توطئة :
إذا تطلعنا على معاني الإسلام الأساسية لوجدنا الدعوة إلى التفاهم والتعايش بين الأمم والثقافات والأديان ماثلة في كل معلم من معالم الدين الحنيف .إنها دعوة على لسان الأنبياء كلهم :
( شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ) ( الشورى : 13 ) .
وهكذا نرى موقف الإسلام من الوضوح والشمول مع الأديان السماوية , فهو موقف مؤيد ومصدق لها ق\في أصولها الصحيحة , ومصحح لما طرأ عليها من تحريف .
وقد ربى الإسلام أبناءه على مد يد التعاون مع أتباع سائر الأديان الكتابية على قاعدة العدل والسلام المتبادل . لا يسمح بإراقة الدماء ولا يخدش كرامة أي شخص مهما كان . بل يتخذ من دعوة المصطفى ( ص ) قدوة له عندما أقسم في صلح الحديبية قائلاً :
( والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله , ولا يسألونني فيها صلة الرحم , إلا أعطيتهم إياها ) .
ولقد سار المسلمون في كل مكان على منهج النبوة يحفظون العهود والمواثيق , ويوطدون أسس التعاون والتفاهم والحوار الهادف .. وانساح الإسلام في الأرض يجسد بُعد العالمية الإسلامية كدين يربط الأرض بالسماء بكلمات الوحي المتجددة التي لا تخلق على الزمن .
وانتشرت الدعوة في سائر المعمورة بهذه الروح الأخاذة إلى عصرنا هذا في حركة دائبة للإنسان المسلم لا يعرف السكون ولا يرضى به , إنما هو في سعي مستمر نحو مرضاة الله .
وفي هذا الإطار قام المسلمون بفتح صفحة جديدة في تاريخ شبه الجزيرة الايبيرية , واستطاعوا ـ بحمد الله وتوفيقه ـ رسم معالم ايجابية للتعايش متأسين بتاريخهم النبيل في أرض الأندلس , وكانت حصيلة ربع قرن من الزمن الاعتراف الرسمي بالإسلام ديناً واضح المعالم والجذور في المجتمع الإسباني , وتوقيع اتفاق التعاون بين الدولة الإسبانية والهيئة الإسلامية في إسبانيا .
إن هذه الحصيلة المباركة لتدل على قبول سائر الأطراف أسلوب الحوار والتعاون بين الثقافات والديانات في إسبانيا .
ولولا هذا الموقف الايجابي لتعثرت الخطوات ولباءت بالفشل كل المساعي التي بذلت من الأطراف المعنية .
إن التجربة الرائدة في إسبانيا وليد يحتاج للرعاية والعناية والترشيد لكي لا توأد هذه التجربة في مهدها , ولا تقتل في ربيع عمرها بسبب طيش لاه , أو حظ نفس مغامرة , أو هوى محب للتسلط والشهرة والغنيمة .
لهذا كله .. نضع أمام إخواننا زبدة عمل طيب مبارك ـ بإذن الله ـ لكي يكوِّنوا صورة صحيحة عنه , ولكي يرفدوه بالحسنى كيما يشب قوياً يافعاً يحقق الخير للإسلام والمسلمين وسائر الناس والعالمين .
رياج ططــــري
No hay comentarios:
Publicar un comentario