لم يعد هناك مجال للشك بضرورة قيام المؤسسات التي ترعى الوجود الإسلامي في بلاد الغرب عامة ، وفي أوروبا خاصة .
بل وأصبح من نافلة القول ذكر محاسن العمل المؤسسي الجماعي ، في الأوساط التي يعيش فيها المسلمون ، وهم يرون بأم أعينهم البنى التحتية المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعتمد روح العمل المشترك ضمن فرق متجانسة ومتخصصة تكفل استمرار العمل وتطوره ، بل ومتابعته وتقويمه .
ونحن في بلاد أوروبا ، نشعر - كمسلمين - بحاجة كبرى ، وضرورة ملحة لقيام مثل هذه المؤسسات التي تحمي الجماعة الإسلامية وتصون هويتها من أن تذوب أو تتحلل .
معوقات العمل المؤسسي :
وعلى الرغم من المؤسسات الإسلامية القائمة بجهود المسلمين الذاتية وهي ما زالت بصورتها البسيطة من المساجد والمراكز والجمعيات وسواها ..
فإن من أسباب عدم تطورها بالسرعة المعقولة وجود معوقات تحول دون ذلك ، أهمها :
-تدخل بعض الدول في المؤسسات الإسلامية ، محاولة تجييرها للدعاية لها أو استخدامها كوسيلة للضغط ، فهي بهذا التصرف تثير الخوف لدى الجهات المسؤولة في الدول المضيفة ، لأنها تعتبر هذا التدخل تدخلاً في الشؤون الداخلية للبلدان ، الأمر الذي يثير حفيظة كثير من المسؤولين ، مما ينجم عنه - فعلاً - نوع من الرقابة المزعجة من السلطات التي تثير الشكوك وتؤثر على التطور الطبيعي للمؤسسات ، وبالتالي على التنظيم الإسلامي ككل .
- فقدان الخطاب الواضح الداخلي للجماعة الإسلامية وكذلك للمجتمع الذي تعيش فيه .
- فقدان الاستراتيجية الشاملة والتكتيك المناسب لكل جماعة إسلامية ولكل بلد تعيش فيه .
- تعدد وجوه المؤسسات وتوجهاتها ؛ فمنها الوطنية ، ومنها المذهبية ، ومنها من يتبنى الخلافات القبلية والعرقية ، مما يترك الآثار السلبية الواضحة في رصّ صفوف المسلمين ، ويؤدي بالتالي لتشتيت الجهود وتمزيق وحدة صف المجتمعات الإسلامية .
- ضرب التنظيم الإسلامي من قبل بعض الجهات ، بإيجاد واجهات مصطنعة وهمية متعددة ، كيما تصرف بعض المسلمين عن المؤسسات الفاعلة وتشوش آخرين .
- قيام بعض الجهات - ضمن قناعاتها التي تعتقد بها - بإيجاد كيانات موازية للمؤسسات الإسلامية ، تجذب الأجيال الجديدة ، وتصرف عليها الأموال الطائلة ، وتفتح لها الأبواب كلها بغرض إبعادها عن النهج الإسلامي الحي .
من واجبات العمل المؤسسي الناجح :
أمام المعوقات الخارجية والصعوبات الداخلية لا بد من الوقوف على بعض مفاتيح النجاح ، الذي يدعم العمل المؤسسي ويرشده نحو الصواب ، ومنها :-
إعداد الخطاب الإسلامي المناسب والمتعدد والمتنوع الذي يغطي الساحة الداخلية والخارجية وكذلك قطاعات وشرائح المجتمع الإسلامي والمجتمع الذي يحيا فيه . ويجب إعداده بصورة واضحة ومباشرة ودقيقة .
إعداد الخطة الشاملة والمرحلية للمؤسسات كافة .
المساهمة بصورة فعالة في المؤسسات التي تتبنى القضايا الإنسانية المشتركة بين كافة شرائح المجتمعات التي نعيش فيها ؛ كحقوق الإنسان ، ونبذ العنف ، ومبدأ التسامح ، والتمييز العنصري وكره الأجانب ، ومكافحة المخدرات ، والدفاع عن البيئة ، والأخلاق الحيوية .. إلخ .
ترشيد الجهود الدعوية والفكرية والسياسية والاقتصادية لصالح المؤسسة ، مما يضمن قوة المؤسسة واستقلالها .
إقامة الجسور المناسبة مع الجهات المختلفة في الدول التي تنشط فيها هذه المؤسسات ، وخاصة مع المسلمين .
تفعيل دور المؤسسات الفكرية والإعلامية والبحثية في رسم صورة المستقبل ورسم معالمه .
التفريق بين المنحى الديني والتمثيل السياسي في الفهم الأوروبي في مختلف توجهاته العلمانية (الصلة الفردية باللَّه فحسب ) والليبرالية المحافظة ( البعد الاجتماعي والثقافي دون التدخل في السلطة ) .
وضع صورة حكيمة للتعاون بين مختلف المؤسسات الإسلامية ، تقوم على التفاهم الضمني بينها مع وجود التعدد والاستفادة من التجارب الإنسانية للآخرين وخاصة في مبدأ التخصص .
التفريق بين الدعوة كهدف وأسلوب ، وبين المؤسسات التي تقدم الخدمات للمسلمين ، وضرورة التفرغ لها من قبل عناصر قادرة تؤدي حق الوظيفة المنوطة بها على أفضل وجه .
كل ذلك مع التوجيه الدائم والمستمر من قبل عناصر الدعوة الواعية ، والعمل على تنمية روح التطوع عند الأجيال والاحتساب في عملها مرضاة اللَّه ، وهي تقوم بكسب عيشها من مهنها المختلفة .
رياج ططــــري
No hay comentarios:
Publicar un comentario