في الدعوة
الدعوة الإسلامية في إسبانيا ، أمر ملح متجدد ، خاصة وأن تاريخ القرون الثمانية والحضارة الإسلامية الزاهرة فيها ، يدفعان المرء دفعاً للتفكير فيه على الدوام .
فالسائح الأوروبي والأمريكي الذي يقف مدهوشاً أمام حنان الفن المعماري الإسلامي في قرطبة وغرناطة وإشبيلية ، لا يتمهل في البحث الجاد في تاريخ هذه الحضارة السامية وأصولها وقيمها الإنسانية الراقية .
فكيف إذا كان الناظر مسلماً يتأمل في ما بقي مما خلّفه الأجداد ؟ وكيف إذا كان هذا المسلم ممن تتدفق روح الدعوة في عروقه .. وتتفاعل في أحاسيسه ومشاعره ؟
لقد غدا المسلمون في إسبانيا يشكلون أكبر الأقليات الدينية ، والإسلام يُعد ثاني الأديان بعد الكاثوليكية ، وبذلك يصبح الوضع القائم كمثيله في معظم الدول الأوروبية والأمريكية .
غير أن هذه الأقلية .. التي تبحث عن كيانها ، مازالت تعاني من المشكلات القانونية التي تتعارض مع نظم الإسلام وشريعته ، بالإضافة إلى المشاكل الحضارية التي تستفحل يوماً بعد يوم .
إن هذا البلد ذا السابقة الإسلامية الوضاءة ، يحتاج لدعوة من نوع خاص ، تغتنم فيه عناصر لا تتوفر في أي بقعة من العالم .. ذلك أن الداعية الذي يبلغ دعوته للناس ، لا يصيب النجاح فيها ما لم يدرس ويعرف مَن يدعوهم ، وحتى يعرف كيف يدعوهم ، وماذا يقدم معهم وماذا يؤخر .
ولذا حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن قال له : " إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب ، فلْيَكُن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعْلِمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم " .
ومعنى هذا .. أنهم خصوا بهذه الطريقة لمواصفات معينة في اعتقادهم فلو كانوا على غير ذلك لكان عليهم أن يدعوهم بطريقة أخرى ، وبراهين مختلفة ، ولو أن الغاية النهائية هي نفسها .
كما أنه لا يمكن الاستغناء بحال ، عن دراسة البيئة التي يتوجه إليها الداعية إليها بالدعوة ، فهو يعيش فيها ويَتعرف على أوضاعها وعاداتها وتقاليدها ويتعمق في فهم مشكلاتها ومِمَّ تولدت ، ونفسيات أهلها وما يؤثر فيها ، من عوامل تاريخية وبيئية وعرقية ، كما عليه أن يعرف اللغة إن كان ليس من مُتكلميها ، فمعرفة لسان البلد الذي هو الوعاء الحضاري لكل شعب ، وحسن استخدام ألفاظ ومصطلحات اللغة لا يُشَك بأثره وفعله الأكيد في السامعين ..
قال تعالى : " وما أرسلنا مِنْ رَسولٍ إلا بِلسانِ قَومِهِ لِيُبين لَهم .. "
ولا يغيب عن ذهن الداعية ، بأنه يتمتع في هذا الجزء من العالم ، بحرية نسبية هي نتيجة وحصيلة للفكر الديمقراطي الغربي .. فالفطن يستطيع أن يستفيد من ذلك ويوظف هذه الحرية النسبية لصالح دعوته ، وذلك بتقديم المادة المناسبة ، واغتنام الفرص المتاحة في الوقت المناسب .
غير أن التيار الليبرالي ، الموالي للغرب وحضارته ، والذي يُمَثله كُتّاب وصحف وأحزاب عديدة هو تيار علماني بَحْت .. لا يمكن أن يقف دون غمز ولمز بالإسلام في كل مناسبة وفي كل فرصة تسنح له .
والمراقب المتتبع لما تكتبه الصحافة ، أو تذيعه وسائل الإعلام الاجتماعية من إذاعة وتلفزيون ، يستطيع أن يتعرف على الموقف الذي يتخذه من هم وراء هذه الأجهزة .. فهم لا يتركون أمراً يذكر فيه الإسلام والمسلمون إلا ويكيلون لهم النقد ويستثيرون الحقد ضدهم ، وبل ويصبحون هدفاً للسخرية اللاذعة .
رياج ططري
No hay comentarios:
Publicar un comentario