sábado, 26 de febrero de 2011

التطور القانوني للحرية الدينية في إسبانيا-3


3 ـ مضمون القانون

يتكون قانون تعاون الدولة الإسبانية مع الهيئة الإسلامية في إسبانيا من مقدمة وأربعة عشر مادة وثلاثة أحكام ختامية .

تستند المقدمة والتي تبين الأسباب الموجه لعقد هذا الاتفاق وصياغته بشكل قانوني عادي , إلى الدستور الإسباني لعام 1978 الذي يشكل منعطفاً كبيراً وتغييراً جذرياً في العلاقة التقليدية للدولة مع الدين وذلك عندما صان المساواة والحرية الدينية واعتبرها حقوقاً أساسية , وكفل ممارستها بالمقدار الواسع الذي لاتحده سوى متطلبات صيانة الأمن العام واحترام الحقوق الأساسية للآخرين .

هذه الحقوق التي وضعت أساساً كحقوق فردية للمواطنين يمكن تطبيقها أيضاً على الجماعات والديانات التي ينتمي إليها هؤلاء الأفراد وممارسة ذلك جماعياً لتحقيق الأغراض الدينية .

وتضيف المقدمة بأنه ( انطلاقاً من الاحترام العميق لهذه المبادئ , فإن الدولة مدفوعة بحوافز دستورية , ترى نفسها مجبرة , في حدود ماإذا كانت المعتقدات الدينية للمجتمع الإسباني تقتضي ذلك , على التعامل والتعاون مع مختلف الديانات أو الجماعات الدينية , وبكافة الأشكال الممكنة ) .

         ( إن القانون الأساسي للحرية الدينية , يسمح للدولة , بتحديد تعاونها مع المعتقدات والجماعات الدينية , وذلك  بتوقيع معاهدات واتفاقيات للتعاون , عندما تكون هذه الجماعات قد أصبح لها وجوداً واضحاً في المجتمع الإسباني , وحصلت بانتشار مبادئها وعدد أتباعها الحضور الملحوظ .

         وهذا هو حال الدين الإسلامي ذو التاريخ العريق والشامل في بلدنا , والإسهام الواضح في تشكيل الهوية الإسبانية , والممثل حالياً بمختلف الجمعيات الإسلامية المنتمية لسجل الهيئات الدينية والمنضوية في أحد الاتحادين أيضاً : الفيدرالية الإسبانية للهيئات الدينية الإسلامية , واتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا , اللذان كونا معاً بدورهما هيئة دينية مسجلة بإسم : ( الهيئة الإسلامية في إسبانيا ) كهيئة تمثيلية للإسلام في إسبانيا أمام الدولة بهدف مناقشة وتوقيع ومتابعة الاتفاقات المعقودة ) .

         وتتابع المقدمة موضحة موقف الدولة فتقول : ( واستجابة لرغبة كلا الاتحادين هذه الرغبة المعبرة عن أمنيات المسلمين الإسبان , وبعد إجراء المشاورات الضرورية , تُوصل إلى إنجاز اتفاق التعاون هذا , والذي تطرق إلى قضايا في غاية الأهمية بالنسبة للمسلمين الإسبان : كنظام القادة الدينية المسلمين والأئمة , وتحديد الحقوق النوعية التي تنجم عن ممارسة وظيفتهم الدينية , والوضع الشخصي في إطار هام كالتأمينات الاجتماعية , وكيفية أداء واجبه العسكري , وكذلك الحماية القانونية للمساجد , وإضفاء الطابع القانوني على الزواج المعقود حسب الشرعية الإسلامية , وكذا رعاية المسلمين دينياً في المرافق العامة , وتعليم الدين الإسلامي في المدارس , والحصول على الإعفاء من بعض الضرائب الجبائية المطبقة على ممتلكات معينة , وكذا نشاطات الجمعيات المنتسبة " للهيئة الإسلامية في إسبانيا " والاحتفال بالأعياد الدينية الإسلامية , وأخيراً تعاون الدولة مع الهيئة الإسلامية فيما يخص بالمحافظة والاعتناء بالتراث التاريخي والفني الإسلامي في إسبانيا ) .

         وعكست المقدمة موقف الدولة أثناء التفاوض بقولها :

         وخلال التفاوض على هذا الاتفاق . سُعي دوماً , ووضع نصب الأعين , الاحترام العميق لإدارة المحاورين الدينية المسلمين , مع أصدق تعبير عن المضامين العقيدية النوعية للدين الإسلامي , وكذلك المتطلبات الخاصة الناجمة عنها , كل هذا من أجل جعل التمتع بحق الحرية الدينية للمسلمين أمراً واقعياً وحقيقياً )

المادة الأولى   :  مبادئ عامة  :

       تتكون المادة الأولى من ثلاثة بنود , تحدد طبيعة الحقوق والواجبات الناجمة عن هذا القانون , وبأنها تطبق على الجمعيات الإسلامية المقيدة في سجل الهيئات الدينية بوزارة العدل الإسبانية , والمنتسبة ( للهيئة الإسلامية في إسبانيا ) عن طريق الانتماء لأحد الاتحادين الإسلاميين الموجودين حالياً والتي ستكون مستقبلاً , أو تنتسب للهيئة الإسلامية مباشرة .

         كما تعطي الحق بتوثيق الغرض الديني الذي يقتضيه المرسوم الملكي رقم 142/1981 الصادر في 9 يناير / كانون الثاني , بغرض تسجيل الروابط الدينية الإسلامية .

المادة الثانية  :  المساجد .   
         وهي موزعة على بنود , وتنص على اعتبار الأبنية المخصصة للعبادة وأداء الصلوات اليومية والتكوين الإسلامي والرعاية التابعة للجمعيات الإسلامية كمساجد لها الصفة الدينية الإسلامية وتتمتع هذه المساجد بالحصانة بمقتضى القانون ولا يمكن انتزاعها قسراً إلا بإذن الهيئة الإسلامية , للأسباب الطارئة المستعجلة والحظر . كما تستثنى من المادة 119 من قانون الانتزاع القسري القاضية بإمكان انتزاع المباني وشغلها بصورة مؤقتة واستخدامها لأغراض معينة .

         وتبين المادة أيضاً حماية محفوظات ووثائق الهيئة الإسلامية والجمعيات المنتسبة لها .

         كما تنص نفس المادة على أن المقابر الإسلامية تتمتع بالامتيازات القانونية التي تنص عليها المادة الخامسة من القانون , وتعترف بحق الجمعيات الإسلامية المنتمية للهيئة الإسلامية في إسبانيا , بحق استقطاع أراضي تخصص للدفن الإسلامي في المقابر البلدية , وكذلك حق امتلاك مقابر إسلامية خاصة وتنص أيضاً على اتخاذ الاجراءات اللازمة للمحافظة على القواعد الإسلامية في التشييع والدفن وسائر الأمور المتعلقة بذلك والتي يحق نقل أموات المسلمين إلى مقابر الجمعيات الإسلامية , سواء الذين دفنوا في المقابر العامة التابعة للبلدية أو الذين قد يتوفون في مكان لاتوجد فيه مقبرة إسلامية , حسبما تنص عليه التشريعات المحلية والصحية .

المادة الثالثة  :  القادة الإسلاميون والأئمة  :

       تعتبر المادة الثالثة قادة إسلاميين وأئمة , الأشخاص الذين يسهرون بصفة دائمة على إدارة الجمعيات الإسلامية المشار إليها في المادة الأولى من هذا الاتفاق , وهم يؤمون الناس بالصلاة ويقومون بإرشادهم وتكوينهم ورعايتهم دينياً وتثبت لهم هذه الصفة بشهادة مقدمة من قبل الجمعية التي ينتمون إليها , مصدقة من الهيئة الإسلامية في إسبانيا .

         وتضمن المادة عدم استجواب القادة والأئمة , في أي حال من الأحوال بخصوص الأشياء التي أبيح لها بها أثناء ممارستهم لمهامهم الإسلامية , وذلك في الإطار القانوني المنصوص عليه بالنسبة لسر المهنة .


المادة الرابعة   :   الأئمة والخدمة العسكرية .
       تمنح هذه المادة الأئمة أو القادة الدينيين المسلمين إمكانية القيام بمهمة دينية بدل أداء الخدمة العسكرية الإجبارية وذلك في نطاق الجيش . وتؤجل من يقوم بالدراسة الدينية أسوة بغيره .

المادة الخامسة :  الأئمة والرعاية الاجتماعية .
       تمنح العاملين كأئمة دائمين حقوق الرعاية الاجتماعية المنصوص عليها في القانون .

المادة السادسة  :  الوظيفة الدينية .
         تعتبر وظائف إسلامية في نظر القانون  , كافة الأمور التعبدية والتكوينية الدينية بما فيها الرعاية والتي تنسجم مع الشريعة الإسلامية وتعاليم الدين والمستوحاة من القرآن والسنة والمحمية بالقانون الأساسي للحرية الدينية .

المادة السابعة  :  الزواج الإسلامي . 
         تعطي الزواج الإسلامي المعقود حسب الشريعة الإسلامية الطابع القانوني فيسجل في السجلات المدنية ويحظى بكافة الامتيازات  والحقوق التي تنص عليها القوانين .

المادة الثامنة  :  الرعاية للجنود المسلمين .
         تخول القائمين بأمور الإشراف والتوجيه الديني الإسلامي بالسهر والرعاية للمسلمين الموجودين في الخدمة العسكرية وترخص لهم بأداء واجباتهم الدينية الإسلامية وخاصة صلاة الجمعة بحيث يستطيعون الالتحاق بأقرب مسجد إن لم يتوفر في الثكنة العسكرية مسجد تؤدى فيه الصلاة .

المادة التاسعة  :  الرعاية للمسلمين في المؤسسات العامة .
         تكفل الرعاية الدينية للمعتقلين في السجون والمرضى في المستشفيات ودور الرعاية وما شابهها من القطاع الحكومي العام ويشرف على ذلك أئمة أو أشخاص تعينهم الجهة الإسلامية .

المادة العاشرة  :  تعليم الدين الإسلامي  . 
     
         تكفل للتلاميذ المسلمين ولآبائهم وكذا للأجهزة المدرسية المتنفذة , الحق بتلقي الأوائل أي التلاميذ التعليم الديني الإسلامي في مراكز التعليم العامة والخاصة المعترف بها .

المادة الحادية عشرة:  إعفاء من بعض الضرائب .

         تمنح المادة حق جمع التبرعات للجمعيات الإسلامية , وتعفيها من الضرائب العقارية والخاصة بالملكية العقارية ومن ضريبة الشركات , وضريبة المباني وملحقاتها المخصصة للعبادة وعلى نقل الإرث والوثائق القانونية المتعلقة به .


المادة الثانية عشرة : الأعياد الإسلامية . 
                             
         تمنح هذه المادة للعمال المسلمين الحق بالتوقف عن العمل أثناء وقت صلاة الجمعة وساعة قبل الغروب خلال شهر رمضان وذلك بناءً على اتفاق بين العامل ورب العمل .
وكذلك استبدال أيام الأعياد ذات الصفة العامة بالأعياد الإسلامية , وللطلبة حق طلب العطلة في هذه الأيام وأن لاتجري امتحانات عامة فيها .

المادة الثالثة عشرة  :  الإرث الثقافي الإسلامي .
          تنص على إقامة تعاون بين الدولة والهيئة الإسلامية من أجل الحفاظ على التراث
التاريخي والفني والثقافي الإسلامي في إسبانيا , لجعله  في متناول المجتمع بغرض تأمله
ودراسته .

المادة الرابعة عشرة  : الحلال .

          تنص على منح اعتبار قانوني للأطعمة الإسلامية ( الحلال ) بتوفير الذبح الشرعي
وتسجيل الإشارة الخاصة بذلك , وتوفير الطعام الحلال في المؤسسات الحكومية كالمشافي
والمدارس والجيش وسواها ومراعاة أوقات الوجبات خلال شهر رمضان شهر الصوم لكافة
المسلمين .

        تذيل مواد القانون بثلاثة أحكام ختامية  :

          تقضي بواجب الحكومة بإعلام الهيئة الإسلامية في إسبانيا بما يجد من قوانين تمس
هذا الاتفاق لإبداء رأيها فيها .

          أما الثانية   : فتجعل هذا الاتفاق قابلاً للمراجعة الجزئية أو الكلية بناءً على طلب
أي من الطرفين .

          أما الثالثة  : فتقضي  بتشكيل لجنة من الدولة والهيئة الإسلامية لتطبيق ومتابعة هذا
الاتفاق .


4 ـ الفوائد والميزات

ـ  معنى اتفاق تعاون الدولة الإسبانية مع الهيئة الإسلامية في إسبانيا:                            
1 ـ إنه طريق هام نحو الحصول على الحريات كاملة وعلى رأسها الحرية الدينية  .

2 ـ انفراد هذه الحالة في أوربا , وخاصة أن القانون بمواده الأربعة عشر يتضمن الحقوق
     ذات الطبيعة الدينية البحتة كلها .

3 ـ يُعد غطاءً قانونياً بمقتضى النظام التشريعي الإسباني , بحيث يحفظ الحقوق الدينية
للمواطنين المسلمين الإسبان أسوة بسائر الأديان المعترف بها .

4 ـ تكمن في نص القانون , إمكانية تطويره وتحسين محتواه , واعتباره نقطة انطلاق في
مجاله .                            

5 ـ إن تشكيل لجنة متابعة تنفيذ القانون ممثلة بمندوبين من الجانبين الإسلامي والرسمي
تكفل فعالية تطبيق القانون والسهر على ذلك .

ـ ومن ميزاته  :
                  
ـ استقلال المسلمين بشؤونهم الذاتية , واعتماد طريق التمثيل المشترك الذي يمنع استثناء
جهة بتوجيه شؤون المسلمين بمفردها , مما يدفع إلى التنافس في خدمة المسلمين والدفاع عن
قضاياهم .


ـ يُمكن من دوام الصلة بين السلطات الرسمية , والهيئة الإسلامية في إسبانيا ليس على
المستوى القانوني فحسب , وإنما في كافة نواحي الحياة الإجتماعية .

ـ يضع المسلمين في صف واحد مع سائر الأديان المعترف بها في المحافل الرسمية
كالبرلمان والحكومة وسائر أجهزة الدولة وذلك من منطلق التعددية الدينية بالإضافة للتعددية
السياسية .  

ـ يفتح مجال التعاون والحوار بين أتباع الديانات المختلفة نداً لندٍ في مستوى مماثل في
الحقوق والواجبات .

ـ يفتح آفاقاً جديدة أمام الراغبين باعتناق الإسلام , على أساس أنه دين معترف به من
السلطات مما يشجع المترددين على اتخاذ المبادرة وإشهار إسلامهم فهو وسيلة دعوية غير
مباشرة  .
ـ خطوة عظيمة نحو توطين الإسلام في أوربا , وتعميق جذوره في المجتمعات الأوربية .
ـ وسيكون دور الأجيال المقبلة في تعميق هذا التوجه والاستفادة منه .
ـ بتكوين فريق مختص واع يتابع في المجالات المختلفة .
ـ وبإيجاد وعي متنام يسمح بقطف ثمرات هذا الجهد الصابر الدؤوب .

              وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين  .
                          
                                  رياج ططــــري        

التطور القانوني للحرية الدينية في إسبانيا-2

     2 ـ قانون التعاون

لم تطلب الجمعية الإسلامية في إسبانيا , ولا المؤسسات الإسلامية الأخرى , حين تقديم طلب " الاعتراف الرسمي بالإسلام ممثلاً بها أو بإحداها على التحديد , وإنما طالت جميع الجمعيات التي قدمت طلباً رسمياً لوزارة العدل الإسبانية , إعلان الاعتراف الرسمي بالدين الإسلامي " .

ولو حصل هذا الأمر , أي لو تقدمت كل جهة أو جمعية بطلب الاعتراف بالإسلام ممثلاً بها , لكان من الصعوبة بمكان الوفاء بالشروط المطلوبة لهذا الإعلان والمنصوص عليها في قانون الحرية الدينية , من قبل جمعية واحدة أو عدد محدد من الجمعيات .

ولكن الاعتراف جاء من قبل جميع من تقدم به , بالاعتراف بالوجود الواضح للدين الإسلامي , وهو المعتقد والدين المشترك بينها جميعاً , وهو وعاء كافة الجمعيات والهيئات الإسلامية القائمة , مع الاحتفاظ بالنظام الداخلي لكل منها دون مساس .

غير أنه في هذه الحالة ـ حالة تعدد المؤسسات الإسلامية ـ لايمكن للدولة عقد اتفاق مع الدين الإسلامي " كمعتقد ديني " .  لذا فإنه يتحتم ايجاد صيغة مناسبة لتحقيق الاتفاق . وهذه الصيغة كانت : إقامة اتحاد بين مختلف الجمعيات والمراكز والهيئات الموجودة في إسبانيا , المنتمية لنفس المعتقد الإسلامي , والراغبة في إجراء اتفاق تعاون مع الدولة .

إن هذا الاتحاد يسهل بصورة كبيرة إمكانية الاعتراف العملي وعدم الاكتفاء بالاعتراف النظري بالوجود الواضح للإسلام في إسبانيا , كان الوصول إلى اتفاق التعاون مع الدولة لتحصيل الحقوق التي ينص عليها قانون الحرية الدينية .

ولقد أشارت الدراسة  المقدمة للجنة الاستشارية للحرية الدينية بأنه :
" من الضروري التنبيه إلى أنه ضمن نفس المعتقد أو الدين , يمكن وجود تيارات متنوعة , تختلف في طريقة تفسير تعاليم الدين ومصادره , غير أن هذا لايؤدي إلى أن كل واحدة من هذه التفسيرات التي تستنبط من الدين يمكن فهمها كخروج عن أصل الدين الذي تنتسب إليه كل هذه التيارات .

الهيئة الإسلامية في إسبانيا  :        

         ونظراً لأن الدولة يجب أن تتفاوض , وفي حينه , وتوقع اتفاق تعاون مع ممثل إسلامي واحد , يتولى مسؤولية كافة الحقوق والواجبات المترتبة على هذا الاتفاق لكاف الجمعيات الإسلامية المنتسبة لسجل الهيئات الدينية في وزارة العدل , فقد كان لزاماً علينا ايجاد ممثلين شرعيين لمختلف الجمعيات الإسلامية يحظون بصلاحيات كافية من قبل أجهزتهم الإدارية , وهم بدورهم يتفقون على تعيين الأعضاء الذين سيقومون بتمثيل المسلمين ويشكلون لجنة مخولة بالمفاوضات , وتوقيع اتفاق التعاون مع الدولة الإسبانية 

         ولتوفير هذا الشرط الحكومي , وإقامة الهيئة القانونية الوحيدة , التي تتولى مسؤولية الحقوق والواجبات الناجمة عن هذا التمثيل والقيام بتنفيذها , فقد تمّ إنشاء ـ وليس بدون صعوبة فنية جمّة نظراً لطبيعة تنظيم الجمعيات الإسلامية , ولتعدد وسعة وتنوع معايير هذه الجمعيات , ومزج هذه المعايير بين ماهو داخلي يتعلق بنظام الجمعية وإدارتها , والأهداف المشتركة كنيل الحقوق الفردية للمسلمين في إسبانيا ـ تمّ إنشاء الاتحاديين الإسلاميين :

        ( الفيدرالية الإسبانية للهيئات الإسلامية  ) و  ( إتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا ) وقد سجلا في سجل الهيئات الدينية في وزارة العدل الإسبانية بتاريخ 17/9/1989 , و 10/4/1991 م على التوالي , على الرغم من أن قيام الاتحاد كان بتاريخ 1/1/1981 م , ورفض تسجيله مرات بدعوى أن الجمعية الإسلامية في إسبانيا لها طابع فيدرالي .

         وفي 19/2/1992 تشكلت رسمياً من الاتحادين المذكورين واللذين يضمان أغلب الهيئات الدينية الإسلامية المسجلة في سجل الهيئات الدينية بوزارة العدل الإسبانية ( الهيئة الإسلامية في إسبانيا ) كهيئة قانونية وممثل وحيد للمسلمين في إسبانيا , وقد وقّع ممثلوها الشرعيون على اتفاق التعاون مع الدولة الإسبانية في مدريد بتاريخ 28/4/1992 .

مفاوضات اتفاق التعاون  :

         قدم الاتحادان الإسلاميان لإدارة الشؤون الدينية مشروعيهما لاتفاق التعاون , وعلى الرغم من الصعوبات الكثيرة الناجمة عن طبيعة المصطلحات الإسلامية , والتي كانت تعيق السير الصحيح للمفاوضات , فقد برزت أيضاً قضايا هامة ومحددة استغرقت الكثير من الوقت والجهد وهي  :

ـ  تعميم مجال تطبيق الاتفاق على الأشخاص العاديين الذين لاينتمون لهيئة إسلامية .
ـ  عقود الزواج الإسلامي , وتنظيم الإرث .
ـ  نظام التمويل , أو تعاون الدولة , بقرض دعم الجمعيات الإسلامية مالياً .
ـ اعتبار مقرر التعليم الديني الإسلامي كسائر المواد الدراسية الأخرى .

        بعد دراسة المشروعين الإسلاميين المقدمين لإدارة الشؤون الدينية , صرحت الإدارة بأن هذه القضايا , يمكن أن تسبب إشكالات رئيسية مع النظام القانوني العام والدستوري , وربما تصطدم معه في بعض الأمور بصورة جوهرية .
        
         وقد عللت الإدارة الدينية موقفها قائلة  :

في مجال تعميم إطار تطبيق قانون التعاون على الأشخاص والجمعيات التي لم تتبنَ الاتفاق , لأنها غير مسجلة في السجل الخاص بالهيئات الدينية , أو أنها مسجلة غير أنها لم تنضم للهيئة الإسلامية في إسبانيا , لكونها الجهة الموقعة على القانون , أو الشخص الذي لاينتمي لجمعية موقعة على الاتفاق أو لأحد الاتحاديين المشكلين للهيئة الإسلامية . نظراً لطبيعة القانون وكونه اتفاق بين طرفين , فلا يمكن إجبار فرد أو جماعة على أمر لم يختارونه بمحض رغبتهم أو إرادتهم .

     أما بخصوص الامتناع عن أداء الخدمة العسكرية من قبل المواطنين المسلمين بسبب عقيدي , حسبما ورد في المادة المعينة في المشروع الإسلامي المقدم , فهذا لايتوافق مع نص دستوري , يكرس ويدعم واجب كل المواطنين الإسبان , بالدفاع عن وطنهم , ويعفون من هذا الواجب فقط , والتي يمكن , في حينه , لأي إسباني مسلم الأخذ به كأي مواطن إسباني آخر , دون ضرورة ذكر هذا الحق في نص الاتفاق المزمع توقيعه .
لها طبيعة دينية في التشريع الإسباني النافذ , لذلك لن تكون موضوع بحث في الاتفاق المقترح , لأنها أمور تتبع الحقوق المدنية فحسب .

وفيما يتعلق بمحتوى عقد الزواج الإسلامي , وكذا تنظيم الإرث بأنواعه ,فهذه قضايا ليس
والمسلمون بإمكانهم إجراء عقود الزواج , بالشروط التي يرونها والكيفية التي يختارونها , ولن تتدخل الدولة بذلك وإنما تلتزم لمن أراد أن يأخذ للزواج الإسلامي الصفة المدنية أن يوفر الشروط التي يطلبها السجل المدني بهذا الصدد . وبالنسبة للإرث فإن كتابته  أمام كاتب العدل يضمن تنفيذه بالشروط الإسلامية المنصوص عليها , والمبينة في الكتابة الرسمية التي تحمل إلى التنفيذ عند اللزوم , وذلك كما هو معتمد لسائر المواطنين الإسبان.

أما فيما يخص مايسميه المشروع الإسلامي (( بالنظام التمويلي )) أو تعاون الدولة بالدعم المالي للجمعيات الإسلامية , فإنه يجب لفت النظر إلى كون الدولة ( لائكية ) وتعاون السلطات العامة مع المعتقدات الدينية ـ  بصورة عامة  ـ تنظمها المادة 16 والفقرة 3 من الدستور , وتقتصر في هذا الصدد على ماتمليه المادة 7 الفقرة 2 من القانون العضوي للحرية الدينية .

وهذا يعني منح الإعفاءات الضريبية , التي ينص عليها التشريع العام للهيئات ذات النفع العام , وغير التجارية , ولا تشمل أي نوع من المساعدات بله التمويل المالي للنشاطات الدينية .

وهذا التصرف هو المتبنى في اتفاقات التعاون مع الاتحادين البروتستانتي واليهودي
أما التعاون الاقتصادي المباشر مع الكنيسة الكاثوليكية والذي تتلقى بموجبه عمليات مباشرة من الحكومة المركزية , فهو مختلف نظراً للظروف التاريخية المتنوعة التي صاغت العلاقة بين الكنيسة والدولة , خاصة وأن الكنيسة كانت تتلقى مساعدات مباشرة من الدولة منذ أزمان بعيدة .

وفي حال التخلي عن مساعدتها الآن وبصورة مفاجئة , فقد يؤدي هذا إلى عدم ممارسة حق الحرية الدينية بصورة حقيقية وفاعلة , للأغلبية التي تعتنق الديانة الكاثوليكية , من الشعب الإسباني .

ولهذا فقد شمل الاتفاق مع الكنيسة الكاثوليكية نظاماً للمساعدات المالية , يتضمن مراحل متتابعة , هدفه النهائي الاعتماد علة التمويل الذاتي للكنيسة , كما جاء مشروحاً في الأسباب الموجبة للاتفاق المذكور, ويعبر عنه بمصطلح مراجعة نظام المساعدات الاقتصادية التي تتعهد بها الدولة لصالح الكنيسة الكاثوليكية .

ولذلك فإن الأمر لايتعلق بوضع نظام للتعاون الاقتصادي , إنما هو مراجعة له , وأساس ذلك مايوجد في الاتفاق من واجبات قانونية ملزمة للدولة في الماضي لايمكن تجاهلها , كما لايمكن إطلاق تنفيذها إلى حد غير نهائي .

وأخيراً , فيما يتعلق باعتبار مادة الدين الإسلامي كباقي المواد الدراسية المعتمدة , فإن الدولة لديها الرغبة , بل ولا يجب عليها التدخل في المهام التي لاعلاقة لها بها من قريب أو بعيد , سيما وأن برنامج التعليم  الديني الإسلامي وتعيين مدرسي الدين سيكون من جانب الهيئة الإسلامية في إسبانيا , والجمعيات المكونة لها .

وفي 28/10/1991 , بدأت المفاوضات بهدف الوصول إلى اتفاق التعاون بين اللجنتين المفاوضتين الإسلامية والحكومية , وبعد عدة جلسات من المفاوضات تمت فيها دراسة المشروع الإسلامي مادة مادة والموافقة عليها من قبل اللجنتين المفاوضتين , وأصرت اللجنة الإسلامية المفاوضة على موضوعين هامين وضروريين :

     الأول  : المساهمة المباشرة من قبل الدولة في الدعم الاقتصادي للجمعيات الإسلامية الموقعة على الاتفاق .

     الثاني : انتماء معلمي الدين الإسلامي في المراكز التعليمية الحكومية والتي تتلقى مساعدة من الحكومة , لمجلس المعلمين فيها .

على إثر ذلك , قرر الجانب الرسمي أن لا يُضَمن  هذه المواضيع قانون التعاون , معللاً ذلك في المساواة بين هذا القانون والقوانين الأخرى الخاصة بالبروتستانت واليهود , وحال تضمينها للقانون الخاص بالمسلمين , سيتطلب الأمر تقديم طلب لمجلس الوزراء لدراسته والبث فيه , مما قد يطيل عملية المفاوضات ويفوت الفرصة على  توقيع الاتفاق في الوقت المناسب .

غير أن إصرار الجانب الإسلامي دفع الجانب الحكومي إلى ايقاف المفاوضات .

وأمام هذا الوضع , اجتمعت اللجنة الاستشارية للحرية الدينية , وبعد المداولات حول النقاط المطروحة , أخذت قرارات بإجماع أعضائها في جلستها المخصصة لمناقشة هذا الموضوع فقط وذلك في 13/12/1991 , مفادها :

1 ـ إن الممثل والناطق بإسم الجانب الإسلامي في المفاوضات , وتوقيع ومتابعة تنفيذ اتفاق التعاون بين الدولة والجمعيات الإسلامية المسجلة في وزارة العدل , يجب أن تكون هيئة قانونية واحدة تتحمل تبعات الحقوق والواجبات وتسأل عن تنفيذها .

2 ـ إن الاتحادين الإسلاميين اللذين يتدخلان في المفاوضات يجب أن يكونا شخصية قانونية ذاتية تكون ناطقة وممثلة وحيدة أمام الدولة .

3 ـ وفي حال عدم التمكن من إيجاد هذه الهيئة التمثيلية الوحيدة للجمعيات الإسلامية , أو تخلي أحد الاتحادين عن متابعة المفاوضات للأسباب التي يراها , فإن الدولة يمكنها متابعة المفاوضات ـ وفي حينه ـ توقيع اتفاق التعاون مع الاتحاد الذي يوافق على الطروحات الحكومية , ويتولى مسؤولية تطبيق المتفق عليه , طالما كانت الجهة ممثلة بصورة كافية للإسلام والمسلمين في إسبانيا .

     وستوضع في نص الاتفاق الآليات المناسبة , التي تكفل للجمعيات الإسلامية الراغبة بالانضمام له وللهيئة الممثلة ـ بدون شرط ـ سوى الموافقة على بنود الاتفاق , واحترام الحقوق الفردية للمواطنين الإسبان المسلمين .

بعد مضي خمسة أشهر من بدء المفاوضات , تمكنت اللجنتان المفاوضتان الرسمية والإسلامية من توقيع المواد الأربعة عشر المكونة لقانون التعاون وكان مقر الإدارة العامة للشؤون الدينية في مبنى وزارة العدل في 20/2/1992 .

وفي حفل رسمي كبير عقد في 28/4/1992  مثل فيه الحكومة الإسبانية وزير العدل فيها تم توقيع اتفاق التعاون للدولة الإسبانية مع الهيئة الإسلامية في إسبانيا , وتمت بعد ذلك المصادقة عليه من قبل البرلمان الإسباني , حيث حظي على 265 صوتاً مؤيداً , مقابل صوت واحد , وامتناع عضو واحد عن التصويت .

بعد ذلك وقع عليه ملك إسبانيا خوان كارلوس الأول في 10/11/1992 وصدر في الجريدة الرسمية في 12/11/1992 ليدخل حيز التنفيذ في اليوم التالي انشره .

رياج ططــــري

التطور القانوني للحرية الدينية في إسبانيا-1

1 ـ  الإعتراف بالإسلام   :

         إن توقيع اتفاق التعاون بين الدولة الإسبانية والهيئة الإسلامية في إسبانيا له معان عديدة أهمها أنه جاء في عام فريد هو عام 1992 .. وهو يعني مرور خمسة قرون على انتهاء الحكم  الإسلامي في إسبانيا .
        
         هذا العام يعيد إلى ذاكرتنا نظامين قانونين مختلفين حكما حياة المسلمين في إسبانيا :
        
أولهما  :   أثناء الوجود الإسلامي  في أطواره المختلفة ودوله المتعددة , والذي انتهى العمل به  عند سقوط مملكة بني الأحمر في غرناطة عام 1942 م .

وأما الثاني : فهو النظام القانوني لحياة المسلمين الذي نجم عن الاتفاق بين آخر ملوك غرناطة والملوك الكاثوليك , والمتعلق بالمسلمين الذين بقوا في الأندلس تحت الحكم الكاثوليكي , هذا النظام الذي لم يطبق أبداً , أثار من المشكلات مايصعب حصره في الماضي ومازال المؤرخون يتناولونه بالتفصيل والبحث والدراسة في وقتنا الحالي .

وهذا النظام , الذي كان يجب أن يتمتع به المسلمون خلال قرنين من الزمان , انتهى بإبعادهم أو قتلهم أو تشريدهم , وقد حدث هذا رسمياً عند طرد من تبقى من المسلمين ( الموريسكيين ) في عام 1906 م .

إن الاتفاق المبرم في 28/4/1992 بين الحكومة الإسبانية والهيئة الإسلامية في إسبانيا , والذي وقع من قبل خوان كارلوس الأول ملك إسبانيا في 10/11/1992 , ونشر في الجريدة الرسمية للدولة في 12/11/1992 , يحدد نظاماً قانونياً جديداً للمسلمين في إسبانيا , ويفتح الطريق نحو التعددية الدينية المفتقدة في هذه البلاد منذ زوال الحكم الإسلامي , أي منذ خمسة قرون .

وفعلاً وقبل أيام من نشر قانون التعاون , ألقى الملك الإسباني في " المدينة الزاهرة " في حفل تذكاري خاص باختتام عام " الأندلس 1992 " خطاباً دافع فيه عن المشروع الحضاري المتعدد الوجوه لإسبانيا الإسبانية قال فيه :

( الأندلس هو اليوم بالإضافة للماضي يعني بالنسبة لنا مواطنونا المسلمون الذين يشكلون جزءاً من مشروع حياة يتمتعون بالحرية والاحترام لمعتقداتهم كباقي المواطنين في بلد ديمقراطي , أولئك الذين يحظون بإعجاب ملكهم لما يبذلونه من تضحية في دعم الجهد المشترك والتضامني ) .


التطور القانوني المعاصر  : لم يكن للمسلمين ولا لسواهم باستثناء الكاثوليك , تنظيم ديني معين , وذلك حتى صدور القانون الأول رقم 44 / تاريخ 28/6/1967 , في عهد الجنرال فرانكو وكان قاصراً على السماح بتشكيل الجمعيات الدينية غير الكاثوليكية وتسجيلها في سجل خاص أنشئ لهذا الغرض .

وحتى هذا التاريخ ماكان للمسلمين سوى مراكز ثقافية ذات طابع وطني أجنبي , تحمل عناوين طلابية أو عمالية وغير واضحة المعالم الدينية الإسبانية .

وقد سجلت الجمعيات الأولى بمقتضيات هذا القانون , فكانت جمعيتنا سبته ومليلة , المدينتان الخاضعتان للحكم  الإسباني في شمال المغرب , ذات الطابع المحلي في عام 1968 و 1971 على التوالي , بينما كانت " الجمعية الإسبانية في إسبانيا " الجمعية الإسلامية الأولى التي سجلت في شبه الجزيرة الايبيرية بطابع يشمل كافة الأراضي الإسبانية والتي مقرها الرئيسي في مدريد عام 1971 .

وحتى نهاية السبعينات لم تظهر في سجل وزارة العدل للهيئات الدينية أية جمعية ديمية جديدة , ولكن عند توقيع اتفاق التعاون , وصل عدد الجمعيات الإسلامية المسجلة في سجل الهيئات الدينية في وزارة العدل إلى أربعين جمعية منتشرة في كافة التراب الإسباني .

تعيش إسبانيا منذ وفاة الجنرال فرانكو وتسلم الملك خوان كارلوس لزمام السلطة عهداً جديداً يقوم على سوقة بإصدار الدستور في عام 1978 , الذي يكفل في المادة 16 منه " الحرية الدينية والتعبدية للأفراد والجماعات " .

وفي عام 1975 وتطويراً للأمر الدستوري المتوقع , شكلت لجنة خاصة لإعداد مشروع قانوني عضوي للحرية الدينية , وبالفعل تألفت اللجنة من ممثلين من مختلف الأديان الموجودة في إسبانيا , وعن طريق ممثلي الجمعية الإسلامية في إسبانيا , حصلت اللجنة على أجوبة الأسئلة والقضايا التي عرضت عليها عند صياغة مواد مشروع القانون المذكور .

وفي 24/7/1980 , نشر القانون في الجريدة الرسمية برقم 7/1980 تاريخ 5 تموز / يوليو باسم القانون العضوي للحرية الدينية , وبذلك نسخ قانون 44/1967 ـ 28 حزيران / يونيو , وكافة الأحكام والمراسيم التي تعارض القانون الجديد .

وبمقتضى المادة الثامنة من قانون الحرية الدينية , التي تنص على إنشاء لجنة استشارية للحرية الدينية , ذات طبيعة دائمة تابعة لوزارة العدل الإسبانية , فقد تأسست هذه اللجنة , وتشكلت من ثلاث فئات فئة للمثلين الدينيين وفئة للخبراء وفئة للوزارات المعنية , وكان كرسي التمثيل الإسلامي من نصيب " الجمعية الإسلامية في إسبانيا " .

الوجود الواضح للإسلام في إسبانيا :

من بين صلاحيات اللجنة الاستشارية للحرية الدينية الهامة , دراسة وتقديم التقارير والمقترحات المتعلقة بكافة المسائل ذات الصلة بقانون الحرية الدينية , وبصفة واضحة وجلية , إعداد وإقرار واتفاقات ومعاهدات التعاون التي تشير إليها المادة السابقة من القانون والتي تقول في الفقرة الأولى منه بأن :


         " الدولة , واضعة في الاعتبار , المعتقدات الدينية الموجودة في المجتمع الإسباني , ستقيم ـ في حينه ـ اتفاقات ومعاهدات للتعاون مع الكنائس , والمعتقدات , والجماعات الدينية المنسبة للسجل الخاص , والتي نظراً لسعة انتشارها وعدد معتنقيها يكون لها وجود واضح في إسبانيا ! . "


         وقد وجدت الجمعية الإسلامية في إسبانيا ضرورة التفاوض مع الدولة الإسبانية للحصول على الحقوق المنصوص عليها في قانون الحرية الدينية , عن طريق توقيع اتفاق تعاون , ولذلك فقد خطت خطوة لم يمكن تجاوزها , ألا وهي إعلان ( الإسلام في إسبانيا ديناً يحظى بالوجود الواضح فيها ) .

         هذا السبب دفع القائمين على إدارة الجمعية لتقديم طلب رسمي لإدارة الشؤون الدينية في 20 نيسان / أبريل 1989 مبينة فيه الأسباب الآتية : ـ

         ( إن الدين الإسلامي هو من المعتقدات الروحانية التي كونت الشخصية التاريخية الإسبانية , فثقافتنا وقيمنا لاتنفصل عن الأصول الدينية التي حرثت الجوهر العميق للشعب والكائن الإسباني .

         إن الدين الإسلامي , لسعة انتشاره وعدد معتنقيه , أصبح في الوقت الحالي الوجود الواضح في إسبانيا , بإسم الجمعية الإسلامية في إسبانيا , مع مراعاة المنصوص عليه في المادة 16 الفقرة الثالثة من دستورنا , والمادة السابقة من القانون العضوي رقم 7/80 الصادر في الخامس من تموز / يوليو المتعلق بالحرية الدينية , لذلك ولفعاليات إقامة اتفاقيات أو معاهدات للتعاون , حسب المنصوص عليه في نظامنا القانوني النافذ .

         فإننا نطلب : أنه بعد اتخاذ الاجراءات المناسبة , إعلان الدين الإسلامي في إسبانيا , ديناً واضح الوجود في المجتمع الإسباني كمعتقد ديني . ) .

         وبنفس الوقت الذي تقدمت فيه الجمعية بالكتاب الرسمي للإدارة الدينية , توجهت إلى كافة الهيئات والمنظمات الإسلامية  العاملة  في إسبانيا , لدعم طلبها وذلك عن طريق وسائل الاتصال الاجتماعية وخاصة وكالة الأنباء شبه الرسمية " إيفي " .

         وبعد اتخاذ الاجراءات المناسبة , اجتمعت اللجنة الاستشارية للحرية الدينية في 14 تموز / يوليو 1989 بغرض دراسة جدول أعمالها المكّون من بند واحد فحسب وهو :
( مناقشة وإقرار إعلان الإسلام ديناً واضح الوجود في إسبانيا  ) 

         وبالفعل وبعد مناقشة البحث وبعد مناقشة البحث المقدم عن الوجود الواضح للدين الإسلامي في إسبانيا الذي أعده  كل من  آنا فيرنانديث غونثالث  و ديونيسيو ياماثاؤيث فيرنانديث , توصلا للنتائج التالية :

         " من الواجب القول بأن الدين الإسلامي موجود في إسبانيا منذ القرن الثامن , وانتشر بصورة كبيرة خلال القرون الأولى لوجوده , ومازال بصورة مستمرة بشكل أكبر أو أصغر حسب الفترات الزمنية , والأحوال التاريخية التي أبقت على وجوده بدون انقطاع حتى أيامنا هذه .

         وتجدر الإشارة إلى أن الجمعيات الإسلامية تنتشر في أجزاء كبيرة من التراب الإسباني , وخاصة في الثلث الجنوبي من شبه الجزيرة الايبيرية , كما يوجد ـ حسب رأينا ـ وعي بالوجود الإسلامي من قبل نسبة كبيرة من المواطنين الإسبان , ويعلمون بأن الدين الإسلامي هو واحد من المعتقدات الدينية الروحانية التي تجذّرت تاريخياً في إسبانيا , والتي بقيت حتى وقتنا الحاضر .

     إن أي فرد إسباني متوسط الثقافة , يدرك بسهولة وجود الدين الإسلامي في إسبانيا " .
إن المعطيات السابقة الذكر كافية , بل وتفي بالشروط المطلوبة في المادة السابقة والفقرة الأولى من قانون الحرية الدينية .
ولكن واضعي البحث يضيعون عوامل أخرى تؤيد فكرة زيادة معتنقي الإسلام في إسبانيا , وبالتالي اتساع انتشاره في الأراضي الإسبانية, مما سيؤدي بالضرورة لاستقراره في المستقبل القريب :

1 ـ لاشك ـ من وجهة نظر موضوعية ـ بأنه يجب الاعتراف في الوقت الحاضر بأهمية الدين الإسلامي في العالم , وحركته التوسعية التي تزداد خاصة في الأعوام الأخيرة.

إن عدد المسلمين في أيامنا هذه يزيد على 900 مليون مسلم يتوزعون بنسب تقل أو تكثر في جميع أنحاء العالم . فالأمر يتعلق إذاً بدين ـ ليس فحسب من الأديان الأكثر قدماً ـ بل أيضاً يتمتع باستقرار مبرهن عليه وكفالة للاستمرار والانتشار الهام في المستقبل .

2 ـ القرب الجغرافي لإسبانيا من الأرض المركزية  للبلدان الإسلامية , ووجود الأراضي الإسبانية في شمال أفريقيا , بالإضافة لنظام العلاقات الحالي القائم في إسبانيا بين الدولة والأديان , والموجه وفق مبادئ الحرية الدينية , والمساواة الدينية , ولائكية الدولة , كل ذلك يوفر جواً لصالح نمو دين متجذر منذ القديم في هذا البلد .

3 ـ وختاماً فإن الهجرة الآتية من البلدان الإسلامية , وخصوصاً من شمال القارة الأفريقية  إلى إسبانيا , يفترض أن تزيد من عدد المسلمين في المستقبل . " .

وبعد دراسة ومناقشة البحث المقدم , أعلنت اللجنة الاستشارية للحرية الدينية بإجماع أعضائها : ( الإسلام ديناً واضح الوجود في إسبانيا  ) .
رياج ططــــري

viernes, 25 de febrero de 2011

نظرات في العمل الجماعي



عندما تقرأ بحثاً في موضوع “ العمل الجماعي ” ، في آدابه وشروطه وحث النصوص الكريمة عليه والأمثلة الحية التي تضرب من حياة الصحابة في تطبيق ذلك، تنتشي أنفسنا وترتاح أفئدتنا ، فمنّا من يعقد العزم على تمثل ما قرأ في شخصه حالاً ، ومنّا من يرى ما يقوم به من عمل إنما هو مثال صادق لما يقرأ ، ومنا من يرى في ذلك ضرباً من النظرية لا تطبيق له في واقعنا الحالي .

ونحن - في كلامنا هذا - لن نخوض في تحليل كل موقف أسبابه ودوافعه فلذلك مقال آخر بإذن اللَّه ، إنما نعرض الآن لأمر نراه حيوياً في عملية نقل الفكر النظري المسبوك في قوالب مختلفة في معظمها قوالب تقريرية وصفية ، أي تقرر الآداب واحداً فواحداً ، وتعرض الشروط التي يجب أن تتوفر فيمن يمارسون العمل الجماعي ، ونضرب أمثلة من هنا وهناك ، جلّها مستقى من حياة الرعيل الأول الذي رباه رسول اللَّه r على عينيه ولكنها في كثير من الأحيان منتزعة من سياقها مما يفقدها كثيراً من الفائدة التي تتحصل عند دراستها في جوها وأشخاصها وما سبقها من حوادث وما نجم عنها من وقائع ، أي أن عرضها منزوعة من جوها الحي الذي حدثت فيه يفقدها الأبعاد الحقيقية للحادثة والفوائد التي يمكن أن نستنتج منها . ذلك أنه عند استلال المثل من سياقه ، يربط في كثير من الأحيان بخيال المتحدث وما يريد أن يدلل عليه بإيراده للنص ، وفي ذلك ليٌّ لأعناق النصوص وتسخيرها لما يريد ، مما قد يؤدي إلى الابتعاد عن جوهر النص ومبتغاه ، وفي ضرب المثل - بالإضافة لما ذكرنا آنفاً - ملاحظات :

أولها : اقتصار الأمثلة على كبار الصحابة مما يولد في نفس الإنسان شعوراً بعدم إمكانه الوصول إلى هذه القمم الشاهقة ، وبأنه لا طاقة له ولأمثاله على الاقتداء بها ، بله أن تكون شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم هي المحور وهي مضرب المثل الأوحد .

ثانيها : عدم إكثار الأمثلة من حياة الصحابة “ المغمورين ” الذين كانوا - هم أيضاً - محور الحياة اليومية ومضرب المثل في كثير من تفاصيلها وجزئياتها .

ثالثها : التركيز على الأمثال في الأمور الجلل ، وعدم ذكر أو الإقلال من ذكر القضايا التربوية البسيطة التي كان لها الدور الأبلغ في صقل النفوس وتثقيفها
رابعها : إهمال كثير من الجوانب العملية في الحياة الأسرية فيما يتعلق بجانب التربية على العمل الجماعي على الرغم من أنها هي المحضن الأساسي في هذا الجانب من التربية كما هي في سائر أمور التربية .

العمل الجماعي عمّ جميع المناحي :

والمطلع على جوانب التنفيذ والتربية - الإدارية والتنظيمية - وما حدث فيها من تطور في العقود الأخيرة ، يرى إدراج هذه الملاحظات وغيرها كثير ، في التطبيقات التي تأخذ مجراها في حياة الفرد والجماعة في المستويات كافة ، في البيت والمدرسة والمصنع والحقل والمكتب ، وفي جهاز الدولة الإداري ، وفي مجال النقابة والجمعيات ومختلف الأنشطة التي تمتاز بكونها لا تقوم إلا بروح جماعية يسودها التفاهم وينظم مسارها وعي بأهدافها مستوحى من خلفية ومعلومات يلتقي عليها جميع أو جلُّ من يساهم بالنشاط مهما كان نوعه .

لكل ما سبق فإننا نرى أن تسليط الأضواء على الجوانب الدقيقة والحوادث اليومية بأجزائها التفصيلية للتطبيقات التي تمارس في أعمالنا حلوها ومرها ، صحيحها وخطؤها ، نجاحها وفشلها ، كل هذه الوجوه تغني ثقافتنا في هذا المجال وتزيد من وعينا في الممارسة الواقعية للعمل الجماعي .

تنزيل المثال على الواقع :

في سرد حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على فئة من الشبان : وكيف لم يستثنِ المصطفى نفسه من المساهمة في العمل  الجماعي عندما كان وأصحابه خارج المدينة فتوزعوا بينهم العمل واستثنوا رسول اللَّه ، فاستنكر ذلك صلوات اللَّه وسلامه عليه وقال : « وعليّ جمع الحطب » .

إن هذا السرد الحي يولد الاستجابة بدافع وحماس كبيرين ويدفع الناس لتمثل حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والبحث عن تفاصيلها ويصل بعدها إلى أنه يستطيع أن يحتذي بسيرته وحياة الصحابة الكبار ويصبح بمقدوره الصعود إلى الأعلى دوماً وأبداً .

من حصيلة التجارب اليومية :

- مشاركة أفراد الهيئة - أي هيئة - في اتخاذ القرار - لكي يكون قراراً جماعياً - ولو أن ذلك الرأي كان رأي فرد واحد منه لأن تبنيها له يجعله رأياً جماعياً ويتلقى تأييد الأفراد كلهم له .

- يجب وضع اللوائح المنظمة قريبة المتناول واضحة الأسلوب ، مرتبة المادة ، قريبة المأخذ ليسهل التعامل معها بل وحفظها إن أمكن .

- عندما يطرح الرأي أخ معين ، يبسط فيه قناعته لا يعني هذا إلزام الآخرين به ، بل يجب أن يكون مفهوماً لدى الطارح وسائر الإخوة أنه مجرد عرض لرأي فإن تلقى القبول منهم أو من معظمهم أصبح ملكاً لهم جميعاً وغدا رأياً جماعياً .

- لأن مشاركة الآخرين نجاح وتعليم وتكريس لفكرة العمل الجماعي وخاصة إذا كان العرض بهدوء مع التحلي بالصبر والتؤدة في الشرح والبيان .

- كثير من الأحيان نغفل ونملّ من التعريف بالعمل الذي نقوم به ، ربما سهواً ، أو ربما لأن العمل يستغرق جهود من يجب أن يقوموا بالتعريف به ، مما يبعدهم وينسيهم القيام بهذا الأمر الضروري وهذا تقصير كبير لأن التعريف بالعمل والنشاط مجلبة لتعاون الآخرين ، وزود عنه وخاصة تجنب الاتهام لعدم العلم والمعرفة به فالمرء عدو ما يجهل .

- وإذا عرض التعريف في قوالب واضحة وسهلة من قبل أفراد ومؤسسات هم موضع ثقة الناس فإنه لا محالة إن لم يكسب التأييد القوي والتعاون فإنه أقل تقدير يدفع الأذى عن العمل . إن الخطأ الذي يقع فيه كثير من الإخوة القائمين على العمل - لمعرفتهم به وانغماسهم بأجزائه - أنهم يظنون أن الآخرين يدركون ذلك ولكن كيف ؟!

نصائح يجب أن توضع موضع التنفيذ :

- إن من أوجب واجبات العمل الجماعي ، بل يقف نجاحه وفعاليته على ذلك ، أن يوجد البدائل المكافئة والمتعددة ، وأن يعمل على عدم تركيز العمل في شخص واحد أو عدة أشخاص ، حتى إذا ما غادر الفرد أو هذه المجموعة الصغيرة اندثر العمل و اهتز ، أو على أضعف الاحتمالات يتأثر تأثراً ملموساً .

ونحن ندرك الصعوبات في هذا الأمر ، ولكن لا مندوحة عنه ولا مناص ولا بد من التذكير به مراراً وتكراراً حتى نتلافى الوقوع فيه .

- إدراك أن لكل أخ فترة “ شرة ” فيجب الانتباه لذلك من فعل إخوانه من أصحاب الهمة والإرادة والسابقة ، ومساعدته على التغلب على ذلك ، وعدم مساعدة الشيطان عليه .. ولا شك بأن من السلبيات التي تؤثر على العمل الجماعي وقوع الإخوة فريسة الفترات بين الحين والآخر ، مما يولد الملل والتراجع

- إن نقل المعلومات ، وإعطاء وقت كافٍ لكي تستوعب من سائر الإخوة بطريقة صحيحة ومبسطة ، بعد ربطها بما قبلها وما يراد منها لاحقاً كفيل بنجاح التعاون في تنفيذها ، وحذار حذار من الوقوع في خطأ الأحاديث الجانبية واستبدالها عن الموضع التي يجب أن تذكر فيه كالهيئة المعنية أو القناة التنظيمية .

- إحياء نية الاحتساب في العمل الجماعي والتذكير بثوابه الكبير ، وخاصة بتحمل المصاعب الناجمة عنه ، لأن الممارسة تنتج كثيراً مما يكرهه الفرد وما يسمع وخاصة أولئك الذين يتمتعون بحساسية كبيرة .
- إن نكران الذات والصبر على المكاره من شروط العمل الجماعي ، فليوطن كل عامل نفسه على التحلي بهذه الخصال ، لأنها كفيلة برأب الصدع ، وتلافي النقائص ، وسد الثغرات .

- ولا بد من إخوة يختاروا من قبل إخوانهم ليتفرغوا للعمل الذي يحتاج لصرف الجهد والوقت ، والمتابعة المتواصلة ، ليكونوا في مركز تنسيق الجهود التطوعية المحتسبة ، القادرين على الاستفادة منها وتوظيفها توظيفاً حسناً ، وبذلك تتضاعف الإمكانيات وتحسن إدارتها وتوزيعها ، ويتشجع كثير من الناس الراغبين في المشاركة في أي عمل من الأعمال من عرض ذواتهم للانخراط في هذا العمل عندما يرون نجاحه وتعدد الوجوه التي ينشط فيها ، فيجد مكانه المناسب بالقدر الذي يستطيعه دون إفراط ولا تفريط .

- ولعل الملاحظة الأخيرة تكمن في عملية تقويم العمل - أي عمل - بعد إنجازه ، أو خلال مراحل تنفيذه ، لأن عملية التقويم ترشد العمل كله ، وتجنبه الأخطار وتختصر الطريق في أعمال مستقبلية أخرى .

- وجميل في نهاية المطاف أن تصدر مذكرة بنتيجة العمل ونشرها ليطلع عليها من قاموا بتنفيذها أولاً ومن شارك بها والناس أجمعون
رياج ططــــري