viernes, 18 de marzo de 2011

رجل هادئ وسط العاصفة



لا نجد عبارة نبدأ بها هذه النظرة لشخصية السيد رياج ططري بكري إلا القول بأنه رجل يعيش على حد السكين، ويكافح على وهاد وعرة، ولكنه يفعل ذلك بهدوء كبير يثير الإعجاب.

ولد السيد رياج ططري بكري في مدينة دمشق، سنة 1948، وانتقل إلى إسبانيا سنة 1970، شأنه شأن كثير من الطلبة السوريين والفلسطينيين ودرس الطب في جامعة سنتاندير. غير أن هواه لم يكن في الطب، وبذل كل وقته منذ وصوله للسهر على إيجاد تنظيم تمثيلي قوي ومستقر للمسلمين في إسبانيا.

منذ ذلك الوقت، "جرت مياه كثيرة تحت النهر" كما يقول الإسبان، فقد سعى السيد ططري عبر الجمعية الإسلامية في إسبانيا، التي كانت أول من قدم طلب التسجيل في وزارة العدل الإسبانية 1967 من باب الوفاء للتاريخ، ثم أول جمعية إسلامية يتم تضمينها في سجل الهيئات الدينية التابع لوزارة العدل الإسبانية سنة 1971، إلى لم شمل المسلمين في هذا البلد والدفاع عن مصالحهم وحقوقهم بالطرق السلمية.

ومنذ البداية، كانت الجمعية تتقدم بكل ثبات وأناة لتوسيع موطئ القدم للإسلام المعتدل، الوسطي، والحركي من أجل تطبيع الوجود الإسلامي بها. ولم يكن الأمر هينا، فالوجود الإسلامي في إسبانيا منقطع منذ قرون، وثمة قوى تقليدية معادية لكل وجود إسلامي في هذا البلد. وبدأت المعركة القانونية التي دامت سنينا عديدة، توجت في الأخير بالتوقيع على اتفاقية التعاون بين الدولة الإسبانية والجمعيات الدينية سنة واحد وتسعين.

ويحب رياج ططري أن يذكر دوما أنه بعد التوقيع مباشرة على نص الاتفاقية، قال له أحد الشخصيات الرفيعة التي أشرفت على الاتفاق "الآن انتهينا من النص، وبدأت المعركة " أي معركة انتزاع هذه الحقوق التي نصت عليها الاتفاقية.

وتوالت السنون، وبدأت المعركة الأبدية مع الحكومات المحلية والبلديات في قضايا تعليم الدين الإسلامي والمساجد والمقابر للمسلمين، في بلد "الطوائف" هذا الذي يبدو فيه أن كل واحد يحكم بمزاجه وهواه.

وعلى الرغم من التغييرات الجذرية التي مست الوجود الإسلامي في إسبانيا في العشرين سنة الأخيرة، من خلال الزيادة الكبيرة في عدد المسلمين عن طريق توافد المهاجرين على إسبانيا من المغرب أساسا ومن بعض دول إفريقيا ما دون الصحراء، مما جعل الرقم يقفز من أقل من ثلاثين ألفا في بداية الثمانينات إلى ما يقارب مليون و مائتي ألف في الوقت الحاضر، فإن ذلك لم يغير من مبادئ الاتحاد شيئا. هذا وقد كان رد الاتحاد هو إحداث اتحادات جهوية حسب الأقاليم الإسبانية بمنسقين جهويين لتوزيع المهام وتحسين الأداء.

ومما زاد الطين بلة كثرة الخلافات التي تصل إلى حد الفرقة والخصام والتطاحن بين مختلف الهيئات التنظيمية الإسلامية، والتي لا مثيل لها في الهيئات التمثيلية لباقي الأديان.

ففي وجه المؤسسات الإسبانية، اعتمد رئيس الاتحاد سياسة العمل المؤسساتي المنظم وطول النفس مع الحكومات المتعاقبة، على الرغم من أن حكومة الحزب الشعبي تميزت ب"جفاء شديد" كما يحب التعليق بابتسامة عريضة. غير أن هذا النهج لم يكن ليثنيه عن إعلان "التمرد" على الإدارات الإسبانية عند وجود حيف لا مبرر له.

وعلى المستوى الداخلي، اعتمد سياسة "اجمع ولاتفرق" في وجه التيارات المتواجدة من تبليغيين وسلفيين وغيرهم، إضافة إلى الحساسيات المذهبية والقطرية في الجمعيات، فوضع المبادئ الثلاثة العامة التي تنص على كونها جمعية أو هيئة دينية لا تتدخل في الأمور السياسية والاقتصادية والنقابية إلخ، ثم انسجامها مع شكل الدولة الإسبانية المبني على الأقاليم المحكومة ذاتيا وثالثا الالتزام بمبادئ الإسلام.

وبذلك أوجد متسعا لكل الحساسيات. ولا يخفى حجم الصعوبات التي من الممكن أن تحدث داخل الجمعيات من جراء عدم وعي البعض أو مطامحه الشخصية، غير أنه اعتمد الحوار الهادئ لإيجاد حلول ملائمة.

غير أن ما يثير الدهشة في الرجل، الذي يجب اعتباره بكل تواضع الرجل الأكثر تأثيرا في الوسط الإسلامي في إسبانيا، هو البساطة الشديدة التي تطبع تعامله اليومي، فهو يتحرك في حدود علمنا، دون هاتف محمول وليست لديه سيارة خاصة بل يذهب رفقة أولاده في سياراتهم أو في النقل العام.

إضافة إلى ذلك، فقد شهد له القريب قبل البعيد بدبلوماسية كبيرة في الحديث وانتقاء شديد للألفاظ مع القريب والبعيد، وجعل ذلك منه محاورا متمرسا مع السلطات الإسبانية تعرف حقه وتقدره قدره.

وفوق ذلك، فهو رجل لا يعرف شيئا اسمه "عطلة" ويعمل طيلة أيام السنة دون كلل ولا ملل، وهو متابع شغوف جدا لأخبار إسبانيا ورجالاتها إلى حدود مدهشة بالفعل، كما أنه ألف عدة كتب ومقالات نشرت في إسبانيا وفي الخارج، ويكتب باستمرار على المدونة الخاصة بالاتحاد.

بقي الرد في الختام على بعض الشبهات التي تثار حول الاتحاد، وأهمها دون شك أنه يتم قيادته من قبل نخبة من "السوريين" بينما غالبية من يضمهم بين صفوفه من المغاربة، يرد دوما أن التمثيلية الدينية غير التمثيلية السياسية وهي مبنية على الكفاءة وعلى كون الأشخاص مسلمين بغض النظر عن ألوانهم وأوطانهم التي قدموا منها، ومع توسع هيئات الاتحاد ثمة قيادات جهوية أصولها بالكامل من المغرب، ثم إن وجود رئيس لا يثير حفيظة إسبانيا نظرا لحساسية الجوار مع المغرب، وفي نفس الوقت لا يحجر على الانتماء القطري والولاء الوطني والمذهبي لأحد يجعل الاتحاد في مأمن من توجس السلطات الإسبانية، ويسحب ذخيرة نفيسة من بين يدي المعارضة اليمينية.

بقلم بوعزى عسام


No hay comentarios:

Publicar un comentario