2 ـ قانون التعاون
لم تطلب الجمعية الإسلامية في إسبانيا , ولا المؤسسات الإسلامية الأخرى , حين تقديم طلب " الاعتراف الرسمي بالإسلام ممثلاً بها أو بإحداها على التحديد , وإنما طالت جميع الجمعيات التي قدمت طلباً رسمياً لوزارة العدل الإسبانية , إعلان الاعتراف الرسمي بالدين الإسلامي " .
ولو حصل هذا الأمر , أي لو تقدمت كل جهة أو جمعية بطلب الاعتراف بالإسلام ممثلاً بها , لكان من الصعوبة بمكان الوفاء بالشروط المطلوبة لهذا الإعلان والمنصوص عليها في قانون الحرية الدينية , من قبل جمعية واحدة أو عدد محدد من الجمعيات .
ولكن الاعتراف جاء من قبل جميع من تقدم به , بالاعتراف بالوجود الواضح للدين الإسلامي , وهو المعتقد والدين المشترك بينها جميعاً , وهو وعاء كافة الجمعيات والهيئات الإسلامية القائمة , مع الاحتفاظ بالنظام الداخلي لكل منها دون مساس .
غير أنه في هذه الحالة ـ حالة تعدد المؤسسات الإسلامية ـ لايمكن للدولة عقد اتفاق مع الدين الإسلامي " كمعتقد ديني " . لذا فإنه يتحتم ايجاد صيغة مناسبة لتحقيق الاتفاق . وهذه الصيغة كانت : إقامة اتحاد بين مختلف الجمعيات والمراكز والهيئات الموجودة في إسبانيا , المنتمية لنفس المعتقد الإسلامي , والراغبة في إجراء اتفاق تعاون مع الدولة .
إن هذا الاتحاد يسهل بصورة كبيرة إمكانية الاعتراف العملي وعدم الاكتفاء بالاعتراف النظري بالوجود الواضح للإسلام في إسبانيا , كان الوصول إلى اتفاق التعاون مع الدولة لتحصيل الحقوق التي ينص عليها قانون الحرية الدينية .
ولقد أشارت الدراسة المقدمة للجنة الاستشارية للحرية الدينية بأنه :
" من الضروري التنبيه إلى أنه ضمن نفس المعتقد أو الدين , يمكن وجود تيارات متنوعة , تختلف في طريقة تفسير تعاليم الدين ومصادره , غير أن هذا لايؤدي إلى أن كل واحدة من هذه التفسيرات التي تستنبط من الدين يمكن فهمها كخروج عن أصل الدين الذي تنتسب إليه كل هذه التيارات .
الهيئة الإسلامية في إسبانيا :
ونظراً لأن الدولة يجب أن تتفاوض , وفي حينه , وتوقع اتفاق تعاون مع ممثل إسلامي واحد , يتولى مسؤولية كافة الحقوق والواجبات المترتبة على هذا الاتفاق لكاف الجمعيات الإسلامية المنتسبة لسجل الهيئات الدينية في وزارة العدل , فقد كان لزاماً علينا ايجاد ممثلين شرعيين لمختلف الجمعيات الإسلامية يحظون بصلاحيات كافية من قبل أجهزتهم الإدارية , وهم بدورهم يتفقون على تعيين الأعضاء الذين سيقومون بتمثيل المسلمين ويشكلون لجنة مخولة بالمفاوضات , وتوقيع اتفاق التعاون مع الدولة الإسبانية
ولتوفير هذا الشرط الحكومي , وإقامة الهيئة القانونية الوحيدة , التي تتولى مسؤولية الحقوق والواجبات الناجمة عن هذا التمثيل والقيام بتنفيذها , فقد تمّ إنشاء ـ وليس بدون صعوبة فنية جمّة نظراً لطبيعة تنظيم الجمعيات الإسلامية , ولتعدد وسعة وتنوع معايير هذه الجمعيات , ومزج هذه المعايير بين ماهو داخلي يتعلق بنظام الجمعية وإدارتها , والأهداف المشتركة كنيل الحقوق الفردية للمسلمين في إسبانيا ـ تمّ إنشاء الاتحاديين الإسلاميين :
( الفيدرالية الإسبانية للهيئات الإسلامية ) و ( إتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا ) وقد سجلا في سجل الهيئات الدينية في وزارة العدل الإسبانية بتاريخ 17/9/1989 , و 10/4/1991 م على التوالي , على الرغم من أن قيام الاتحاد كان بتاريخ 1/1/1981 م , ورفض تسجيله مرات بدعوى أن الجمعية الإسلامية في إسبانيا لها طابع فيدرالي .
وفي 19/2/1992 تشكلت رسمياً من الاتحادين المذكورين واللذين يضمان أغلب الهيئات الدينية الإسلامية المسجلة في سجل الهيئات الدينية بوزارة العدل الإسبانية ( الهيئة الإسلامية في إسبانيا ) كهيئة قانونية وممثل وحيد للمسلمين في إسبانيا , وقد وقّع ممثلوها الشرعيون على اتفاق التعاون مع الدولة الإسبانية في مدريد بتاريخ 28/4/1992 .
مفاوضات اتفاق التعاون :
قدم الاتحادان الإسلاميان لإدارة الشؤون الدينية مشروعيهما لاتفاق التعاون , وعلى الرغم من الصعوبات الكثيرة الناجمة عن طبيعة المصطلحات الإسلامية , والتي كانت تعيق السير الصحيح للمفاوضات , فقد برزت أيضاً قضايا هامة ومحددة استغرقت الكثير من الوقت والجهد وهي :
ـ تعميم مجال تطبيق الاتفاق على الأشخاص العاديين الذين لاينتمون لهيئة إسلامية .
ـ عقود الزواج الإسلامي , وتنظيم الإرث .
ـ نظام التمويل , أو تعاون الدولة , بقرض دعم الجمعيات الإسلامية مالياً .
ـ اعتبار مقرر التعليم الديني الإسلامي كسائر المواد الدراسية الأخرى .
بعد دراسة المشروعين الإسلاميين المقدمين لإدارة الشؤون الدينية , صرحت الإدارة بأن هذه القضايا , يمكن أن تسبب إشكالات رئيسية مع النظام القانوني العام والدستوري , وربما تصطدم معه في بعض الأمور بصورة جوهرية .
وقد عللت الإدارة الدينية موقفها قائلة :
في مجال تعميم إطار تطبيق قانون التعاون على الأشخاص والجمعيات التي لم تتبنَ الاتفاق , لأنها غير مسجلة في السجل الخاص بالهيئات الدينية , أو أنها مسجلة غير أنها لم تنضم للهيئة الإسلامية في إسبانيا , لكونها الجهة الموقعة على القانون , أو الشخص الذي لاينتمي لجمعية موقعة على الاتفاق أو لأحد الاتحاديين المشكلين للهيئة الإسلامية . نظراً لطبيعة القانون وكونه اتفاق بين طرفين , فلا يمكن إجبار فرد أو جماعة على أمر لم يختارونه بمحض رغبتهم أو إرادتهم .
أما بخصوص الامتناع عن أداء الخدمة العسكرية من قبل المواطنين المسلمين بسبب عقيدي , حسبما ورد في المادة المعينة في المشروع الإسلامي المقدم , فهذا لايتوافق مع نص دستوري , يكرس ويدعم واجب كل المواطنين الإسبان , بالدفاع عن وطنهم , ويعفون من هذا الواجب فقط , والتي يمكن , في حينه , لأي إسباني مسلم الأخذ به كأي مواطن إسباني آخر , دون ضرورة ذكر هذا الحق في نص الاتفاق المزمع توقيعه .
لها طبيعة دينية في التشريع الإسباني النافذ , لذلك لن تكون موضوع بحث في الاتفاق المقترح , لأنها أمور تتبع الحقوق المدنية فحسب .
وفيما يتعلق بمحتوى عقد الزواج الإسلامي , وكذا تنظيم الإرث بأنواعه ,فهذه قضايا ليس
والمسلمون بإمكانهم إجراء عقود الزواج , بالشروط التي يرونها والكيفية التي يختارونها , ولن تتدخل الدولة بذلك وإنما تلتزم لمن أراد أن يأخذ للزواج الإسلامي الصفة المدنية أن يوفر الشروط التي يطلبها السجل المدني بهذا الصدد . وبالنسبة للإرث فإن كتابته أمام كاتب العدل يضمن تنفيذه بالشروط الإسلامية المنصوص عليها , والمبينة في الكتابة الرسمية التي تحمل إلى التنفيذ عند اللزوم , وذلك كما هو معتمد لسائر المواطنين الإسبان.
أما فيما يخص مايسميه المشروع الإسلامي (( بالنظام التمويلي )) أو تعاون الدولة بالدعم المالي للجمعيات الإسلامية , فإنه يجب لفت النظر إلى كون الدولة ( لائكية ) وتعاون السلطات العامة مع المعتقدات الدينية ـ بصورة عامة ـ تنظمها المادة 16 والفقرة 3 من الدستور , وتقتصر في هذا الصدد على ماتمليه المادة 7 الفقرة 2 من القانون العضوي للحرية الدينية .
وهذا يعني منح الإعفاءات الضريبية , التي ينص عليها التشريع العام للهيئات ذات النفع العام , وغير التجارية , ولا تشمل أي نوع من المساعدات بله التمويل المالي للنشاطات الدينية .
وهذا التصرف هو المتبنى في اتفاقات التعاون مع الاتحادين البروتستانتي واليهودي
أما التعاون الاقتصادي المباشر مع الكنيسة الكاثوليكية والذي تتلقى بموجبه عمليات مباشرة من الحكومة المركزية , فهو مختلف نظراً للظروف التاريخية المتنوعة التي صاغت العلاقة بين الكنيسة والدولة , خاصة وأن الكنيسة كانت تتلقى مساعدات مباشرة من الدولة منذ أزمان بعيدة .
وفي حال التخلي عن مساعدتها الآن وبصورة مفاجئة , فقد يؤدي هذا إلى عدم ممارسة حق الحرية الدينية بصورة حقيقية وفاعلة , للأغلبية التي تعتنق الديانة الكاثوليكية , من الشعب الإسباني .
ولهذا فقد شمل الاتفاق مع الكنيسة الكاثوليكية نظاماً للمساعدات المالية , يتضمن مراحل متتابعة , هدفه النهائي الاعتماد علة التمويل الذاتي للكنيسة , كما جاء مشروحاً في الأسباب الموجبة للاتفاق المذكور, ويعبر عنه بمصطلح مراجعة نظام المساعدات الاقتصادية التي تتعهد بها الدولة لصالح الكنيسة الكاثوليكية .
ولذلك فإن الأمر لايتعلق بوضع نظام للتعاون الاقتصادي , إنما هو مراجعة له , وأساس ذلك مايوجد في الاتفاق من واجبات قانونية ملزمة للدولة في الماضي لايمكن تجاهلها , كما لايمكن إطلاق تنفيذها إلى حد غير نهائي .
وأخيراً , فيما يتعلق باعتبار مادة الدين الإسلامي كباقي المواد الدراسية المعتمدة , فإن الدولة لديها الرغبة , بل ولا يجب عليها التدخل في المهام التي لاعلاقة لها بها من قريب أو بعيد , سيما وأن برنامج التعليم الديني الإسلامي وتعيين مدرسي الدين سيكون من جانب الهيئة الإسلامية في إسبانيا , والجمعيات المكونة لها .
وفي 28/10/1991 , بدأت المفاوضات بهدف الوصول إلى اتفاق التعاون بين اللجنتين المفاوضتين الإسلامية والحكومية , وبعد عدة جلسات من المفاوضات تمت فيها دراسة المشروع الإسلامي مادة مادة والموافقة عليها من قبل اللجنتين المفاوضتين , وأصرت اللجنة الإسلامية المفاوضة على موضوعين هامين وضروريين :
الأول : المساهمة المباشرة من قبل الدولة في الدعم الاقتصادي للجمعيات الإسلامية الموقعة على الاتفاق .
الثاني : انتماء معلمي الدين الإسلامي في المراكز التعليمية الحكومية والتي تتلقى مساعدة من الحكومة , لمجلس المعلمين فيها .
على إثر ذلك , قرر الجانب الرسمي أن لا يُضَمن هذه المواضيع قانون التعاون , معللاً ذلك في المساواة بين هذا القانون والقوانين الأخرى الخاصة بالبروتستانت واليهود , وحال تضمينها للقانون الخاص بالمسلمين , سيتطلب الأمر تقديم طلب لمجلس الوزراء لدراسته والبث فيه , مما قد يطيل عملية المفاوضات ويفوت الفرصة على توقيع الاتفاق في الوقت المناسب .
غير أن إصرار الجانب الإسلامي دفع الجانب الحكومي إلى ايقاف المفاوضات .
وأمام هذا الوضع , اجتمعت اللجنة الاستشارية للحرية الدينية , وبعد المداولات حول النقاط المطروحة , أخذت قرارات بإجماع أعضائها في جلستها المخصصة لمناقشة هذا الموضوع فقط وذلك في 13/12/1991 , مفادها :
1 ـ إن الممثل والناطق بإسم الجانب الإسلامي في المفاوضات , وتوقيع ومتابعة تنفيذ اتفاق التعاون بين الدولة والجمعيات الإسلامية المسجلة في وزارة العدل , يجب أن تكون هيئة قانونية واحدة تتحمل تبعات الحقوق والواجبات وتسأل عن تنفيذها .
2 ـ إن الاتحادين الإسلاميين اللذين يتدخلان في المفاوضات يجب أن يكونا شخصية قانونية ذاتية تكون ناطقة وممثلة وحيدة أمام الدولة .
3 ـ وفي حال عدم التمكن من إيجاد هذه الهيئة التمثيلية الوحيدة للجمعيات الإسلامية , أو تخلي أحد الاتحادين عن متابعة المفاوضات للأسباب التي يراها , فإن الدولة يمكنها متابعة المفاوضات ـ وفي حينه ـ توقيع اتفاق التعاون مع الاتحاد الذي يوافق على الطروحات الحكومية , ويتولى مسؤولية تطبيق المتفق عليه , طالما كانت الجهة ممثلة بصورة كافية للإسلام والمسلمين في إسبانيا .
وستوضع في نص الاتفاق الآليات المناسبة , التي تكفل للجمعيات الإسلامية الراغبة بالانضمام له وللهيئة الممثلة ـ بدون شرط ـ سوى الموافقة على بنود الاتفاق , واحترام الحقوق الفردية للمواطنين الإسبان المسلمين .
بعد مضي خمسة أشهر من بدء المفاوضات , تمكنت اللجنتان المفاوضتان الرسمية والإسلامية من توقيع المواد الأربعة عشر المكونة لقانون التعاون وكان مقر الإدارة العامة للشؤون الدينية في مبنى وزارة العدل في 20/2/1992 .
وفي حفل رسمي كبير عقد في 28/4/1992 مثل فيه الحكومة الإسبانية وزير العدل فيها تم توقيع اتفاق التعاون للدولة الإسبانية مع الهيئة الإسلامية في إسبانيا , وتمت بعد ذلك المصادقة عليه من قبل البرلمان الإسباني , حيث حظي على 265 صوتاً مؤيداً , مقابل صوت واحد , وامتناع عضو واحد عن التصويت .
بعد ذلك وقع عليه ملك إسبانيا خوان كارلوس الأول في 10/11/1992 وصدر في الجريدة الرسمية في 12/11/1992 ليدخل حيز التنفيذ في اليوم التالي انشره .
رياج ططــــري
No hay comentarios:
Publicar un comentario