3 ـ مضمون القانون
يتكون قانون تعاون الدولة الإسبانية مع الهيئة الإسلامية في إسبانيا من مقدمة وأربعة عشر مادة وثلاثة أحكام ختامية .
تستند المقدمة والتي تبين الأسباب الموجه لعقد هذا الاتفاق وصياغته بشكل قانوني عادي , إلى الدستور الإسباني لعام 1978 الذي يشكل منعطفاً كبيراً وتغييراً جذرياً في العلاقة التقليدية للدولة مع الدين وذلك عندما صان المساواة والحرية الدينية واعتبرها حقوقاً أساسية , وكفل ممارستها بالمقدار الواسع الذي لاتحده سوى متطلبات صيانة الأمن العام واحترام الحقوق الأساسية للآخرين .
هذه الحقوق التي وضعت أساساً كحقوق فردية للمواطنين يمكن تطبيقها أيضاً على الجماعات والديانات التي ينتمي إليها هؤلاء الأفراد وممارسة ذلك جماعياً لتحقيق الأغراض الدينية .
وتضيف المقدمة بأنه ( انطلاقاً من الاحترام العميق لهذه المبادئ , فإن الدولة مدفوعة بحوافز دستورية , ترى نفسها مجبرة , في حدود ماإذا كانت المعتقدات الدينية للمجتمع الإسباني تقتضي ذلك , على التعامل والتعاون مع مختلف الديانات أو الجماعات الدينية , وبكافة الأشكال الممكنة ) .
( إن القانون الأساسي للحرية الدينية , يسمح للدولة , بتحديد تعاونها مع المعتقدات والجماعات الدينية , وذلك بتوقيع معاهدات واتفاقيات للتعاون , عندما تكون هذه الجماعات قد أصبح لها وجوداً واضحاً في المجتمع الإسباني , وحصلت بانتشار مبادئها وعدد أتباعها الحضور الملحوظ .
وهذا هو حال الدين الإسلامي ذو التاريخ العريق والشامل في بلدنا , والإسهام الواضح في تشكيل الهوية الإسبانية , والممثل حالياً بمختلف الجمعيات الإسلامية المنتمية لسجل الهيئات الدينية والمنضوية في أحد الاتحادين أيضاً : الفيدرالية الإسبانية للهيئات الدينية الإسلامية , واتحاد الجمعيات الإسلامية في إسبانيا , اللذان كونا معاً بدورهما هيئة دينية مسجلة بإسم : ( الهيئة الإسلامية في إسبانيا ) كهيئة تمثيلية للإسلام في إسبانيا أمام الدولة بهدف مناقشة وتوقيع ومتابعة الاتفاقات المعقودة ) .
وتتابع المقدمة موضحة موقف الدولة فتقول : ( واستجابة لرغبة كلا الاتحادين هذه الرغبة المعبرة عن أمنيات المسلمين الإسبان , وبعد إجراء المشاورات الضرورية , تُوصل إلى إنجاز اتفاق التعاون هذا , والذي تطرق إلى قضايا في غاية الأهمية بالنسبة للمسلمين الإسبان : كنظام القادة الدينية المسلمين والأئمة , وتحديد الحقوق النوعية التي تنجم عن ممارسة وظيفتهم الدينية , والوضع الشخصي في إطار هام كالتأمينات الاجتماعية , وكيفية أداء واجبه العسكري , وكذلك الحماية القانونية للمساجد , وإضفاء الطابع القانوني على الزواج المعقود حسب الشرعية الإسلامية , وكذا رعاية المسلمين دينياً في المرافق العامة , وتعليم الدين الإسلامي في المدارس , والحصول على الإعفاء من بعض الضرائب الجبائية المطبقة على ممتلكات معينة , وكذا نشاطات الجمعيات المنتسبة " للهيئة الإسلامية في إسبانيا " والاحتفال بالأعياد الدينية الإسلامية , وأخيراً تعاون الدولة مع الهيئة الإسلامية فيما يخص بالمحافظة والاعتناء بالتراث التاريخي والفني الإسلامي في إسبانيا ) .
وعكست المقدمة موقف الدولة أثناء التفاوض بقولها :
وخلال التفاوض على هذا الاتفاق . سُعي دوماً , ووضع نصب الأعين , الاحترام العميق لإدارة المحاورين الدينية المسلمين , مع أصدق تعبير عن المضامين العقيدية النوعية للدين الإسلامي , وكذلك المتطلبات الخاصة الناجمة عنها , كل هذا من أجل جعل التمتع بحق الحرية الدينية للمسلمين أمراً واقعياً وحقيقياً )
المادة الأولى : مبادئ عامة :
تتكون المادة الأولى من ثلاثة بنود , تحدد طبيعة الحقوق والواجبات الناجمة عن هذا القانون , وبأنها تطبق على الجمعيات الإسلامية المقيدة في سجل الهيئات الدينية بوزارة العدل الإسبانية , والمنتسبة ( للهيئة الإسلامية في إسبانيا ) عن طريق الانتماء لأحد الاتحادين الإسلاميين الموجودين حالياً والتي ستكون مستقبلاً , أو تنتسب للهيئة الإسلامية مباشرة .
كما تعطي الحق بتوثيق الغرض الديني الذي يقتضيه المرسوم الملكي رقم 142/1981 الصادر في 9 يناير / كانون الثاني , بغرض تسجيل الروابط الدينية الإسلامية .
المادة الثانية : المساجد .
وهي موزعة على بنود , وتنص على اعتبار الأبنية المخصصة للعبادة وأداء الصلوات اليومية والتكوين الإسلامي والرعاية التابعة للجمعيات الإسلامية كمساجد لها الصفة الدينية الإسلامية وتتمتع هذه المساجد بالحصانة بمقتضى القانون ولا يمكن انتزاعها قسراً إلا بإذن الهيئة الإسلامية , للأسباب الطارئة المستعجلة والحظر . كما تستثنى من المادة 119 من قانون الانتزاع القسري القاضية بإمكان انتزاع المباني وشغلها بصورة مؤقتة واستخدامها لأغراض معينة .
وتبين المادة أيضاً حماية محفوظات ووثائق الهيئة الإسلامية والجمعيات المنتسبة لها .
كما تنص نفس المادة على أن المقابر الإسلامية تتمتع بالامتيازات القانونية التي تنص عليها المادة الخامسة من القانون , وتعترف بحق الجمعيات الإسلامية المنتمية للهيئة الإسلامية في إسبانيا , بحق استقطاع أراضي تخصص للدفن الإسلامي في المقابر البلدية , وكذلك حق امتلاك مقابر إسلامية خاصة وتنص أيضاً على اتخاذ الاجراءات اللازمة للمحافظة على القواعد الإسلامية في التشييع والدفن وسائر الأمور المتعلقة بذلك والتي يحق نقل أموات المسلمين إلى مقابر الجمعيات الإسلامية , سواء الذين دفنوا في المقابر العامة التابعة للبلدية أو الذين قد يتوفون في مكان لاتوجد فيه مقبرة إسلامية , حسبما تنص عليه التشريعات المحلية والصحية .
المادة الثالثة : القادة الإسلاميون والأئمة :
تعتبر المادة الثالثة قادة إسلاميين وأئمة , الأشخاص الذين يسهرون بصفة دائمة على إدارة الجمعيات الإسلامية المشار إليها في المادة الأولى من هذا الاتفاق , وهم يؤمون الناس بالصلاة ويقومون بإرشادهم وتكوينهم ورعايتهم دينياً وتثبت لهم هذه الصفة بشهادة مقدمة من قبل الجمعية التي ينتمون إليها , مصدقة من الهيئة الإسلامية في إسبانيا .
وتضمن المادة عدم استجواب القادة والأئمة , في أي حال من الأحوال بخصوص الأشياء التي أبيح لها بها أثناء ممارستهم لمهامهم الإسلامية , وذلك في الإطار القانوني المنصوص عليه بالنسبة لسر المهنة .
المادة الرابعة : الأئمة والخدمة العسكرية .
تمنح هذه المادة الأئمة أو القادة الدينيين المسلمين إمكانية القيام بمهمة دينية بدل أداء الخدمة العسكرية الإجبارية وذلك في نطاق الجيش . وتؤجل من يقوم بالدراسة الدينية أسوة بغيره .
المادة الخامسة : الأئمة والرعاية الاجتماعية .
تمنح العاملين كأئمة دائمين حقوق الرعاية الاجتماعية المنصوص عليها في القانون .
المادة السادسة : الوظيفة الدينية .
تعتبر وظائف إسلامية في نظر القانون , كافة الأمور التعبدية والتكوينية الدينية بما فيها الرعاية والتي تنسجم مع الشريعة الإسلامية وتعاليم الدين والمستوحاة من القرآن والسنة والمحمية بالقانون الأساسي للحرية الدينية .
المادة السابعة : الزواج الإسلامي .
تعطي الزواج الإسلامي المعقود حسب الشريعة الإسلامية الطابع القانوني فيسجل في السجلات المدنية ويحظى بكافة الامتيازات والحقوق التي تنص عليها القوانين .
المادة الثامنة : الرعاية للجنود المسلمين .
تخول القائمين بأمور الإشراف والتوجيه الديني الإسلامي بالسهر والرعاية للمسلمين الموجودين في الخدمة العسكرية وترخص لهم بأداء واجباتهم الدينية الإسلامية وخاصة صلاة الجمعة بحيث يستطيعون الالتحاق بأقرب مسجد إن لم يتوفر في الثكنة العسكرية مسجد تؤدى فيه الصلاة .
المادة التاسعة : الرعاية للمسلمين في المؤسسات العامة .
تكفل الرعاية الدينية للمعتقلين في السجون والمرضى في المستشفيات ودور الرعاية وما شابهها من القطاع الحكومي العام ويشرف على ذلك أئمة أو أشخاص تعينهم الجهة الإسلامية .
المادة العاشرة : تعليم الدين الإسلامي .
تكفل للتلاميذ المسلمين ولآبائهم وكذا للأجهزة المدرسية المتنفذة , الحق بتلقي الأوائل أي التلاميذ التعليم الديني الإسلامي في مراكز التعليم العامة والخاصة المعترف بها .
المادة الحادية عشرة: إعفاء من بعض الضرائب .
تمنح المادة حق جمع التبرعات للجمعيات الإسلامية , وتعفيها من الضرائب العقارية والخاصة بالملكية العقارية ومن ضريبة الشركات , وضريبة المباني وملحقاتها المخصصة للعبادة وعلى نقل الإرث والوثائق القانونية المتعلقة به .
المادة الثانية عشرة : الأعياد الإسلامية .
تمنح هذه المادة للعمال المسلمين الحق بالتوقف عن العمل أثناء وقت صلاة الجمعة وساعة قبل الغروب خلال شهر رمضان وذلك بناءً على اتفاق بين العامل ورب العمل .
وكذلك استبدال أيام الأعياد ذات الصفة العامة بالأعياد الإسلامية , وللطلبة حق طلب العطلة في هذه الأيام وأن لاتجري امتحانات عامة فيها .
المادة الثالثة عشرة : الإرث الثقافي الإسلامي .
تنص على إقامة تعاون بين الدولة والهيئة الإسلامية من أجل الحفاظ على التراث
التاريخي والفني والثقافي الإسلامي في إسبانيا , لجعله في متناول المجتمع بغرض تأمله
ودراسته .
المادة الرابعة عشرة : الحلال .
تنص على منح اعتبار قانوني للأطعمة الإسلامية ( الحلال ) بتوفير الذبح الشرعي
وتسجيل الإشارة الخاصة بذلك , وتوفير الطعام الحلال في المؤسسات الحكومية كالمشافي
والمدارس والجيش وسواها ومراعاة أوقات الوجبات خلال شهر رمضان شهر الصوم لكافة
المسلمين .
تذيل مواد القانون بثلاثة أحكام ختامية :
تقضي بواجب الحكومة بإعلام الهيئة الإسلامية في إسبانيا بما يجد من قوانين تمس
هذا الاتفاق لإبداء رأيها فيها .
أما الثانية : فتجعل هذا الاتفاق قابلاً للمراجعة الجزئية أو الكلية بناءً على طلب
أي من الطرفين .
أما الثالثة : فتقضي بتشكيل لجنة من الدولة والهيئة الإسلامية لتطبيق ومتابعة هذا
الاتفاق .
4 ـ الفوائد والميزات
ـ معنى اتفاق تعاون الدولة الإسبانية مع الهيئة الإسلامية في إسبانيا:
1 ـ إنه طريق هام نحو الحصول على الحريات كاملة وعلى رأسها الحرية الدينية .
2 ـ انفراد هذه الحالة في أوربا , وخاصة أن القانون بمواده الأربعة عشر يتضمن الحقوق
ذات الطبيعة الدينية البحتة كلها .
3 ـ يُعد غطاءً قانونياً بمقتضى النظام التشريعي الإسباني , بحيث يحفظ الحقوق الدينية
للمواطنين المسلمين الإسبان أسوة بسائر الأديان المعترف بها .
4 ـ تكمن في نص القانون , إمكانية تطويره وتحسين محتواه , واعتباره نقطة انطلاق في
مجاله .
5 ـ إن تشكيل لجنة متابعة تنفيذ القانون ممثلة بمندوبين من الجانبين الإسلامي والرسمي
تكفل فعالية تطبيق القانون والسهر على ذلك .
ـ ومن ميزاته :
ـ استقلال المسلمين بشؤونهم الذاتية , واعتماد طريق التمثيل المشترك الذي يمنع استثناء
جهة بتوجيه شؤون المسلمين بمفردها , مما يدفع إلى التنافس في خدمة المسلمين والدفاع عن
قضاياهم .
ـ يُمكن من دوام الصلة بين السلطات الرسمية , والهيئة الإسلامية في إسبانيا ليس على
المستوى القانوني فحسب , وإنما في كافة نواحي الحياة الإجتماعية .
ـ يضع المسلمين في صف واحد مع سائر الأديان المعترف بها في المحافل الرسمية
كالبرلمان والحكومة وسائر أجهزة الدولة وذلك من منطلق التعددية الدينية بالإضافة للتعددية
السياسية .
ـ يفتح مجال التعاون والحوار بين أتباع الديانات المختلفة نداً لندٍ في مستوى مماثل في
الحقوق والواجبات .
ـ يفتح آفاقاً جديدة أمام الراغبين باعتناق الإسلام , على أساس أنه دين معترف به من
السلطات مما يشجع المترددين على اتخاذ المبادرة وإشهار إسلامهم فهو وسيلة دعوية غير
مباشرة .
ـ خطوة عظيمة نحو توطين الإسلام في أوربا , وتعميق جذوره في المجتمعات الأوربية .
ـ وسيكون دور الأجيال المقبلة في تعميق هذا التوجه والاستفادة منه .
ـ بتكوين فريق مختص واع يتابع في المجالات المختلفة .
ـ وبإيجاد وعي متنام يسمح بقطف ثمرات هذا الجهد الصابر الدؤوب .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
رياج ططــــري
No hay comentarios:
Publicar un comentario