الإســلام بِغير اسـمه
قال الأول يتهم : إن الاسلام دين .. والدين لا يجب أن ندخله في السياسة وكذا الأمور الصغيرة قي العلاقات بين الناس .. وخاصة أن السياسة هي فن الخداع والمراوغة والنفاق ، والإسلام دين نقي صاف لا يوافق على ذلك .
قال الآخر : معنى ذلك أن نلغي أحكام الاسلام ومبادئه ونظرياته فيما نسميه نحن المسلمين " الشريعة " وفيما يسميه الآخرون القانون أو الحقوق . أو بمعنى آخر ، عدم العمل بأحكام الاسلام ، مع العلم بأن أعظم مقومات الاسلام بعد الايمان به هو العمل به ، ومن أهمل ذلك أو عطّله فقد أهمل الاسلام وعطله .
قال : ولكن تطور الحياة السريع .. وتعقد أساليب الحياة في المجتمعات الانسانية ، قد ألغى دور الشريعة وأحكام الاسلام ، التي كانت توافق أسلوب الحياة البسيطة التي كان عليها الناس ، عندما جاء الاسلام .
أجاب : وكأني بك تقول بأن شريعة الاسلام غير كاملة ، وغير صالحة لكل زمان ومكان .. والحق أن قوله تعالى : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا )) .
نص قاطع في كمال الشريعة ودوامها .. ومن يراجعها يجد أنها جاءت كاملة لا نقص فيها ، شاملة لأمور الأفراد والجماعات والدول ، فهي تنظم الأحوال الشخصية ومعاملاتها ، وكل ما يتعلق بالأفراد ، وتنظم شؤون الحكم والإدارة والسياسة ، وغير ذلك ، مما يتعلق بالجماعة ، كما تنظم علاقة الدول بعضها ببعض في السلم والحرب .
ولم تأت الشريعة الاسلامية ، لوقت دون وقت ، أو لمكان دون آخر ، وإنما هي شريعة كل وقت ، وشريعة كل مكان ، حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
لقد صيغت نصوصها بحيث لا يؤثر عليها مرور الزمن ، ولا يلزم تغيير قواعدها الأساسية ونظرياتها العامة ، فقد جاءت من العموم والشمول بحيث تستغرق كل حالة جديدة ، ولو لم يكن في الإمكان توقع حدوثها في وقت من الأوقات ، ومن ثم كانت نصوص الشريعة غير قابلة للتغيير والتبديل كما تتغير نصوص القوانين وتتبدل .
قال وهل من علاقة بين الدين والتجارة ؟ أو بين الإسلام وعلاقات البيع والشراء ، والصناعة والاقتصاد ؟ هل أحكام الاسلام شرّعت للدين والدنيا ؟
أجاب : سامحك الله يا أخي .. وكيف تغفل عن هذه الحقيقة وهي جلية واضحة .. فالإسلام يمزج بين الدين والدنيا ، وبين المسجد والدولة ، فهو دين منه الدولة ، وعبادة وقيادة ، وكما أن الايمان جزء من الإسلام فإن الحكومة جزء آخر منه ، بل هي جزء هام وصَدق عثمان بن عفان رضي الله عنه حيث يقول :
( إنَّ الله لَيَزع بالسلطان ما لا يَزع بالقُرآن ) .
والشريعة وحدة متكاملة مقصدها إسعاد الناس في الدنيا والآخرة ، والمتتبع لآيات القرآن ، يجد كل حكم فيها يترتب على مخالفته جزاءان :
جزاء دنيوي ، وجزاء أخروي .
ومثاله : قوله تعالى في عقوبة القاتل ..
" يأيها الذّين آمنوا كُتِبَ عَليكم القَصاص في القتلى "
وقوله : " ومن يقتل مُؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداَ فيها "
ولم تشرع أحكام الشريعة الاسلامية للدنيا والآخرة عبثاً ، وإنما اقتضى ذلك منطق الشريعة ذاته ، فهي تعتبر أن الدنيا دار ابتلاء وفناء ، وأن الآخرة دار جزاء وبقاء .
وإن الإنسان مسؤول عن أعماله في الدنيا ، مجزى عنها في الآخرة .. فإن فعل خيراً فلنفسه ، وإن أساء فعليها ، والجزاء الدنيوي لا يمنع الجزاء الأخروي ولا يسقطه إلا إذا تاب الإنسان توبة – نصوحا – وناب إلى ربه .
رياج ططري
No hay comentarios:
Publicar un comentario