viernes, 4 de marzo de 2011

ثم لايكونوا أمثالكم

عندما يحدث أمر ذو بال ، اعتاد الناس أن ينظروا إليه – كحدث مجرد منقطع عن الماضي – من خلال نتائجه وصوره النهائية التي يتجلى بها والتي يعايشونها بأنفسهم من رؤيتهم العيانية لها .
ولا يتساءلون بجدية وموضوعية عن الأسباب التي أوصلت الأمور إلى هذا الحد سلباً أو ايجاباً ، ويستنكرون في حالة السلبية قائلين : الجماهير !! ماذا دهاها ؟! لماذا لاتخرج إلى الشوارع محتجة معترضة ؟!

من الظلم والإجحاف والقمع الذي يخيفها ؟
لا بل هذه المظاهر هي التي تدفع الجماهير للخروج لتحديها ..
والحقيقة : لقد وصلت  الجماهير إلى نقطة هي حصيلة الجهود والمواقف القومية واليسارية والوطنية والتقدمية والشيوعية التي كانت وما فتئت تنادي الجماهير وتصدر بياناتها بـ " ياجماهير شعبنا " وكانت النتيجة " تخدير جماهير شعبنا " وَ  " سحق جماهير شعبنا " ووصول جماهير شعبنا بعد نصف قرن من الزمان من رفع الشعارات إلى حالة من عدم الاكتراث وعدم الثقة فقدت معها أي حس بالاستجابة لأي تحد ينتصب أمامها ، لاعتقادها أن الأمر لايتعدى أن يكون وصفات وطروحات ومشاريع ماكانت في يوم من الأيام ، ولقد تكون في المستقبل ، ملبية لطموحات الأمة ومستجيبة لأمانيها .
إننا إن لم نبحث عن الحل الذي يعبر عن ذاتنا تعبيراً صحيحاً فإننا سنبقى ندور في دائرة مفرغة ، وسنترحم على الأيام الخوالي التي كانت تعيشها الأمة عندما نقارنها بوضعنا الحالي .
إن شعوبنا العربية المسلمة التي عانت وبذلت وضحت وطوت من عمرها السنين الطويلة ، تنتظر تحقيق الهدف ، خذلت حيث وجدت نفسها في نهاية الطريق تتراجع تراجعاً سريعاً نحو الوراء .

ليس يعيب أمتنا أن تخطئ ، وليس يعيبها الصبر على العقبات والمصائب مادامت هي على الطريق الصحيح الذي يوصلها إلى الطريق المنشود ، ولكن أن تتخبط ولا تدري في أي اتجاه تسير فإن هذه هي الطامة .

ولنضع أيدينا على الجروح التي تنزف من أجسامنا لندرك الحقيقة ، وإدراك الحقيقة هو الطريق الأمثل للوقوف على جادة الصواب والانطلاق بعدها نحو تحقيق الأهداف ، قال تعالى : ( يا أيها الذي آمنوا لاتخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) ( الأنفال : 27 ) .
لقد فسد الحكم واستأثر به أناس يحبون السلطة والتسلط وقلة منهم من يحسنه وجلهم ممن لايعرف من الأمر شيئاً . فاستفاد أعداء الأمة منهم بطريق مباشر أو غير مباشر وجروهم لمخططات رسمت لهم – ومن يفعل ذلك يعرف تماماً خصائص الحاكم وتشبثه بالحكم وتضحيته بشعبه ووطنه في سبيل الحفاظ على كرسي السلطة ، وهؤلاء الأعداء يخططون لمثل هذا الحاكم ويستخدمون علوم الإنسان من نفس واجتماع ويحصلون على النتائج التي يريدونها ، فالحكام هم بلاء هذه الأمة ونكبتها .
هؤلاء لايمكن أن يبقوا إذا سادت الشورى والحرية ، ولذلك عطلت الشورى ، وقتلت الحريات بكل أبعادها ، ومات خلق التناصح بين الناس والتواصي بالحق والتناهي عن المنكر وفقد التعاون على الخير ، وفرض الإعجاب بالرأي والافتيات على الناس . وهذا بالطبع لن يؤدي إلا إلى فقدان المؤسسات المسؤولة التي تخطط وتعمل بصبر وتؤدة في سبيل تحقيق أهداف الأمة ، فأصيبت أجهزة الأمة الدولة بالعجز الإداري والوظيفي ، وانهار الاقتصاد وساءت الأوضاع المالية لعباد الله ، وانتشرت الرشوة وعم الفساد ، كل ذلك بدأ عندما انهار مبدأ اختيار الأتقى والأصلح لإدارة الدولة وقيادة الأمة .

وجاء الزحف الاستعماري وأعانه رواده من أصحاب الفكر المستورد ليجد بلادنا لقمة سائغة يبتلعها في جزء من نهار ويعيث فيها الفساد . وخوفاً من أن ترتد للمارد قوته أخذ الغرب يقطع الأمة والدار أشلاء مجزأة وأصبح كل جزء يبحث عن تعامله وعلاقاته مع الخارج لا مع الأشقاء ، وإذا أراد البلد الشقيق استيراد سلعة من بلد جاره فيجب أن تتم الصفقة عن بلد ثالث غربي ، وتمحور عمل الحكام على تكريس
التجزئة والمحافظة على وجودهم في السلطة ، وبهذا الشكل ضمن الاستعمار بكل أشكاله عدم استخدام جيوشه فقد أوكل هذا الأمر إلى الإخوة الأشقاء يتولى كل منهم كبح جماح الآخر ، ويحافظ الجميع على مصالح أسيادهم شاؤوا أم أبوا .
بعد تحطيم الدولة الموحدة تحت راية الاسلام أخذوا بإلغاء المنهاج الاسلامي في التربية والتعليم ، وأبعدوا الشرع عن القانون المدني ، ثم حصروه في دائرة الأحوال الشخصية ، وأخذوا ينتقصون من قدر العلماء والمثقفين الاسلاميين ، وعمدوا إلى تشويه تاريخ الأمة بإبراز العناصر السلبية فيه ، وحاولوا تصفية الهوية الاسلامية للأمة وحاربوا الاسلام باستبعاده عن الممارسة في حل المشاكل الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية .

ثم شنوا حملات الارهاب الفكري على كل من يتمسك بالإسلام ويرفض التبعية لهم والتغريب وأخذوا يكيلون لهم التهم جزافاً المسلم إرهابي متعصب أصولي تكاملي جامد رجعي !!
وانطلت هذه الحيل على الناس واصبح الجميع يرددونها دون استيعاب لمعناها ، ويمضغونها وهم لايدرون بأنهم يأكلون السم الزعاف الذي سيتركهم جثة هامدة .

من يدخل في دين الاسلام مؤمناً به سيجد فيه الجواب الشافي لأنه هو الصالح وهو الصلاح . ولكن علينا أن نبين بأن الايمان كعقيدة راسخة في قلوب المسلمين لايكفي ولن يكفي بل يجب أن يرافقه العمل الدؤوب الصابر الذي يحقق شروط العبادة بمفهومها الواسع في الحياة الدنيا ، ولكي يستطيع الذين يتمثلون الإسلام في حياتهم من تقديم الخطاب والمشروع الإسلامي الذي يفهمه الناس ويستجيبون له في كل مناحي الحياة .

والاسلام هو القادر على الارتفاع بالأمة إلى مستوى التحدي حتى في ظروف غير مواتية ، ولن يقف أمامه شيء لأنه واضح في ضمير الأمة مستقر في كل جزء من أجزاء أفرادها ، ولكن يجب على من آمن بالله وجعل رضاه غاية أعماله كلها ، أن لايفرط أو يساوم على عقيدته ومبادئه وأهدافه بل عليه في أقصى الحالات التحلي بالصبر الجميل والكدح المتواصل الدؤوب المعطاء حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً . يقول الله تعالى:( وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لايكونوا أمثالكم ) ( محمد : 38 ) .

هذا الخطاب الرباني يتضمن التهديد لمن يتخلى عن تنفيذ أمر الله بل ويعد من يخرج عن صراطه بأنه سيرسل آخرين غيره لايكونوا بأخلاقه وفكره وسلوكه ، فيقومون بتحقيق شرع الله والتقيد بهديه وتنفيذه أمره .
وأحب هنا أن أشير إلى حقيقة ، وهي :
إذا كان الاسلام صالحاً بذاته فليس معنى ذلك أن الذين يأخذون به سوف يعكسون تماماً ذلك الصلاح في تدبير شؤون الأمة ، لأن النجاح في مواجهة التحديات مرهون بالبشر أنفسهم ومدى فهمهم للإسلام وللواقع والعصر وسلامة مشروعهم وخطابهم الذي يقدمونه للعالم . وإن من الأساسيات الهامة التي تكفل نجاح الخطاب إشاعة جو الحرية بكل أبعادها والتمرس على حياة الشورى ، واستخراج الرأي واستخراج الأصوب والتدريب على روح التعاون والتكافل والعمل الجماعي ، وتسويد من هم أهل للسيادة وإعانتهم ، وإزاحة من يقف عقبة في طريق تنفيذ أي جزء من أجزاء المشروع المتكامل .
وينبغي أن يرافق بث روح الوحدة والقضاء على التجزئة بكل أنواعها ، وتدريب الدعاة القادرين على حمل رسالة الاسلام وهموم الأمة والدفاع عنها وتبنيها بصدق وحرارة ، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب .

إن لم نفعل ذلك فإننا سنبقى نحيا في دائرة مفرغة ، وعندها ينفذ فينا حكم الله ( إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير ) ( التوبة : 39 ) .
----------------------
كتبت في جو انعقاد مؤتمر السلام في مدريد .
رياج ططــــري

No hay comentarios:

Publicar un comentario