب على الولايات المتحدة التنازل ولو شكلياً عن بعض السلطة للآخرين لكي تحافظ على سلطتها الحقيقية .

أيضاً فإن قرارات الولايات المتحدة الداخلية ستخضع للروابط والتحالفات متعددة الأطراف ، والتي ستقوم تحت غطاء الأمم المتحدة ،  وهذا الأمر سيزيد من الصعوبات الديبلوماسية ولن يكون حل إشكالياتها بالأمر السهل والدائم .

  رياج ططري