التَّيار المُؤيِّد
إذا بدأنا أعمالنا بالاهتمام بتنظيم قاعدة واسعة عريضة من الناس ، تضم ملايين البشر ، فإنها لاشك ستكون عملية مستحيلة ، وقد عرفنا بالتجربة والخبرة والممارسة أن التجميع الكمي الذي يقوم على زيادة العدد فحسب في التنظيم ، لايجدي أبداً .
ونحن يهمنا أن ننظم أولاً :
القيادات القادرة على القيام بعملها والنجاح به ، وإعداد الأطر المتخصصة التي ترفد القيادات وتمنحها قوة نوعية ، بما تملك من نظرة موضوعية علمية للأمور التي تتعرض لها بالدراسة والتحليل.
هذه القيادات والأطر هي - برأينا – عناصر القاعدة المؤمنة التي تضحي وتلتزم وتعمل من أجل تحقيق الأهداف الكبرى للإسلام ، تلبية لأمر الله تعالى :
(( ولتكن منكم أمة يدعون الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، وأولئك هم المفلحون )) " آل عمران : 104 " .
إن العملية التنظيمية لابد أن تنجح ، إذا اتخذت الأسباب الكفيلة بنجاحها ، وخاصة لأنها مبنية على أسس سليمة ومجربة مسددة بالوحي ، ولأنه لايمكن أن نقوم كل يوم بتجارب جديدة ، ثم نحكم عليها بالفشل ، - أي العملية التنظيمية – بحاجة في وقتنا الحاضر إلى دفعة قوية لتنجح وتنطلق ، ولابد لنجاحها من خطة عمل واضحة لجميع العاملين المنضوين تحت لوائها ..
وأمامنا الآن أمور لابد من تحقيقها :
1ً– العمل الإسلامي المنظم .
2ً- القيادة الملتزمة .
3ً- التيار المؤيد .
إننا نحتاج إلى العمل الإسلامي المنظم الجاد ، حتى نتحرك ونسير في رسم طريقنا نحو النجاح ، مراعين تجنب الخطأ بكل طاقاتنا ، لأن أي خطأ يحدث ، سوف يستغل من أعداء التنظيم الإسلامي ، وسوف تعمل القوى المعادية للإسلام على تضخيمه وتحويل الناس عنه ، وهذه هي مسؤولية العاملين في الحقل الإسلامي ، وهي مسؤولية ذات طابع فردي وجماعي بآن معاً .
إن المجتمعات الإسلامية المعاصرة مليئة بالتناقضات ، ولا يمكننا إزالة هذه التناقضات إلا عن طريق توعية الناس ، لكي يدركوا المدارك الحقيقية لعملنا الإسلامي ، وفي هذا السلوك تكمن قدرة القيادات العالية والوسطى الواعية المؤمنة بأهداف الإسلام الكبرى في أن يعرّفوا الناس بالايجابيات التي تسعى لتحقيقها القدوات الإسلامية ، والسلبيات التي تحيق بالمجتمعات المسلمة .
إن نجاح العمل الإسلامي في أية مرحلة من مراحله ، وفي أي مستوى من مستوياته ، مرهون بقدرة العناصر القيادية الفاعلة على التأثير في شرائح المجتمع المختلفة ، وتكوين الرأي العام فيها ، أي قدرة القيادة على الولوج إلى قلب المجتمع ، وربط الصلة الحميمة بقواعده المختلفة ، والعمل الدائب في كل جزء من أجزائه لإزالة الانحراف بكل صوره ، وتوجيه الدفة نحو الخير والصلاح ، وهذا الهدف لايتم التوصل إليه ، إلا بالتنظيم الدقيق المتقن ، والسهر المستمر المضني ، حتى يبلغ الأمر تمامه .
والسؤال الملح الهام ، كيف نوجد العناصر القيادية القادرة في كل مجال وعلى كل صعيد ؟ وكيف نعدها لتكون قدوات صالحة ذات كفاءة عالية ، قادرة على توجيه الناس الوجهة الصحيحة ؟ إننا إذا استطعنا ابتداء توفير العدد الكافي من القيادات في كل قطاعات وشرائح الأمة ، لأمكننا بالتالي ، توجيه الأمة نحو الطريق الصحيح ..غير أن الخطر الذي يداهمنا في تحقيق هذه الغاية ، هو وجود كثير من العناصر التي تتمتع بكفاءة قيادية عالية ، غير أنها انتهازية الطبع ، تحاول الظهور والتسلق على حساب العناصر التقية الصالحة .
لهذا فنحن أمام مشكلة جد عويصة ، ونجاحنا في حلها مرهون تجاوزنا لعقبات كبيرة على طريق ايجاد القيادات الفاعلة الملتزمة ، وبالتالي على طريق التغيير المنشود .
إننا بحاجة إلى القدوة المؤمنة المخلصة الواعية القادرة على التنظيم والقيادة، التي تكون بمثابة العصب في الجسم ، ومنها ومن أمثالها تتكون القيادة المؤثرة في جماهير الأمة ، المدركة لحقائق الأحوال والأمور ، والقادرة على ربط الصلة الدائمة بهؤلاء بكل إحساس ومسؤولية ، وليس شرطاً أن تكون عدد هذه العناصر كبيراً ، فالواقع العملي لايحتاج إلى أعداد ضخمة ، إنما إلى عدد متجانس متفاهم فيما بينه ، لديه من الإمكانات والتخصصات ، ماتحتاج إليه طبيعة المسؤولية الموكولة إليه .
ولكن كيف نختار ونعد هذه العناصر الرائدة ؟
وماهي السبيل لاستكشاف هذه القدرات الصالحة ؟
إن أمامنا طريقين :
الأول : طرق المعرفة الشخصية لهذه الكفاءات .
والثاني : طريق اكتشافها من خلال الممارسة العملية .
أما الطريق الأول فيعرّفنا حتماً على عدد من القيادات ، لكن الأمر يحتاج إلى برهان عملي، أي وضع هذه الكفاءة موضع الممارسة لنرى قدراتها الحقيقية ، ولنلمس أثرها الصحيح في المجتمع ، إذ أن المعرفة الشخصية ليست شرطاً كافياً لإثبات القدرة القيادية عند الفرد ، نظراً لكونها مرتبطة بمعايير فردية قد لاتتوفر فيها الموضوعية المطلوبة .
وأما الطريق الثاني : فهو الأسرع لتحقيق المراد ، غير أن هذا المطلب يقتضي وجود العمل القائم مسبقاً .
إذاً فالمهمة الأساسية أمامنا ، تكمن في أن تبدأ القيادة الموجودة ، مهما كان عددها ، بالسعي والمبادرة لايجاد مجالات للعمل ، وساحات للنشاط وتوفير فرص الاتصال بالناس ، ومن خلال هذه الممارسات تستطيع القيادة القادمة اختيار العناصر التي أثبتت جدارتها في ساحة العمل ، وبرهنت على كفاءتها من خلاله .
نأتي بعدها على ذكر شروط لابد من توفرها في العناصر القيادية ، منها مايجب أن يتوفر عند اختيارها ، ومنها مايجب أن تلازم العناصر بصفة دائمة .
إذ أن اختيار العناصر الصالحة ، منذ البداية ، اختياراً سليماً ، سوف يضمن استمرار نجاح عملية الاختيار بحد ذاتها ، وسوف تؤتي أكلها بتكوين قاعدة صالحة ، فمن كانت بدايته مشرقة كانت نهايته مشرقة على الأغلب .
وحذار حذار من التهاون وغض البصر عن بعض التصرفات التي تشير إلى شرخ في حياة الداعية في المستقبل ، ومن الخير العميم المبادرة إلى رأب الصدع واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتجنيب العمل المزالق الخطيرة ، وإن كان لابد من البتر ، على الرغم مما يترك هذا البتر من أخطار ظاهرية إلا إنه أسلم على المدى الطويل وأحفظ لخط الدعوة وأحوط لها من أن تتخبط في متاهات لاتقوم بعدها أبداً .
وحذار حذار من الاختيار الشكلي والرؤية السطحية التي توحي لنا بأننا نقوم بعملية صحيحة ، فإذا هي عملية جوفاء خالية من المعنى والمضمون كمنسأة سليمان عليه السلام ، وهنا تدخل تصرفات تلبس الأمر على القيادات وتعرقل عملهم ، منها : التنازل لرأي الآخر خشية الصدام معه ، مع عدم الاقتناع بالرأي ، أو تملق بعض العناصر لشخص قيادي ، أو الشعور الزائف بالإنجاز في العمل ، فإذا الأمر لايتعدى كونه ترتيبات إدارية شكلية لاتلج إلى صلب الموضوع ، ولا تحقق من الهدف أي شيء .
إن النجاح في اختيار العناصر القيادية ، والإصابة باستكشاف وجودها ، والقدرة على إقناعها وتوظيفها لأهداف الإسلام العظيمة ، هو السارية التي يرفع عليها الشراع ، فيجب علينا أن نسير بسرعة ، نحو توفير العدد المناسب من هذه القدوات ، وإذا أخطأنا – وسوف نخطىء – في اختيار بعضها – فيجب ألا يعيقنا هذا الأمر عن المضي قدماً ودون تردد ، وفي نفس الوقت نتدارك الخطأ ونقوم المسيرة .
وعلى قيادات العمل الإسلامي القائمة الآن ، أن تعمل من خلال الناس ، فكل فرد عامل حينما يمارس عمله من خلال شرائح المجتمع ، سوف يقف حتماً على مايجري في قطاعه عن كثب ويتعرف على تصرف كل شخص من الأشخاص القياديين المختارين ، ويطلع على ماهية طبيعته ونفسيته وسلوكه .
ومن خلال هذه المعرفة الصميمة ، يستطيع أن يوجه ويدرب وينمي قدرات هؤلاء الدعاة القادة . وبقدر فاعلية هؤلاء وأثرهم ، بقدر ماتزداد قدرتهم على النفوذ في طبقات المجتمع .
وعندها – فقط – تنمو الصلة بالجماهير المسلمة وتتسع آفاقها ، ومن خلال هذه الممارسة ، أي : بالحضور في ساحات الناس ، وأماكن عملهم ونشاطهم ، يصبح بمقدور القادة التأثير عليهم ، لأنهم يعيشون معهم في سرّائهم وضرّائهم، يحسون بمشكلاتهم ، ويعايشون همومهم ، يسمعون منهم فيسمع الناس لهم ، ويستجيبون لندائهم . وعندها يتكون التيار المؤيد للإسلام شيئاً فشيئاً ، وهكذا تنتشر الدعوة بين صفوف الناس بهدف إقامة الحياة الإسلامية عند الفرد والأسرة والمجتمع .
No hay comentarios:
Publicar un comentario